ابن مدينة صور يُعيد الحياة السينمائية لطرابلس..

مدة القراءة 6 د

“مشعل حلمي لا ينطفئ”، بهذه الكلمات وصف ابن مدينة صور ومؤسّس المسرح الوطني اللبناني الممثّل والمخرج قاسم إسطنبولي مشروعه الذي تمدّد إلى طرابلس من خلال محاولة إحياء سينما “أمبير” بعد 28 عاماً من الغياب، وهي من الأقدم تأسيساً، وآخر الصالات التي كانت ما تزال عاملة حتى الأمس القريب.

وصفه وزير الثقافة اللبناني محمد مرتضى بأنّه شخصيّة ثقافية استثنائية تتفانى لجعل المستحيل واقعاً، وقال في تغريدة له: “قاسم إسطنبولي مذ التقيته أدركت أنّني أمام شخصية ثقافية استثنائية تتفانى لجعل المستحيل واقعاً. زوروا سينما أمبير في طرابلس تلمسوا كيف نهض بها القادم من مدينة صور فأعاد إليها بهاءها بعدما كانت ركاماً وحطاماً”.

قاسم هو ابن مدينة صور، الذي في العام 2014 قاد مشروعاً مجنوناً، فأنشأ “مسرح الغرفة” في مدينة صور، ثم أعاد افتتاح “سينما الحمرا” في المدينة نفسها، بعد 30 عاماً من إقفالها، وأسّس مهرجان صور الدولية للمسرح والسينما والموسيقى، فشارك فيه فنانون لبنانيون وعرباً وأجانب، ثم أعاد افتتاح “سينما ستارز” في مدينة النبطية، بعد 27 عاماً من إقفالها، وأسّس فيها مهرجان لبنان المسرحي والسينمائي، ثم أسّس “محترف تيرو للفنون”، ومهمته التدريب المجاني على المسرح والتصوير والرسم والسينما، ثم أعاد الحياة إلى “سينما ريفولي” في 2018…

قال إسطنبولي إنّ “الهدف من المشروع هو إقامة صلة بين الجنوب والشمال، لأنّه تكملة لحلمنا الذي كان قد بدأ مع تأسيس “المسرح الوطني اللبناني” في صور، منذ أربعة أعوام

ما هي الصعوبات والعراقيل التي واجهت هذا المشروع في طرابلس؟ وهل يتقبّل أبناء المدينة مثل هذه المشاريع؟

أكّد إسطنبولي لـ”أساس” أنّ “هذا المشروع هو حلم بإعادة فتح دور السينما المقفلة وتحويلها إلى مسارح وطنية لبنانية تكون منصّة ثقافية حرّة مستقلّة للناس. تُنظَّم فيها ورشات تدريبيّة ومهرجانات وعروض فنّية، وتُنشأ فيها مكتبة عامّة ومقهى فنّي. هذه السينما هي الرابعة التي نعيد تأهيلها وتحويلها إلى مسرح وطني لبناني مجّاني. فقد سبق أن أهّلنا اثنتين في مدينة صور وواحدة في النبطية واليوم سينما أمبير بطرابلس”، واصفاً هذه الخطوة بأنّها “مغامرة ورحلة شغف لتحقيق أحلامنا، طرابلس تستحقّ أن نحيي فيها هذا الحلم”.

وعن التحدّيات التي واجهتهم، أعلن إسطنبولي أن “لا صعوبات كبيرة. نحن نأتي يوميّاً من الجنوب إلى طرابلس. هذه المشقّة الوحيدة التي تواجهنا، لكنّها تهون عندما نرى تفاعل أهلنا في طرابلس معنا. بداية كنّا نسمع الكثير من الكلام والتهويل حول قدوم ابن مدينة صور إلى طرابلس، لكنّنا مع الوقت اكتشفنا أنّ هذا الكلام غير صحيح بتاتاً، فطرابلس مدينة تحبّ العيش”.

وفي هذا السياق، تتعاون “جمعية تيرو للفنون” ومسرح إسطنبولي مع وزارة الثقافة اللبنانية وبلديّة طرابلس وجمعية فنون طرابلس من أجل افتتاح المسرح الوطني وإقامة ورش للتدريب الفني للأطفال والشباب، وإعادة فتح وتأهيل المساحات الثقافية، وتنظيم المهرجانات والأنشطة والمعارض الفنّية، التي تقوم على برمجة العروض السينمائية الفنّية والتعليمية للأطفال والشباب، وعلى نسج شبكات تبادلية مع مهرجانات دولية، وإتاحة الفرصة للمخرجين الشباب لعرض أفلامهم وتعريف الجمهور بتاريخ السينما وتقديم العروض المحلّية والعالمية. وتهدف جمعية تيرو للفنون التي يقودها الشباب والمتطوّعون إلى إنشاء مساحات ثقافية حرّة ومستقلّة في لبنان من خلال إعادة تأهيل سينما الحمرا وسينما ستارز في النبطية، وسينما ريفولي في مدينة صور التي تحوّلت إلى المسرح الوطني اللبناني الذي هو أوّل مسرح وسينما مجّانيَّيْن في لبنان.

 

إعادة تأهيل سينما “أمبير”

تتألّف سينما أمبير من صالة وبلكون يتّسعان لنحو 700 شخص. وقد توقّفت عن استقبال روّادها منذ عام 1980، إثر اندلاع الحرب الأهليّة. وكانت تشكّل مقصداً لشباب طرابلس المثقّف، وهواة الشرائط السينمائية التي تدور حول بطل رياضة الكاراتيه بروس لي، بحسب ما يرويه إسطنبولي.

يشارك في إعادة تأهيل سينما “أمبير” مجموعة من الشباب الطرابلسي المتطوّع من مختلف مناطق المدينة. فهم يأتون من مناطق التلّ والمينا وجبل محسن وغيرها من دون تردّد، كي يشاركوا في نهضة هذا الصرح وإعادته إلى الحياة، ولا سيّما أنّ مدينة طرابلس كانت تحوي أكبر عدد من صالات السينما في لبنان، إذ كان يوجد فيها حوالى 35 صالة، وقد أُسّس فيها أوّل معهد فنون للتمثيل، ومنها انطلق العديد من الفرق الفنيّة. لكن مع مرور الزمن تحوّلت الدور إلى صالات مقفلة مثل “كولورادو”، و”بالاس”، و”متروبول”، و”كابيتول”، أو مخازن للبضائع مثل “دنيا”، و”روكسي”، و”ركس”، و”أوبرا”، ومنها ما أُزيل كــ”الريفولي” و”الانجا”.

 

الهدف من المشروع

قال إسطنبولي إنّ “الهدف من المشروع هو إقامة صلة بين الجنوب والشمال، لأنّه تكملة لحلمنا الذي كان قد بدأ مع تأسيس “المسرح الوطني اللبناني” في صور، منذ أربعة أعوام، وهو أوّل مسرح وسينما مجّانيَّيْن في لبنان. وبفضل جهود الشباب المتطوّعين، سوف نحقّق اللامركزيّة الثقافية ونكسر الجدار الوهمي بين المناطق اللبنانية عبر الفنون ونربط بعضها بالبعض الآخر عبر المنصّات الثقافية، ونحن سعداء أنّنا نعيش الحلم في طرابلس”.

وأضاف: “دورنا اليوم الإضاءة على مكان وجود السينما، وتحديداً عندما يحلّ الليل. حينئذٍ تصبح المنطقة المحيطة بسينما “أمبير” مدينة أشباح، وهنا يأتي دورنا بالإضاءة على المنطقة وكسر الخوف لدى الناس، لكنّ الشيء المؤكّد أنّ التغيير بحاجة إلى وقت”.

إقرأ أيضاً: طرابلس: من مدينة الآثار إلى مدينة الأدوار (1)

رفض إسطنبولي أن يتحدّث عن التكلفة الماديّة لهذا المشروع. فهو حريص على عدم إدخال أيّ عنصر تجاري وربح مادّي عليه. “إنّنا نعمل على أساس كلّ يوم بيومه، حتى إنّي لا أعرف بالتحديد التكلفة المطلوبة لإعادة إحياء هذا الصرح. كلّ ما في الأمر أنّ هناك أفراداً تطوّعوا وجهات رسمية تساعدنا حسب قدراتها مثل وزارة الثقافة وبلديّة طرابلس. فنحن لا نلهث وراء مشروع تجاري في مركز تجاري حيث يوجد عشرات صالات السينما. إنّها تجربة مختلفة، محورها ثقافي وفنّي بحت، ومعنا فريق من الشباب المتطوّع، بينهم من يزور طرابلس للمرّة الأولى كي يشاركنا هذه التجربة”.

مواضيع ذات صلة

سيرتي كنازحة: حين اكتشفتُ أنّني أنا “الآخر”

هنا سيرة سريعة ليوميّات واحدة من أفراد أسرة “أساس”، وهي تبحث عن مسكنٍ لها، بعد النزوح والتهجير، وعن مساكن لعائلتها التي تناتشتها مناطق لبنان الكثيرة…

الياس خوري: 12 تحيّة لبنانية وعربية (1/2)

العبثيّة، ثيمة تكرّرت في روايات الياس خوري بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. عبثيّة إمّا نحن نخوضها لتحرير الأرض والثورة على الجلّاد غير آبهين بحياتنا…

فيلم سودانيّ على لائحة الأوسكار… يحطّ في طرابلس

يأتي عرض فيلم “وداعاً جوليا” للمخرج السوداني محمد كردفاني الفائز بعشرات الجوائز في العالم، في مهرجان طرابلس للأفلام المنعقد بين 19 و25 أيلول الجاري في…

السّعوديّة تفتح أبوابها لحركة ترجمة تاريخيّة

من الرياض افتتحت وزارة الثقافة السعودية “المرصد العربي للترجمة” في 3 أيلول الجاري باب التقدّم لمنح الدراسات والأبحاث في مجال الترجمة في حلقته الثالثة. وتعتبر…