“أبو ملحم” الرياشي (2): المُقاتِل… بسلاح مار بولس

2022-04-15

“أبو ملحم” الرياشي (2): المُقاتِل… بسلاح مار بولس

في العام 2010، شارك ملحم الرياشي في تأسيس جريدة “الجمهورية” مع وزير الداخلية الياس المرّ قبل أن يفترقا. وكان الرياشي ينظر في عرض عمل بأبو ظبي. لكن فور انتشار خبر انفصاله عن المرّ، اتصل به سمير جعجع وطلب منه أن يؤسّس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية، فـ”عاد الرياشي إلى عشّه” كما كتب زياد الرحباني يومها، حيث أسّس أوّل “جيش إلكتروني” في لبنان، ليساهم في حضور القوات بقوة على السوشيل ميديا. وظلّ في منصبه إلى مشارف انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.

بين العامين 2015 و2016، تبيّن أن لا بديل عن رئاسة ميشال عون. كان الرئيس سعد الحريري قد تخلّى عن ترشيح سمير جعجع، ووليد جنبلاط رشّح هنري حلو، ثمّ رشّح الحريري سليمان فرنجية… وكان واضحاً أنّه يتّجه إلى القبول بميشال عون تحت إصرار حزب الله.

فور انتشار خبر انفصال الرياشي عن المرّ، اتصل به سمير جعجع وطلب منه أن يؤسّس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية

هنا التمعت في رأس ملحم فكرة المصالحة الكبرى. فما دام عون سيصل إلى بعبدا، لمَ لا يمرّ من بوابة معراب، فيستفيد المسيحيون في لبنان بأن يطووا صفحة “حروب الإخوة”، التي كان ملحم خصماً لها منذ كتابه “قادة ونكبة” في 1994.

كان ميشال عون سيربح رئاسة الجمهورية لستّ سنوات، والأرجح أن ينقلب على الاتفاق، وهكذا فعل، لكنّ القوات ستربح اعترافاً عونيّاً بأنّ كلّ البروباغندا، التي عمل عون عليها لتشويه صورة جعجع وأبلسته، كانت مخطئة، وانتهت. وسيربح المسيحيون أنّ الخلاف سينتقل من الشارع، من السلاح، من ذاكرة الدم، إلى خلاف سياسي في المؤسسات السياسية والدستورية وفي الإعلام.

وبالفعل، فإنّ خلاف الذاكرة الدموية انتهى من يومها. و”أوعا خيّك” جعلت المسيحيين يختلفون على ملفّات، مثل الكهرباء والاقتصاد والوزارات، وما عاد أحد يتذكّر القتل والشهداء إلا بعض الحاقدين الذين لا علاج لهم.

كان ذلك الإنجاز الأكبر في مسيرة ملحم الرياشي: المصالحة، في 2 حزيران 2015. كانت آخر معركة في “حروب الجماهير” بين القوات والعونيين، وانتصرت القوات. حتّى إنّ الراحل الكبير جان عبيد سأل يومها: “من هو هذا الداهية الذي صنع المصالحة المسيحية، ليلطّخ عون ويطهّر جعجع؟”.

التقدّم “الملموس” الذي حصدته “القوات” من المصالحة كان ارتفاع عدد الأصوات الذي حصلت عليه في الانتخابات النيابية لعام 2009، إلى 156 ألف صوت تفضيلي في انتخابات 2018، مع توقّعات بأن يرتفع هذا الرقم أكثر وأكثر في انتخابات 2022.

هو ابن بيروت، الجمّيزة، الجريحة في الحرب. وأيضاً وأوّلاً ابن الخنشارة، بلدة على سفح جبل لبنان، مبنية على صخوره البيضاء القاسية، التي عانت الكثير، وواجهت بزنود شبابها تارةً، وأيضاً بخشوع رهبانها وهدوئهم أحياناً

الحياد… ومجلس النوّاب

في الحكومة الأولى بعد انتخاب ميشال عون في 2016، سمّى سمير جعجع ملحم وزيراً للإعلام، وفوراً بدأ العمل على مشروع إلغاء وزارة الإعلام، وإنشاء “وزارة حوار وتواصل وإعلام”، تساهم في الحوارات على مستوى المنطقة وليس لبنان فقط. وكان الطموح أن يتكوّن رديف لفيينّا وجنيف، وأن تستعيد بيروت دورها الحواري وتكون صلة وصل.

في 2020، بدأ الدعوة إلى “الحياد الفاعل” باعتباره “قبّة حديدية حامية للبنان من الاستثمارات الدموية للدول المحيطة في أهلنا، أو من استباحة أرضه ساحة لصراعات خارج حساباته وحسابات اللبنانيين، وغالباً ما تكون نتائجها لحساب الجميع إلا اللبنانيين”. الحياد من دون التخلّي عن دعم قضايا الإنسان، من فلسطين إلى حقوق الإنسان والعدالة الدولية…

كتب سلسلة مقالات في موقع “180 post”، داعياً إلى “إقرار الحياد، بقرار داخلي ذاتي المنشأ، أو الاستعانة بمجلس الأمن الدولي عبر نقل المسألة اللبنانية إلى طاولته، وإقرار هذا الحياد تماماً كما تمّ إقرار نظام المتصرفيّة “بالفرض” في العام 1860. ومن دون أن نعدم وسيلة، طرح لما لهذا الحياد من ارتباط عضوي بمستقبل لبنان وشكله السياسي والثقافي على السواء”.

ثمّ دعا إلى “الفدرالية الجغرافية كما هو نظام الإمارات العربية المتحدة أو قُلْ ألمانيا الاتحادية أو الولايات المتحدة الأميركية، لكن بما يسهل إسقاطه على لبنان، فدرالية لا تقسِّم المناطق بحسب الطوائف، بل توزّع القوى على الأقضية وتحوّلها إلى محافظات ذات صلاحيات واسعة وصولاً إلى بعض التشريعات الداخلية التي تخصّها، كأن يصحّ الزواج المدني في قضاء (محافظة) المتن مثلاً لا حصراً، وإن كان لا يصحّ في محافظة أخرى. وذلك مع الاحتفاظ بقوة مركزية فدرالية علمانية وشرطة فدرالية إلى جانب البوليس المحلّي الذي يحافظ على الأمن الداخلي، ويكون جاهزاً كما الشعب السويسري حين يدقّ الخطر على أيّ باب من أبواب لبنان. أضف إلى ذلك، تشريع فدرالي إلى جانب التشريع المحلّي ويعلو عليه، وقضاء متوازٍ ونظام ضرائبي وهكذا دواليك”.

الرياشي نتاج خليط نادر في جبل لبنان، بين طفولة عايشت الحرب وأهوالها، من الستينيّات إلى نهاية الثمانينيّات، وبين شباب خرج من الحرب يبحث عن ضمّادات لختم جروحها. والنتيجة: لا في الحرب كان مقاتلاً، ولا في السلم صار انقساميّاً

أبو ملحم”… الرياشي

هو ابن بيروت، الجمّيزة، الجريحة في الحرب. وأيضاً وأوّلاً ابن الخنشارة، بلدة على سفح جبل لبنان، مبنية على صخوره البيضاء القاسية، التي عانت الكثير، وواجهت بزنود شبابها تارةً، وأيضاً بخشوع رهبانها وهدوئهم أحياناً.

هو نتاج خليط نادر في جبل لبنان، بين طفولة عايشت الحرب وأهوالها، من الستينيّات إلى نهاية الثمانينيّات، وبين شباب خرج من الحرب يبحث عن ضمّادات لختم جروحها. والنتيجة: لا في الحرب كان مقاتلاً، ولا في السلم صار انقساميّاً.

الشاب الذي كان حين يذهب مع أصدقائه إلى الصيد، يتأفّفون إذ يُمضي النهار في محاولة ثنيهم عن قتل هذا العصفور أو ذلك الطير، لألف سبب وسبب. وما عادوا يصطحبونه. وبعد توزيره، فاتحه بعض القريبين منه بأنّه يحقّ للوزير أن يشتري سلاحاً من الدولة اللبنانية بأسعار زهيدة. لكنّه رفض. لأنّه يكره السلاح، ولا يحبّ اقتناءه.

إقرأ أيضاً: “أبو ملحم” الرياشي (1): مرشّح صليب المصالحات

الشاب الذي عمل في الإعلام واقترب من اللاهوت والفلسفة دراسةً وإقامةً وسلوكاً، أنجز في كندا رسالة أكاديمية، عن فنون الإقناع عند بولس الرسول، الذي بشّر بالمسيحية وأقنع شعوباً كاملة بها، في سوريا وكيليكيا واليونان ومدن أوروبية.

* صدر لمحلم الرياشي الكتب التالية خلال مسيرته:

– “قادة ونكبة” (1994)

– “يهوذا الاسخريوطي الخائن البار”  (1995)

– “مزمور السجين” (1997)

– “عبور” (1998)

– “ألبير مخيبر- ميشال المرّ، العلامة الفارقة”  (2000)

– “البئر” (2003)

– “حارس القبر” (2007)

– “كتاب العتب” (2016)

– “ألبير مخيبر” (2022)

مواضيع ذات صلة

الياس خوري رحل إلى بيروته وتركنا لأشباحها

عن 76 عاماً، قضاها بين الورق والحبر والكتب والنضال من أجل تحرير فلسطين والإنسان العربي، غادرنا الروائي والقاصّ والناقد والأكاديمي الياس خوري، تاركاً فراغاً يصعب…

طلال سلمان في ذكراه… “أين الطريق”؟

قبل عام كامل غادرنا طلال سلمان، بعد سبع سنوات من توقف جريدته “السفير” عن الصدور. غادرنا قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، وتمرّ…

وليد فيّاض وعجائبه السّبعة: تحويل “الكرامة” إلى “فيولة”‎

اختصر وزير الطاقة وليد فياض في كلمتين فلسفة المنظومة السياسية التي يمثّلها: “الكرامة” و”أميركا”. ونحن اللبنانيّين عالقون بلا كهرباء، بين هاتين الكلمتين. نحن المحكومون من…

يحيى السنوار: إيمان عميق وبراغماتيّة أيضاً؟

غاب عن المشهد 23 سنة، فلمّا عاد إليه عام 2011، ارتقى بسرعة سلّم القيادة، فأضحى في عام 2017 بعد ستّ سنوات من تحرّره رئيس الحركة…