نيقولا ميكوفيتش Nikola Mikovic – The Arab Weekly
سيكون للفشل العسكري الروسي في أوكرانيا عواقب خطيرة على موقع موسكو الجيوسياسي. فمع عجز الكرملين عن إلحاق الهزيمة بواحد من أفقر البلدان في أوروبا، سيجد صعوبة في إبقاء حلفائه التقليديين في مجال النفوذ الروسي. هذا صحيح بشكل خاصّ في سوريا، التي كانت تحت المظلّة الاستراتيجية لموسكو منذ الحقبة السوفياتية. على سبيل المثال، سيؤثّر قرار تركيا الأخير بإغلاق مجالها الجوّيّ أمام الطائرات الروسيّة العابرة إلى سوريا، في القدرات العسكرية الروسية هناك، حيث ينتشر أكثر من 63 ألف جندي روسي. ويُنظر إلى هذا القرار باعتبار أنّه ضغط على موسكو بشأن حربها في أوكرانيا. من جهة أخرى، ستزيد المغامرات العسكرية التركية في سوريا من تعقيدات دور روسيا فيها. فقد شنّت أنقرة أخيراً سلسلة من الضربات على الأراضي التي يديرها الأكراد في شمال شرق البلاد. وعلى الرغم من أنّ هذه الهجمات لا تشكّل تهديداً فوريّاً للرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنّها قد تغيِّر دعم روسيا للرئيس السوري، كما يوضح الخبير الروسي أليكسي مالاشينكو Alexey Malashenko. وإذا اشتعلت الحرب الأهليّة في سوريا من جديد، فلن يكون أمام موسكو خيار سوى سحب قوّاتها من هذه الدولة الشرق أوسطيّة، لأنّ الكرملين لا يمكنه الانخراط في نزاعين مسلّحين واسعَيْ النطاق في الوقت نفسه.
إنّ الردّ الضعيف للكرملين على قرار تركيا إغلاق مجالها الجوّي أمام الطائرات الروسية، هو علامة أخرى على أنّ صُنّاع السياسة الروس يدركون أنّه عندما يتعلّق الأمر بسوريا، فإنّ اليد العليا هي لأنقرة. وربّما يفسّر هذا سبب امتداح يفغيني بريغوزين Yevgeny Prigozhin، للإجراءات التركيّة ضدّ الأكراد في العراق وسوريا. وبريغوزين هو مؤسّس مجموعة فاغنر شبه العسكرية، ومرتبط ارتباطاً وطيداً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال أخيراً إنّ لأنقرة المنخرطة في “حربها المقدّسة”، “كلّ حقّ أخلاقي لمحاربة المسلّحين الأكراد”.
الردّ الضعيف للكرملين على قرار تركيا إغلاق مجالها الجوّي أمام الطائرات الروسية، هو علامة أخرى على أنّ صُنّاع السياسة الروس يدركون أنّه عندما يتعلّق الأمر بسوريا، فإنّ اليد العليا هي لأنقرة
لن يساعد هذا الخطاب الكرملين في استرضاء أنقرة، لكنّ بوتين قد يدرك عدم جدوى المحاولة. وعلى الرغم من أنّ تركيا لم تنضمّ رسميّاً إلى العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا، إلا أنّها تواصل إمداد الحكومة الأوكرانية بالأسلحة. وتشير التوجّهات الأخيرة لأنقرة إلى أنّ تركيا قد تشنّ قريباً حملة عسكرية واسعة النطاق في سوريا.
يدرك المسؤولون الروس مثل هذا الاحتمال، وقال سيميون باغداساروف Semyon Bagdasarov، خبير شؤون الشرق الأوسط وعضو البرلمان الروسي، في 24 نيسان الماضي، إنّ حظر تركيا للرحلات الروسية إلى سوريا قد يكون جزءاً من جهود أنقرة لحلّ الوضع في شمال سوريا بما يخدم مصلحتها، وعلى حساب روسيا. ويقول باغداساروف: “يجب أن لا ننسى أبداً أنّ تركيا عضو في الناتو”، موضحاً سبب طعن القادة الأتراك لروسيا مرّة أخرى في ظهرها (شعور يعود إلى سنوات مضت).
الردّ بالبندورة؟
افتراضيّاً، يمكن لروسيا الردّ على تصرّفات أنقرة في سوريا من خلال حظر استيراد البندورة التركية، أو إغلاق خط أنابيب “ترك ستريم” TurkStream مؤقّتاً من أجل “الصيانة”. لكن بالنظر إلى الموقف الجيوسياسي الضعيف لموسكو، وحقيقة أنّ اقتصادها يعاني بالفعل من العقوبات الغربية، فمن غير المرجّح أن يفعل الكرملين أيّ أمر آخر لتهديد العلاقات مع أنقرة.
بالنسبة إلى روسيا، يؤدّي حظر طيرانها الحربيّ فوق الأجواء التركية إلى صعوبات في إمداد قوّاتها في حميميم وطرطوس. ومن المحتمل تماماً أن تكون تركيا، بضغط من الولايات المتحدة، قد اتّخذت مثل هذا القرار لمنع روسيا من نقل أجزاء من قوّتها الجوّيّة من حميميم إلى أوكرانيا.
في 28 شباط الماضي، قيّدت أنقرة مرور السفن الحربية الروسيّة عبر مضيق البوسفور والدردنيل، ما لم تكن عائدة إلى قواعدها في البحر الأسود. وبعبارات أخرى، ما لم يشنّ المتمرّدون (الثوّار) السوريون المدعومون من تركيا هجوماً واسع النطاق في سوريا، فإنّ مساعدة روسيا لجيش الأسد ستبقى محدودة. حتى ذلك الحين، أدّت حرب أوكرانيا إلى تقليص قدرة روسيا على الاستجابة بشكل كبير لأيّ تهديد في سوريا. لهذا السبب، وفي حالة اندلاع قتال مكثّف في سوريا، فمن المرجّح أن يلجأ الأسد إلى إيران بدلاً من روسيا للحصول على الدعم. ووفقاً لبعض التقارير، انتشرت القوات الإيرانية بالفعل في مناطق من سوريا كانت تحت سيطرة القوات الروسية سابقاً.
تعاظم دور إيران في سوريا
تعمل إيران أيضاً على معالجة نقص الوقود في سوريا، الذي يؤثّر في حجم الخدمات الأساسية التي يقدّمها النظام، ويتسبّب بزيادة أسعار الموادّ الغذائية. وقبل أن تغزو روسيا أوكرانيا، كانت موسكو تزوّد سوريا بالبنزين. لكنّ مغامرة بوتين الأوكرانية عطّلت سلاسل التوريد. والآن، وفقاً لمصادر روسيّة، أصبحت إيران هي المورّد الرئيسي للبنزين وأنواع الوقود الأخرى لنظام الأسد.
لم يغيّر أيٌّ من هذا الولاء السياسي لسوريا. وحاليّاً في الأقلّ، لا تزال دمشق موالية لموسكو. وكما قال وزير الخارجية فيصل مقداد أخيراً من أنّ سوريا “تدعم روسيا الاتحادية في معارضتها لسياسة الغرب القائمة على الأكاذيب والمعايير المزدوجة”. وأشادت سوريا بقرار روسيا الاعتراف بجمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية في منطقة دونباس بأوكرانيا (على الرغم من أنّ دمشق لم تعترف رسمياً بالكيانين اللذين أعلنا نفسيهما ذاتيّاً).
إقرأ أيضاً: الحرب الإلكترونية: سرّ “انتصار” أوكرانيا على روسيا؟
يبدو أنّ الأسد ينتهج سياسة خارجية استعملها لسنوات حليف روسيّ آخر، هو رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو Alexander Lukashenko. لكن فيما كان لوكاشينكو يوازن بين روسيا والغرب، فإنّ الأسد سيوازن علاقاته، في المدى المنظور، بين موسكو وطهران. ومع ذلك، ستقلّل الحرب في أوكرانيا من نفوذ روسيا في سوريا، على المدى الطويل. وفي هذا المسار، سيُفتح الباب لإيران لتحلّ محلّ روسيا بوصفها الداعم الرئيسي للأسد.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا