جاء دور المختارة.
بعد بيت الوسط، والإقفال على طريقة “الأكشن”، سيكون إقفال المختارة أقرب إلى دراما تاريخية.
الزحف الشيعيّ من ضاحية بيروت الجنوبية باتّجاه الشويفات، الذي قضم نصفها تقريباً، سكّانيّاً واجتماعياً، ها هو قد وصل إلى مشارف المختارة، في قلب الشوف. لكن هذه المرّة ليس بالمسلّحين، ولا باجتياح كما في 11 أيّار 2008، بل بـ”النائب” وئام وهّاب.
المخطّط الذي يديره حزب الله سيدفع إلى إعطاء الأصوات التفضيليّة كلّها على لائحة وهاب – طلال أرسلان – التيار الوطني الحرّ، لوهّاب. لم يقتنع جبران باسيل بعد، خوفاً على مقعد غسّان عطاالله. لكن يجري إقناعه، ليكون مجموع الأصوات التفضيلية لوهّاب أعلى من تيمور جنبلاط. هكذا يحتلّ وئام مقعد مروان حمادة، ويبقى تيمور “تحت” وهّاب بالأعداد التفضيلية. تماماً كما كان أمين شرّي في انتخابات 2018 النيابية “أعلى” من رقم سعد رفيق الحريري في بيروت.
يعلم الجميع أنّ هدف حزب الله من إجراء الانتخابات النيابية في موعدها هو جملة واحدة سيقولها للمجتمعَيْن العربي والدولي: “الشعب اللبناني معي، ولستُ إرهابيّاً”. وسيقول للداخل: “أنا الزعيم”.
مسؤول أمني كبير في الحزب، قال لمسؤول كبير في “الاشتراكي”، إنّه سيأخذ في الانتخابات “5 نوّاب دروز”. قالها بالفم الملآن. والحكاية تكبر في جبل الدروز اللبناني
سيقول هذه الجملة حزب الله وهو يتّكىء على كتلة مسيحية هي الكبرى، بين باسيل وسليمان فرنجية وآخرين، وعلى كتلة سنّيّة لن تكون أقلّ من 35% من المقاعد السنّيّة الـ27، وبكتلة درزيّة قد تصل إلى 5 مقاعد من أصل 8. وبالتالي سيكون “ائتلاف” حزب الله هو الممثّل الأوّل في لبنان لكلّ الطوائف، في مقابل “الائتلاف” الذي يحضّره سمير جعجع، ويحاول إقناع بعض العرب بالضغط لصناعته، من نوّابه المسيحيّين (بين 15 في حدّ أدنى وربما أكثر)، فضلاً عن النوّاب السُنّة الذين يريد ضمّهم إلى كتلته، في حال موافقتهم على الانضمام.
5 مقاعد درزيّة خارج المختارة؟
وفق حسابات قريبين من ماكينة الحزب التقدّمي الاشتراكي، فإنّه من أصل 8 مقاعد درزيّة، هناك خطر على 5، قد يقضمها حزب الله بشكل أو بآخر:
1- مقعد طلال أرسلان في عاليه، الذي اعتاد وليد جنبلاط أن يتركه له أصلاً. وهناك همس جدّيّ بأنّ مارك ضوّ قد “يخطف” هذا المقعد منه. وثمّة “همس” أنّه مدعوم سرّاً، لإقفال الدارتين: خلدة والمختارة، في ضربةٍ واحدة.
2- مقعد مروان خير الدين في حاصبيا، الذي هو نتيجة “تفاهم” بين جنبلاط وأرسلان، بموافقة الرئيس نبيه برّي وحزب الله. أسهم “الاشتراكيين” فيه لا تتجاوز 20%، مقابل 80% لخصومه.
3- مقعد فيصل الصايغ في بيروت، إذا فشلت لائحة فؤاد السنيورة، برئاسة خالد قباني، في الوصول إلى حاصل أو أكثر، لضمان المقعد الدرزي “في كعبها”. والصايغ يعمل بشكل كثيف في بيروت، حتّى إنّه سلّم تبرّعات لـ”المقاصد” ولـ”دار العجزة” في بيروت ولـ”مؤسسات الدكتور محمد خالد”، شيكات بقيمة 160 ألف دولار لكلّ منها.
4- مقعد مروان حمادة في الشوف، الذي، وفق ما يُخطّط له، وبسبب ابتعاد حمادة عن “الجمهور” لأربع سنوات، وبسبب النقمة الشعبية (“الطبيعية” في كلّ المناطق ضدّ الأحزاب)، قد يخطفه وهّاب، الذي يدير المعركة “ضدّ مروان وليس ضدّ تيمور”، بحنكة ودهاء.
5- مقعد وائل أبو فاعور في البقاع الغربي، الذي يهدّده المرشّح طارق الداوود، ليس بشكل “جدّي”، لكن بما يدفع قيادة الاشتراكي إلى الإكثار من إطلالات أبو فاعور التلفزيونية، ونجاحه فيها.
مسؤول أمنيّ كبير في الحزب
هذه حسبة جدّيّة في المختارة. أفضل احتمالاتها أن ينجح أبو فاعور وحمادة والصايغ، وأسوأها أن ينهزموا، فيصير حزب الله شريكاً بـ”النصف زائداً نصفاً”، بـ4 مقاعد صافية، ومعهم مروان خير الدين. أو “ينجح” أبو فاعور، فيصير الحزب شريكاً بـ3 “زائدة نصفاً”… وهذا متروك لعوامل عديدة.
السيناريو يراوح بين “سحب” الزعامة الدرزية من قصر المختارة، وبين شراكة جدّيّة في زعامة الدروز بين المختارة وحارة حريك.
مسؤول أمني كبير في الحزب، قال لمسؤول كبير في “الاشتراكي”، إنّه سيأخذ في الانتخابات “5 نوّاب دروز”. قالها بالفم الملآن. والحكاية تكبر في جبل الدروز اللبناني.
هل يكفي هذا التحدّي لاستنهاض الدروز؟
للمرّة الأولى، شعر “الحزب الاشتراكي” بـ”حركة تسرّب” من صفوفه، خصوصاً بين جيل الشباب. هي بالطبع مشابهة لحركة التسرّب في كلّ الأحزاب اللبنانية. لكنّ قلّة عدد الدروز، وقلّة عدد مقاعدهم، يجعلان التسرّب هذا “دقيقاً”. فإذا كان بحدود 10% أو 15%، فهذا يعني خسارة حاصل أو حاصلين على الأقلّ. وهذا يعني تراجع عدد نواب “كتلة جنبلاط” من 9 إلى 7، وربّما 6، مع 3 أو 4 دروز. وبالتالي لا تعود “بيضة القبّان” في السياسة، ولا امتداداً لزعامة الدروز التاريخية في المختارة.
تيمور: الجوع والصمود
من يعرف تيمور جنبلاط، يعرف أنّه لا يحبّ السياسة. هذا كلام لا يُخفيه الشابّ الطموح. لكنّه يعرف أنّه يحمل على كتفيه إرث 400 عام من الزعامة، ومن “المسؤوليّة التاريخية”. وهو “يناضل” حاليّاً، مثل بقية الورثة في الأحزاب والزعامات التقليدية في لبنان. وأحياناً “من خارج” مؤسّسات الحزب التقليدية.
يحاول أن يمارس السياسة على الطريقة الأوروبية، حيث أمضى جزءاً من شبابه. يجول اليوم في قرى إقليم الخرّوب. يحدّثهم عن معمل للنفايات بات في حكم المُنجَز، وعن مشروع لتوليد الطاقة الشمسية، يصل إلى 250 ميغاواط، وبات على مشارف البدء بالعمل. لديه مشاريع كثيرة أخرى، لكن لا يحبّ الحديث عنها قبل إنجازها. لا يحبّ الوعود “اللبنانية”.
يعرف تيمور أنّ خطاب “الدروز” و”المختارة”، بات معلوكاً، والجيل الجديد من الشباب في جبلـ”ـه” ما عاد يقبله. لذلك هذه الحملة الانتخابية ليست عن “حفظ المختارة” و”حقوق الدروز”، بل تدور حول المشاريع، و”الصمود” أمام “الإلغائيين”. خاض مع والده معركة كورونا في الجبل، وانتصرا فيها، وكذلك معركة “الجوع”، وجنّبا الجبل “المجاعة” التي ما زالت عالقة في أذهان أهل الجبل، منذ 100 عام.
أمواج على شواطىء المختارة
أمام تيمور بحر هائج من الأمواج: “موجة الثورة”، المتزامنة مع “موجة الجوع”، و”موجة حزب الله” التي هي “موجة وئام وهّاب”، و”موجة الانفضاض العربي”، و”موجة تيمور” نفسه، الذي يعتبر أنّه سيقوم بـ”واجبه” مع “المسؤولية التاريخية، ريثما ينضج “فؤاد”، ابنه، كي يخرج من هذا الذي يعتبره “عبئاً” عليه، ويسلّم الراية إلى الجيل الرابع، من صلب الشهيد كمال جنبلاط.
المختارة فيها هذه الأيّام “داليا” أيضاً، شقيقة تيمور. تساعده، وتقف إلى جانبه. تحبّ السياسة أكثر منه. تنخرط فيها أكثر ممّا قد يتصوّر البعض. لكنّ “الجبل” لا يحتمل “امرأة” تقوده.
إقرأ أيضاً: المختارة: اثنان من الورثة نجحا في الامتحان
وبين وئام وفؤاد وداليا، تبدو المعادلة صعبة.
في الكواليس يجلس البيك الكبير. يحاول صيانة دور دارته. يحيط تيمور بالمستشارين الأذكياء. لكنّ تيمور يعرف أنّه “القدَر”. هذا الذي لطالما تحدّث عنه والده، وآمن به جدّه.
المُختارة في خطر جدّيّ هذه المرّة. وصلت أمواج الخطر إلى شواطئها. تيمور يبدو طريّ العود. الاستحقاقات ستجعله أشدّ عوداً كما حصل مع والده بعد اغتيال جد تيمور، الأسطورة كمال بك…