اجتاح مواقع التّواصل الاجتماعيّ مقطع الفيديو الذي بثّته قناة mbc السّعوديّة للممثّل خالد الفرّاج مع الممثل وحيد صالح، وهو يُقلّد الرّئيس الأميركي جو بايدن ويُظهره بصورة الرّجل التّائه والنّائم وصاحب الذّاكرة الضّعيفة المُنصاع دائماً لرأي نائبته كامالا هاريس التي وصفها الفرّاج بـ”السّيدة الأولى”.
حازَ المقطع عشرات الملايين من المُشاهدات في غضون ساعات قليلة.
خالد الفراج مبدع ??#استديو_22_mbc pic.twitter.com/iWkZ7TGBmG
— Areej (@areej_k7kj) April 12, 2022
قبله بأشهر عديدة كانت العلاقات بين المملكة العربيّة السّعوديّة والولايات المُتّحدة تشهد انحداراً غير مسبوق بسبب سياسات واشنطن اتّجاه شركائها الخليجيين، وتحديداً المملكة العربية السّعوديّة ودولة الإمارات.
بتخبّطٍ واضح تُدير الإدارة الأميركيّة ملفّ علاقاتها مع السّعوديّة. في يومٍ ترفع ميليشيات الحوثي عن لوائح الإرهاب، وفي يومٍ آخر تُدين هجماته “الإرهابيّة” وترفض إعادة إدراجه. تارة تُوقف صفقات السّلاح مع السّعوديّة، وتارة أخرى تُوافق عليها.
يشير المصدر السّعوديّ لـ”أساس” إلى أنّ الرّياض تعاونت وستتعاون مع بكين في تطوير الطّائرات المُسيَّرة المتوسّطة المدى، وقد تكون جاهزة في المدى القريب لاستقبال طلبات الشّراء
تُحاور واشنطن إيران وتسعى إلى استرضائها وتُفرج عن مليارات مُجمّدة من الدولارات، ولا تلحظ برنامجها الصّاروخيّ ولا وكلاءها في المنطقة، وفي الوقت نفسه تريد من السّعوديّة أن تضخّ المزيد من النّفط في الأسواق لتصفّي واشنطن حساباتها مع روسيا.
لكن هل يلقى بايدن ما يتمنّى في المملكة؟
ليسَ تفصيلاً ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركيّة عن أنّ وليّ عهد المملكة الأمير محمّد بن سلمان ووليّ عهد أبو ظبيّ الشّيخ محمّد بن زايد رفضا الإجابة على اتصال من بايدن.
وليسَ تفصيلاً عابراً على الإطلاق ما أوردته الصّحيفة نفسها عن أنّ المملكة قد تلجأ إلى بيع النّفط باليوان الصّيني عوضاً عن الدّولار الأميركيّ. عن هذه النّقطة، يقول مصدرٌ سعوديّ مسؤول لـ”أساس” إنّ الرّياض تدرس إمكانيّة بيع النّفط بغير الدّولار، واصفاً هذه الخطوة بـ”الاحتمال الوارد”. ويكشف المصدر أنّ المملكة دائماً ما تدرس الاقتصاد العالميّ وتوجّهاته وتتّخذ احتياطاتها في هذا المجال، من دون أن يكشف عن تفاصيل أخرى.
يدخل في هذا الإطار أيضاً ما عُرِف بقضيّة “البرنامج الصّاروخي السّعوديّ” الذي قالت شبكة CNN الأميركيّة إنّه تعاونٌ سعوديّ – صينيّ لتطوير وتصنيع الصّواريخ الباليستيّة للمملكة.
صناعة الأسلحة في السعوديّة
هذا ما أوردته الشّبكة المُقرّبة من الدّيمقراطيين. لكنّها أغفلت أو تغافلت عن خطوةٍ لا تقلّ أهميّة عن قضيّة الصّواريخ. فقد أعلن الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للصناعات العسكرية “سامي”، المهندس وليد أبو خالد، أنّ الشّركة تعتزم إنتاج طائرة مسيَّرة سعوديّة الصّنع، وإنشاء واحد من أكبر مصانع الذخيرة في العالم، وتوطين مختلف قطاعات الدفاع.
وذكر أبو خالد أنّ المملكة تسعى إلى توطين أكثر من 50% من إنفاقها العسكري، وتحويله إلى الشركات السعودية بحلول عام 2030.
هُنا يشير المصدر السّعوديّ لـ”أساس” إلى أنّ الرّياض تعاونت وستتعاون مع بكين في تطوير الطّائرات المُسيَّرة المتوسّطة المدى، وقد تكون جاهزة في المدى القريب لاستقبال طلبات الشّراء.
هكذا إذاً ذهبت الرّياض ليسَ فقط نحو تنويع الشّراكات التّجاريّة والسّياسيّة مع الصّين، الخصم اللدود الأبرز لأميركا، بل نحو الشّراكة العسكريّة، وربّما النّفطيّة. وهنا تكون المملكة قد سجّلت نقاطاً مُتقدّمة على الإدارة القائمة في واشنطن. وهذه الشّراكات ليست تفصيلاً عابراً هي الأخرى. إذ كانت المملكة تقول إنّها تستطيع بسهولة أن تتّخذ قرارات سياديّة في إطار علاقتها مع واشنطن، التي ستكون هي الخاسر الوحيد.
هذه الرّسالة أشارَ إليها الأمير محمّد بن سلمان في حديثه الأخير مع مجلّة “أتلانتيك” الأميركيّة بقوله: “إجمالي الاستثمارات السّعودية في أميركا هو 800 مليار دولار. وفي الصين، تقترب الاستثمارات السعودية من 100 مليار دولار، في الوقت الحاليّ، ويبدو أنّها تنمو هناك بسرعة كبيرة”. كان وليّ العهد واضحاً في رسالته التي مفادها: إن لم تأخذوا مصالحنا في عين الاعتبار، فعليكم أن تتوقّعوا المُعاملة بالمثل، وربّما أقسى.
تُدركُ القيادة السّعوديّة أنّ الإدارة الدّيمقراطيّة مأزومة في مواجهة التّضخّم الذي يصيب الاقتصاد الأميركيّ، وارتفاع سعر صرف الدّولار، وأنّها لا تريد أن يتلقّى قطاع صناعة الأسلحة الذي يُعتبر عماد الاقتصاد الأميركيّ ضربةً قاصمةً هو الآخر…
تراجع أميركيّ
ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من المحاولات الأميركيّة لاسترضاء الرّياض وأبو ظبيّ، خصوصاً بعد امتناع محمّد بن سلمان ومحمّد بن زايد عن الإجابة على اتصال جو بايدن. يدخل في هذا الإطار توجّه وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن قبل أسبوعين إلى المغرب للقاء الشّيخ محمّد بن زايد.
بحسب معلومات موقع AXIOS من مصدر في الخارجيّة الأميركيّة، فإنّ بلينكن قدّم ما يُمكن تسميته بـ”الاعتذار” عن تأخّر بلاده في إدانة الهجمات الحوثيّة التي استهدفت أبو ظبي قبل أسابيع. وكشف المصدر أيضاً أنّ بلينكن بحث مع بن زايد سُبل إعادة “المياه إلى مجاريها” في العلاقة بين واشنطن والرّياض، من دون أن يكشف تفاصيل أخرى.
بلينكن اعتذر للإمارات عن تأخر واشنطن في إدانة هجمات الحوثيين @raghebalama pic.twitter.com/FxL8PEzhbr
— Nadim Koteich (@NadimKoteich) April 14, 2022
وفي الإطار نفسه، أرسلت الولايات المُتحدة منظومات باتريوت للدّفاع الجوّي والصّاروخي إلى المملكة، بعدما كانت إدارة بايدن قد سحبت قسماً منها بعد تولّيه إدارة البيت الأبيض.
ماذا عن واشنطن؟
في عاصمة القرار، تجلّى التّخبّط الأميركيّ الدّاخلي في داخل الحزب الدّيمقراطيّ، إذ دعا 30 عضواً في مجلس النواب الأميركي، كُلّهم من الدّيمقراطيين، إدارة بايدن إلى اتّخاذ ما سمّوه موقفاً أكثر حزماً مع السعودية بسبب رفضها التعاون مع واشنطن في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وتحديداً في سعر النّفط، وفق ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وقالت الصحيفة إنّ من بين الموقّعين على الخطاب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الديمقراطي غريغوري ميكس، ورئيس لجنة الاستخبارات في المجلس آدم شيف. وكلاهما من التّيّار اليساريّ في الحزب.
وأشار “المشرّعون” في خطابهم إلى أنّ المملكة رفضت الدعوات الأميركية لضخّ المزيد من النفط لخفض الأسعار، ودخلت في محادثات مع بكين بشأن تسعير جزء من مبيعات النفط باليوان. وكتب المشرّعون: “نحن نقف عند نقطة انعطاف. يمكن للولايات المتحدة أن تعيد التوازن في علاقتنا لتعكس قيمنا ومصالحنا”.
لا يعكس الخطاب الانقسام داخل الحزب الدّيمقراطيّ فقط، إذ امتنع أيّ مشرّعٍ من الحزب الجمهوريّ عن التّوقيع عليه. وهذا يعكس أيضاً الانقسام العموديّ بين الحزبين بشأن العلاقة مع الدّول العربيّة، وتحديداً حلفاء أميركا من دول الخليج العربيّ إلى جمهوريّة مصر العربيّة.
إقرأ أيضاً: محمد بن سلمان: تحقيق المصالح بدرء مفاسد التطرّف
هكذا دخلت العلاقة السّعوديّة – الأميركيّة منعطفاً تاريخيّاً، وبطبيعة الحال فإنّ عقارب السّاعة لن تعودَ إلى الوراء، أقلّه في الرّياض. أمّا في واشنطن، فستتّضح الصّورة أكثر يومَ يُقرّر الدّيمقراطيّون ماذا يريدون أساساً، وعندئذٍ ستكون للقصّة بقيّة قد لا تكون كما تشتهي واشنطن و”دولارها”…