حقل الدّرّة الخليجيّ: هل يُفجّر حرب إيران – السعوديّة؟

مدة القراءة 7 د

حقل الدّرّة للغاز الطّبيعي في مياه الخليج العربيّ. ستسمعون بهذا الاسم كثيراً في المرحلة المقبلة. وسيكون عنوان أزمة جديدة تلوحُ في الأفق بين الدّول العربيّة من جهة، وإيران من جهة أخرى. وقد تشتعل في أيّ لحظة.

ليسَ جديداً الخلاف القائم بين المملكة العربيّة السّعوديّة ودولة الكويت من جهة وإيران من جهة أخرى حول “حقل الدّرّة”. الجديد هو أنّ الأزمة تتزامن هذه المرّة مع نقطتين في غاية الدّقّة:

الأولى: تصاعد حدّة التوتّر بين طهران وأغلب دول مجلس التعاون الخليجيّ على خلفيّة سياسات إيران في المنطقة من اليمن وصولاً إلى لبنان ومروراً بالعراق وسوريا.

الثّانية والأهمّ: تفاقم أزمة الطاقة العالمية نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

تتشارك إيران العديد من حقول النّفط والغاز مع دُول خليجيّة مثل الإمارات العربية المتّحدة وقطر وسلطنة عُمان.

ماذا وراء أزمة “حقل الدّرّة” المُستجدّة؟

قبل أيّام قليلة، أكّدت وزارة الخارجيّة السّعودية حقّ المملكة والكويت في استثمار الثروات الطبيعيّة لحقل الدُرّة، وقالت في بيانها: “سبق أن وجّهت كلّ من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت الدعوات للجمهورية الإسلامية الإيرانية للتفاوض حول تعيين الحدّ الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة ولم تلبِّ تلك الدعوات، وتجدِّد كلّ من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت كطرف تفاوضي واحد دعوتهما إيران لعقد هذه المفاوضات”.

من جانبها، قالت وزارة النّفط الكويتيّة إنّ “شركة عمليات الخفجي المشتركة”، وهي مشروع مشترك بين شركة “أرامكو” السّعوديّة و”الشركة الكويتية لنفط الخليج”، ستتّفق على اختيار استشاري لإجراء الدارسات الهندسيّة اللازمة لتطوير الحقل.

وذكرَ البيان الكويتيّ أنّ من المتوقّع أن يؤدّي تطوير الحقل إلى إنتاج مليار قدم مكعّبة من الغاز الطبيعيّ يوميّاً، إضافة إلى إنتاج 84 ألف برميل من المكثّفات يوميّاً. وسيُقسّم الإنتاج بالتساوي بين الشّريكيْن، استناداً إلى خيار “الفصل البحريّ”، إذ تُفصل حصّة كلّ من الشريكين في البحر.

هكذا اتّفقت السّعوديّة والكويت على تطوير حقل الغاز الطّبيعي البحريّ الذي يبعد 80 كلم من ساحليْهما. وإن لم تُحدّد الدّولتان إطاراً زمنيّاً لبدء أعمال التّنقيب في الحقل، إلّا أنّ الخطوة أثارت عاصمة الملالي.

 

غضب في إيران

في هذا الصدد قالت وزارة الخارجيّة الإيرانيّة إنّ الاتفاق السّعوديّ – الكويتيّ “غير قانونيّ”، وكتبت في تغريدة عبر منصّة تويتر: “حقل آراش/الدرّة للغاز هو حقل مشترك بين دول إيران والكويت والسعودية”. وزعمَت أنّ “هناك أجزاءً منه في نطاق المياه غير المحدّدة بين إيران والكويت”. وأعلنت أنّ “الجمهورية الإسلامية تحتفظ لنفسها بالحقّ في استغلال حقل الغاز”.

لم يقف كلام الخارجيّة الإيرانيّة عند حدود العالم الافتراضيّ. إذ خرج المُتحدّث باسمها سعيد خطيب زاده ليقول: “وفقاً للأعراف الدولية فإنّ أيّ خطوة للاستثمار والتطوير في هذا الحقل يجب أن تكون بالتنسيق والتعاون بين الدول الثلاث”.

كان كلام الخارجيّة الإيرانيّة ليعتبر سياسيّاً عابراً لولا تصريح وزير النفط الإيراني جواد أوجي الذي قال بتغريدة على تويتر إنّ بلاده ستستكمل دراسات شاملة في حقل الدرّة/آراش، تمهيداً لبدء تركيب منصّات حفر والقيام بدراسات زلزالية. وأضاف: “التّصرّف من جانبٍ واحد (يعني السّعودية والكويت) بشأن الحقل لن يمنعنا من تطبيق خطّتنا”. وفي حال تنفيذ التّهديد الإيرانيّ، فهذا لن يكونَ تفصيلاً على الإطلاق.

قد تشتعل مياه الخليج العربيّ بالثّروة المكنونة في أعماقها. فالدّول العربيّة غير مُستعدّة للتّنازل عن حقوقها السّياديّة، إيران ليست مُستعدّة للتنازل عن سلوكها العدوانيّ

لماذا تسعى إيران جاهدة لاستثمار حقل الدّرّة؟

تكمن أسباب عديدة خلف السّعيّ الإيرانيّ إلى الانقضاض على حقل الدّرّة في مياه الخليج العربيّ. إذ إنّ اكتشاف وضمّ أيّ كمّيات جديدة من الغاز الطّبيعي إلى المخزون الإيرانيّ سيجعل من “بلاد فارس” منافساً جدّيّاً لروسيا على لقب الدّولة التي تملك أكبر احتياطيّ من الغاز الطّبيعيّ في العالم.

وتسعى إيران عبر حقل الدّرّة إلى الضّغط على الأميركيين والأوروبيين أكثر وأكثر لإنجاز الاتفاق النّوويّ ورفع العقوبات عنها تحت حجّة الحاجة الأوروبيّة إلى مصادر جديدة للغاز الطّبيعيّ ضمن الخطّة الأوروبيّة لتقليل الاعتماد على الغاز الرّوسيّ.

في الوقت عينه، تُحاول إيران أن تضغط أكثر على الولايات المُتّحدة عبر زيادة التّوتّرات في منطقة الخليج العربيّ ذات المخزون الهائل من الغاز الطّبيعيّ والنّفط. إذ من شأن أيّ توتّرٍ في المنطقة أن يرفع أسعار النّفط والغاز أكثر وأكثر، وأن يرتدّ سلباً على الدّاخل الأميركيّ المُنهك من التّضخّم الاقتصاديّ وارتفاع أسعار النّفط بفعل الحرب الرّوسيّة – الأوكرانيّة.

 

هذا عن إيران.. ماذا عن السّعوديّة والكويت؟

قبل أسابيع أعلن وزير الطّاقة السّعوديّ الأمير عبد العزيز بن سلمان اكتشاف العديد من حقول الغاز الطّبيعيّ في المملكة. يدلّ هذا على أنّ السّعوديّة التي تلعب دوراً كبيراً ومحوريّاً في سوق النّفط تريد أن تلعب الدّور عينه، وربّما دوراً أكبر، في سوق الغاز الطّبيعيّ. ومن شأن ذلك أن يُعزّز من مكانتها الاقتصاديّة والسّياسيّة. في هذا الإطار، يُعتبر حقل الدّرّة الضّخم عماداً مُهمّاً في دعم القوّة السّعوديّة في أسواق الغاز العالميّة.

في الوقت عينه، تُريد المملكة أن تزيدَ من اعتمادها على الغاز عوضاً عن النّفط في توليد الطّاقة لتُصدّر الكمّيّات المُوفّرة إلى الأسواق. إذ إنّ أرباح النّفط عند تصديره تزيد على أرباح الغاز الطّبيعيّ.

أمّا الكويت فهي تعتمد في الأساس على استيراد الغاز لتوليد الكهرباء، ولذلك سيوفّر عليها استخراجها للغاز من حقل الدّرّة مليارات الدّولارات التي تدفعها لقاء استيراد الغاز من مصادر مُختلفة.

 

هل يُشعل “الدّرّة” الخليج العربيّ؟

تتشارك إيران العديد من حقول النّفط والغاز مع دُول خليجيّة مثل الإمارات العربية المتّحدة وقطر وسلطنة عُمان. ومن نافل القول أنّ تسوية خلافات كهذه لا تتمّ دائماً بشكلٍ سلميّ أو ودّيّ. وليس أدلّ على ذلك من غزو نظام صدّام حسين لدولة الكويت سنة 1990 تحت حجّة أنّ الأخيرة كانت تُنتج بشكل مُفرط من حقلٍ يقع على الحدود المُشتركة بين العراق والكويت.

يزيدُ هذه المخاوف أيضاً ارتفاع أسعار الطّاقة العالميّة والنّقص المُحتمل في إمدادات الطّاقة الرّوسيّة في حال اختارت القوى الغربيّة والولايات المُتّحدة رفع سقف التّحدّي مع فلاديمير بوتين وحظر النّفط والغاز الرّوسيَّيْن.

 

أميركا تجدها فرصة؟

في هذا السّياق، اعتبر مصدرٌ في الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس”، رفضَ الكشف عن اسمه، أنّ ما يحصل بين السّعوديّة والكويت وإيران بشأن حقل الدّرّة هو فرصة لإقامة علاقات عمل مُشترك ومُحادثات بين دول الخليج الأساسيّة، ويعني بذلك السّعوديّة والإمارات وإيران وقطر.

وأضاف المصدر أنّ إيران إذا قرّرت في هذه اللحظة العمل في حقل آراش – الدّرّة، فهي لن تكون جاهزة للإنتاج والتصدير قبل 5 أو 6 سنوات. وسيُكلّفها تطوير الحقل ما يزيد على 5 مليارات دولار، وهي ليست قادرة على تحمّل هذه التكاليف في الوقت الحاليّ بفعل العقوبات الأميركيّة.

إقرأ أيضاً: قمم العرب وصواريخ إيران: النفط.. قبل العسكر

هكذا قد تشتعل مياه الخليج العربيّ بالثّروة المكنونة في أعماقها. فالدّول العربيّة غير مُستعدّة للتّنازل عن حقوقها السّياديّة، إيران ليست مُستعدّة للتنازل عن سلوكها العدوانيّ من الخليج العربيّ إلى المحيط الأطلسيّ.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…