هل أصبح حمدين صبّاحي رجل إيران في مصر والعالم العربي؟
فقد جعلته إيران والمندسين من رجالاتها “الأمين العامّ للمؤتمر القومي العربي”، الذي عُقد في بيروت في 23 حزيران الفائت، وخلص إلى “بيان إلى الأمّة” كُتِبَ بين طهران وحارة حريك، ووُضِعَ عليه “طابع” حمدين صبّاحي، لانتحال صفة العروبة من “أمّ الدنيا”.
هل بات المؤتمر القومي “الإيراني”؟
هذا سؤال سنحاول الإجابة عليه في الأسطر التالية.
أُقيمت الدورة الـ31 في بيروت، في 23 و24 حزيران، وحضرها 250 “مشاركاً”، وانتهت إلى انتخاب حمدين صبّاحي، المرشّح الرئاسي المصري، أميناً عامّاً
بين 1913 و1990
مَن يتابع سيرة “المؤتمر القومي العربي” ومسيرته، لن يكون صعباً عليه أن يرصد “ممانعةً” واضحةً في سلوكه السياسي. المؤتمر الذي أُسِّس في عام 1990 من تونس، حاول اصطناع “تاريخ” لتكوينه، بادّعاء انتسابه إلى “المؤتمر العربي الأوّل” الذي عُقِدَ في باريس عام 1913. وذلك باعتبار مطلع القرن العشرين شهد “اليقظة العربية” أمام محاولات التتريك.
اليوم، بعد 109 سنوات من ذلك المؤتمر، وبعد 32 سنة من التأسيس الفعليّ للمؤتمر، مَن يقرأ البيان الصادر عن الدورة الـ31 قد يظنّ أنّ الحاضرين لا يزالون يُقيمون في لحظة “مواجهة التتريك”، وذلك لكثرة ما تبدو العروبة مهدّدة من “تركيا”، بالنسبة إلى مَن حضروا المؤتمر في بيروت بتاريخ 23 حزيران الفائت، وليس من إيران.
قارىء البيان الختامي سيظنّ أنّ من كتبه مسؤول في حزب الله، أو مندوب إيرانيّ، وليس بالطبع مجموعة من “القوميّين العرب”، الذين هم “تجمّع من مثقّفين عرب، من مختلف الأقطار العربية ومن أجيال عدّة، مقتنعين بأهداف الأمّة العربية، وراغبين في متابعة العمل من أجل تحقيق هذه الأهداف، وإنجاز المشروع الحضاري القومي العربي”، على ما يقول المؤتمر في البند التعريفيّ.
وبالطبع مَن يتابع مسار البيان الختامي، الممتلئ باللغة المُمانِعة، والخالي من أيّ اعتراض على “التمدّد الإيراني” في عدد كبير من دول العرب، لن يقتنع بأنّ من أهداف هذا المؤتمر “الإسهام في شحذ الوعي العربي بأهداف الأمّة المتمثّلة في مشروعها الحضاري، وهي: الوحدة العربية، والديمقراطية، والتنمية المستقلّة، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني والقومي، والتجدّد الحضاري، وتحقيق التفاعل بين الوحدويّين العرب في إطار من التنوّع والتكامل، وتعبئة الطاقات الشعبية من أجل تحقيق هذه الأهداف، واتّخاذ المواقف المعبّرة عنها، وتوثيق روابط التعاون والتنسيق مع الهيئات المماثلة في أهدافها”.
جولة في البيان
أُقيمت الدورة الـ31 في بيروت، في 23 و24 حزيران، وحضرها 250 “مشاركاً”، وانتهت إلى انتخاب حمدين صبّاحي، المرشّح الرئاسي المصري، “أميناً عامّاً”. واللافت أنّ 130 شاركوا في الانتخابات، وقاطع الباقون، إلى جانب مقاطعة شاملة من الأعضاء في دول الخليج العربي وفي العراق ومن السوريين، ومن جنسيات دول عربية كثيرة تعتبر بيروت “خطراً” على أمن مواطنيها في هذه اللحظة السياسية.
وكانت تلك المقاطعة أحد أسباب غرق البيان الختامي في لغة حزب الله وإيران وميليشياتها العربية.
مَن يتابع سيرة “المؤتمر القومي العربي” ومسيرته، لن يكون صعباً عليه أن يرصد “ممانعةً” واضحةً في سلوكه السياسي
في البند الأوّل من “بيان إلى الأمّة”، بعنوان “قضيّة فلسطين”، يدين المؤتمر “بأشدّ عبارات الإدانة والشجب والاستنكار سعي بعض الدول العربية إلى التطبيع مع العدوّ الصهيوني وفتح بلدانها أمام جيشه واقتصاده وقطعان مستوطنيه وسياسيّيه”، ويعتبر التطبيع “خيانةً للأمّة وتفريطاً بحقوقها، ولا سيّما أمنها القومي وسيادتها واستقلالها”، ويدعو إلى “وقف التطبيع فوراً وبشتّى الأشكال”. ويدين أيضاً “سعي دول عربية إلى الدخول في أحلاف عسكرية مع العدوّ الصهيوني، ويشجب محاولات إنشاء التحالف الشرق أوسطيّ للدفاع الجوّي، وهو تحالف لحماية الكيان الصهيوني، وسدّ الثغرات في بنيته الدفاعية التي فضحتها المقاومة”.
يخرس “اللسان العربي” في موضوع فلسطين عن انتقاد الاستغلال الإيراني لقضية فلسطين، من غزّة إلى سوريا ولبنان، ومتاجرة الفصائل الإيرانية بقضية فلسطين، كما كانت الأنظمة العربية البائدة تفعل.
لا بأس.
حتّى هنا يمكن اعتبار الحساسيّة العربية أساسيّة.
سوريا: العمى الإيرانيّ
لكنّ الوقاحة تبدأ من بند سوريا: “يدعو المؤتمر جامعة الدول العربية إلى تصحيح الخطأ الاستراتيجي الفاضح وغير الميثاقي الذي ارتكبته وأفضى إلى تجميد عضويّة سورية في الجامعة”، ويدعو إلى “وقف الحرب الاقتصادية التي تُشنّ على سورية، وإلى وقف الحصار والكفّ عن سرقة ثرواتها بيد أميركا”، ويدعو إلى “وقف العمل بقانون الإجرام الاقتصادي المسمّى قانون قيصر، وإلى تمكين سورية من استعادة أبنائها المهجّرين واللاجئين وإطلاق عجلة إعادة البناء”، ويسعى المؤتمر إلى “التعاون مع الهيئات الشقيقة، لإطلاق حركة شعبية عربية ودولية لإسقاط الحصار وقانون قيصر”.
ثمّ يشجب المؤتمر “استمرار أميركا وتركيا والكيان الصهيوني في احتلال أراضٍ سورية”. هكذا يضع أميركا وتركيا وإسرائيل في سلّة واحدة، لكنّ العين “العربية” المزعومة لا ترى ضرورة للحديث عن الاحتلال الإيراني لأجزاء واسعة من سوريا. بالنسبة إلى هذا المؤتمر فإنّ إيران لا وجود لها في سوريا، ولا ضرورة لانتقاد الدور الإيراني الذي عاث في سوريا قتلاً وتدميراً واحتلالاً لمدن ومناطق شاسعة.
لكنّ الوقاحة لا تتوقّف هنا.
يخرس “اللسان العربي” في موضوع فلسطين عن انتقاد الاستغلال الإيراني لقضية فلسطين، من غزّة إلى سوريا ولبنان، ومتاجرة الفصائل الإيرانية بقضية فلسطين، كما كانت الأنظمة العربية البائدة تفعل
العراق والخطر التركيّ!
نصل إلى بند العراق، حيث لا يرى المجتمعون الدور الإيراني الذي عطّل “تكوين السلطة” وأطاح بنتائج الانتخابات النيابية التي فاز نتيجتها تحالف السيّد مقتدى الصدر، وكيف أنّ حلفاء إيران وأتباعها ضربوا عرض الحائط بـ”الديمقراطية”، التي هي أوّل “أهداف” المؤتمر.
في العراق يدعو المؤتمرون، لئلّا نقول “المتآمرون”، إلى “وقف التدخّل الخارجي بشؤون العراق، ولا سيّما الأميركي والتركي”.
الفضيحة الكبرى لم نصل إليها بعد.
اليمن: “عنف ضدّ الشعب”
في بند اليمن، يبدو أنّ ممثّلي الحوثيين هم مَن كتبوه: “يدعو المؤتمر إلى وقف التدخّل الخارجي بشؤونه الداخلية”، ويدعو أيضاً إلى “وقف أيّ نوع من أعمال العنف ضدّ الشعب اليمني وتحت أيّ مسمّى… وإلى وقف ارتكاب جرائم الحرب بحقّ الشعب اليمني، ووقف دعم المجاميع التي تقترفها، والمسارعة إلى رفع الحصار بجميع أنواعه، واحترام كرامة وحقوق الإنسان فيه”.
أيضاً هنا يتظاهر كاتبو البيان بالعمى الكامل عن الدور الإيراني الهدّام، وعن اعتداء الحوثيين على دول عربية، لا تقتصر على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
كان ينقص أن يعترض المؤتمرون هنا أيضاً على “الدور التركي”، كما فعلوا في بندَيْ سوريا والعراق.
لبنان: الثلاثيّة الخشبيّة
حين نصل إلى لبنان، لا تتغيّر اللغة، خصوصاً حين نعرف أنّ النائب عن حزب الله حسن عزّ الدين، المسؤول عن “مكتب العلاقات العربية” في الحزب، يدير مجموعة داخل المؤتمر يرأسها عضو المجلس السياسي في حزب الله أحمد ملّة، والعضو علي حريري.
في بند لبنان “يشجب المؤتمر الضغوط الأميركية والغربية التي تُمارس عليه لإلزامه بالتطبيع وتوطين الفلسطينيين واستيعاب النازحين السوريين والتنازل عن أرضه وثرواته في البرّ والبحر خدمةً للعدو الإسرائيلي”. ويدعو إلى “وقف الحرب الاقتصادية على لبنان، وكلّ أشكال الضغوط والحصار القائمة، التي أدّت إلى انهيار ماليّ واقتصادي، وهدّدت السلم والأمن الوطنيَّيْن في الدولة”، وينوّه “بالدور الريادي الذي تقوم به المقاومة في لبنان للدفاع عنه وحمايته ضمن ثلاثيّة الشعب والجيش والمقاومة”.
الطريف أنّ ختام البيان حيّا “شعوب أميركا الوسطى والجنوبية في معركتها ضدّ التدخّل والهيمنة الأميركية”، وحيّا “جهودها التي أفضت إلى تحقيق انتصارات أوصلت القوى التحرّرية فيها إلى سدّة الحكم، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على قضايانا العادلة، وفي مقدَّمها قضية تحرير فلسطين”.
كان ينقص فقط أن يغنّي المؤتمرون “سلام فرنانده”، حيث كان المنظّم الأساسي رئيس “تجمّع اللجان والروابط الشعبية” معن بشّور، وإلى جانبه أحمد حسن عضو “اتّحاد قوى الشعب العامل” لصاحبه كمال شاتيلا.
إقرأ أيضاً: بالأرقام: الحزب يمثّل 30% من شيعة لبنان فقط
6 أشهر أمام حمدين صبّاحي
بعد صدور البيان – الفضيحة، انتشرت أخبار عن تململ كبير في أوساط مَن يعتبرون أنفسهم “أمّ الصبيّ” في المؤتمر. فقد اعتبروا أنّ البيان كُتِبَ في ليل، وتوزّع على طريقة “التهريب”، وأنّ حزب الله استعمل المال لإغراء المشاركين من دول عربية، بدفع بدلات السفر والإقامة في بيروت، ومصاريف الرحلات، وبدل “الاشتراك السنوي” لهؤلاء (المكسور على الأعضاء، بين ألف وألفَيْ دولار للعضو). ودفع عشرات آلاف الدولارات هنا وهناك، للخروج ببيان ينتحل فيه صفة “العروبة”.
يضع هؤلاء حمدين صبّاحي تحت الاختبار لـ”أشهر قليلة” فقط، قبل أن تبدأ الحرب الكبيرة لفضحه وفضح دوره “الإيراني”. أشهر قليلة أمامه كي يستدرك ويُعيد تصويب بوصلة المؤتمر، فيسحبه من اليد الإيرانية، قبل أن “يفرط المؤتمر بمن فيه”.
حمدين بصفته مصريّاً عروبيّاً، يُفترض أنّه يعرف الفارق بين “المقاومة العربية”، من 1913 على تخوم تركيا، إلى 2022 على تخوم إيران…