لماذا تقلق إيران من الانفتاح السعوديّ الباكستانيّ؟

مدة القراءة 8 د

كان يكفي متابعة الإعلام الإيراني أو المحسوب عليه وهو يتعامل مع تطوّرات الأحداث الأخيرة في باكستان والهجوم المستميت على قوى المعارضة التي توحّدت لإزاحة عمران خان عن كرسي رئاسة الوزراء، لقياس حجم خيبة الأمل في طهران عندما اختار رئيس الوزراء الباكستاني الجديد شهباز شريف المملكة العربية السعودية ليبدأ معها فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين.

تعرف القيادة الباكستانية أكثر من غيرها أهميّة العلاقات التاريخية بين الرياض وإسلام آباد، وأنّه لا يمكن تعريضها للخطر بسبب مواقف سياسية مرتبطة بقرارات ظرفية. اللافت هنا هو الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية الباكستانية دائماً في الحؤول دون اقتراب القيادات السياسية الباكستانية في علاقاتها مع الرياض من الخط الأحمر الواجب عدم تجاوزه، ودخولها المباشر على الخط عند اللزوم لحماية المسار التاريخي في العلاقات.

بمقدور إسلام آباد أن تحسّن علاقاتها مع دول الجوار، لكنّ محاولة البعض في الداخل لعب ورقة هذه الدول في علاقاتها مع السعودية بشكل سلبي هو ما شكّل السبب الأول لأيّ توتّر حصل بين الجانبين. من هنا تدرك القيادات الباكستانية بمختلف ميولها وتوجّهاتها السياسية والحزبية، منذ ولادة الدولة في العام 1947 حتى اليوم، أنّ إسلام آباد لن تجد أجوبة على أسئلة كثيرة تتعلّق بعلاقاتها مع الرياض عند أيّ لاعب إقليمي أو دولي آخر. الإجابات هي عند المملكة العربية السعودية نفسها.

لا يمكن فصل التقارب السعودي الباكستاني الجديد عن قلق إيراني من عرقلة مخطّطات طهران في آسيا ومحاولتها التأثير في مسار العلاقة بين الرياض وإسلام آباد

لم تخرج باكستان من أزمتها السياسية بعد على الرغم من حؤول المحكمة الدستورية العليا دون أزمة حكومية حزبية، ومن تكليف شهباز شريف بتشكيل حكومة جديدة بعد الإطاحة بحكومة عمران خان في اقتراع لحجب الثقة. الساحة الباكستانية حبلى دائماً بالمفاجآت. فهناك مسألة الاستقالات الجماعية البرلمانية الي قدّمها نواب حزب المعارضة الرئيسي، المتمسّك بالتصعيد في الميادين. وهناك الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تنتظر الحلول السريعة. وهناك أيضاً ملفّات إقليمية عديدة تنتظر تحديد المواقف والسياسات، أبرزها العلاقة مع إيران والولايات المتحدة الأميركية وأفغانستان، خصوصاً بعد التوتّر الحدودي بين البلدين، بعد ساعات من تسلّم شريف السلطة، الذي لا يمكن تجاهل احتمال أن يكون رسالة مقصودة من قبل المنزعجين من التحوّلات السياسية الحاصلة في إسلام آباد.

خيبة أمل إيران

لمعرفة حجم الغضب الإيراني حيال عملية انتقال السلطة السياسية في باكستان وخيبة الأمل التي راهنت على نظرية “المؤامرة الأميركية بشراكة بعض المتواطئين” في إزاحة عمران خان، يكفي أن نرصد الإعلام الإيراني أو المقرّب منه وهو يتحدّث عن استحالة نجاح شريف في تشكيل الحكومة أو بقائها على رأس السلطة. إذ تعيش باكستان جملة من الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تقرّب أكثر فأكثر موعد الانتخابات المبكرة في البلاد. من الطبيعي جدّاً أن تغضب إيران بسبب فشلها في صبّ الزيت فوق نار التوتّر الحزبي والسياسي في باكستان واحتمال مواجهتها معضلة تأثُّر علاقاتها ومصالحها سلباً مع تشكيل حكومة شريف التي قد تغيّر الكثير من مواقف وسياسات باكستان الإقليمية.

هنّأ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رئيس الوزراء الباكستاني الجديد شهباز شريف بتولّيه منصبه، وأكّد حرص المملكة على دعم باكستان والوقوف إلى جانبها، مع الإشارة إلى عمق العلاقات الثنائية، والاتفاق على تعزيزها وتنميتها في مختلف المجالات.

شكر المملكة العربية السعودية

بدوره لم يتوقّف شهباز شريف عند ذلك، فهو شكر للمملكة العربية السعودية “دعمها لباكستان في الأوقات العصيبة” التي مرّت بها، وذلك في أوّل خطاب له أمام البرلمان عقب انتخابه رئيساً للوزراء، مجدِّداً عزمه على تعزيز وتوطيد الروابط والعلاقات الودّية القائمة مع الإمارات العربية وقطر ودول الخليج الأخرى. الرسائل الأولى التي وجّهها شهباز شريف باتّجاه دول الخليج، وتحديداً السعودية، هي بحدّ ذاتها تحمل أكثر من مؤشّر قد تكون كافيةً لإقلاق إيران:

– يريد شريف أن يقود مساراً جديداً في علاقات بلاده مع دول الخليج، وإعادة المياه إلى مجاريها.

– يريد أن يعلن بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين بلاده والرياض بعد فتور بسبب ملفَّيْ اليمن وكشمير.

– يريد أن يردّ التحيّة للمملكة التي استضافته لسنوات طويلة وهو في المنفى منذ عام 2000 قبل أن يعود مجدّداً إلى بلاده بعد سبع سنوات.

– يؤكّد أنّ بلاده لا تنسى وقوف السعودية إلى جانبها في مواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، وأنّ هذا التقارب كان محفِّزاً أساسيّاً في دعم السعودية لباكستان في إنجاز مشروعها الاستراتيجي هذا، خصوصاً بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية عام 1984.

– يريد أن يقول إنّه يعرف أكثر من غيره حجم الدعم السياسي والمادّي الذي لم تفرّط به السعودية والإمارات من أجل تغذية الاقتصاد الباكستاني بعشرات المليارات من الدولارات، إلى جانب استضافة السعودية أكثر من مليوني باكستاني، واعتبارها أكبر مصدر للتحويلات الماليّة الخارجية إلى باكستان، وأكبر مصدر للنفط لباكستان، وأحد الأسواق الرئيسة للمنتجات الباكستانية.

موافقة الرياض على استئناف المساعدة النفطية لباكستان التي تُقدّر سنوياً بحوالي 1.5 مليار دولار، وتوقيع عقود وصفقات اقتصادية بقيمة 20 مليار دولار خلال زيارة وليّ العهد السعودي لإسلام آباد قبل 3 أعوام، هي بين مواقف الصديق وقت الضيق في العلاقات بين البلدين.

 

– ربّما الأهمّ هو توجيه رسائل استراتيجيّة البعد مفادها أنّ العلاقات السعودية الباكستانية ستشهد مرحلة جديدة في ضوء المتغيّرات الإقليمية والتطوّرات المحيطة بباكستان.

المخطّط الإيراني

تأثّرت علاقات البلدين نتيجة مواقف متباعدة في ملفّات، بينها الأزمة اليمنية والعلاقة مع إيران والاصطفافات الإقليمية، لكنّها كانت كلّها حالات استثنائية ظرفية لم تعمّر طويلاً. باكستان واحدة من الدول الإقليمية المؤثّرة والقادرة على قلب المعادلات والتوازنات الاستراتيجيّة في آسيا. هذا ما رأته القيادة السعودية منذ أواخر الأربعينيّات، وهذا ما دفعها إلى ترسيخ علاقاتها مع إسلام آباد، وهذا ما هو قائم حتى اليوم.

يقوم المخطّط الإيراني منذ سنوات طويلة على الإيقاع بين الرياض وإسلام آباد إذا ما عجزت طهران عن كسب إسلام آباد إلى جانبها أو تحييدها في مسار العلاقات السعودية الإيرانية. أخذت القيادة الإيرانية ما تريده لفترة، خصوصاً في ضوء الموقف الباكستاني من الحرب الدائرة في اليمن. وهي كادت أن تحصل على ما تريده في قمّة كوالالمبور لولا تراجع إسلام آباد في اللحظة الأخيرة عن قرار المشاركة في القمّة نتيجة التحذيرات السعودية من ارتدادات خطوة من هذا النوع على مستقبل العلاقات بين البلدين. بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان بدأت جميع القوى إعادة حساباتها بشكل سريع. اليوم هناك مَن يقول لنا في الرياض وإسلام آباد إنّ “الاضطراب في أفغانستان ستكون له تداعيات خطيرة على باكستان”. فهل يصل هذا الانفتاح السعودي الباكستاني الجديد إلى تبنّي باكستاني للطرح السعودي في ملفّات أفغانستان؟

الملف الأفغانستاني

يبدو أنّ محاولة تفجير الوضع على الحدود الباكستانية الأفغانية هي محاولة إيرانية للردّ على هذا التقارب الذي تشعر أنّه سيكون على حسابها بعدما فشلت كلّ جهودها وحملاتها لعرقلة المرحلة الانتقالية السياسية الجديدة في إسلام آباد. اليوم هناك تخوّف إيراني من احتمال حدوث تقارب سعودي تركي باكستاني جديد يقلب حسابات طهران في آسيا رأساً على عقب، خصوصاً بعد رفضها عملية التغيير الحكومي والسياسي في باكستان وتمسّكها بعمران خان في السلطة.

ما يخيف طهران أكثر هو إسقاط ورقة الأقليّة الشيعية في باكستان من يدها، وبالتالي عرقلة مشروع التمدّد والتوغّل الإيرانيَّين في المدن والمؤسسات ومراكز النفوذ الإعلامي الباكستاني بعدما أنشأت العشرات من المراكز التي تروِّج لأفكارها تحت غطاء التقارب الثقافي وتسهيل زيارة شيعة باكستان للمراكز الدينية في المدن الإيرانية.

إقرأ أيضاً: عمران خان “ضحيّة” أوكرانيا؟

لا يمكن فصل التقارب السعودي الباكستاني الجديد عن قلق إيراني من عرقلة مخطّطات طهران في آسيا ومحاولتها التأثير في مسار العلاقة بين الرياض وإسلام آباد، خصوصاً مع تذكير القيادة الإيرانية بين الحين والآخر بعروض الطاقة لباكستان كتعويض لها عن أيّة خسارة تحدث في وارداتها النفطية من السعودية.

حاول البعض في باكستان لعب ورقة “الحياديّة” بين الرياض وطهران فوجد نفسه يدفع ثمن توغّل الجماعات الإيرانية المتشدّدة في المدن الباكستانية. “التحرّك الاستباقي” السعودي الذي تبنّته الرياض في الأعوام الأخيرة لم يكن يهدف فقط إلى مواجهة إيران والردّ على تهديداتها، بل هو يهدف إلى تدمير التحصينات العرقية والمذهبية التي تحاول أن تبنيها في اليمن وسوريا ولبنان وباكستان.

مواضيع ذات صلة

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….