بدعوة من “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، وبالشراكة مع مؤسسة “Hanns Seidel” الألمانية، وبالتعاون مع “مجموعة حلّ النزاعات”، تمَّ تنظيم ورشة تفكير ونقاش، على مدى يومَيْ 31 آذار والأول من نيسان 2022 (جبيل – القاعة 1188 للمحاضرات)، وذلك بعنوان: “النزاعات في لبنان: الأسباب والحلول”. وقد شارك حضوراً ممثّل للسفارة الفرنسية في بيروت، وممثّل لقوات حفظ السلام الدولية في لبنان (Unifil). في الآتي ننشر الجزء الثاني من البيان الختامي مختصراً:
قبل الشروع في تطارح بعض المقترحات والتوصيات، ثمّة أسئلة/هواجس، لا بدّ من التعريج عليها، أبرزها:
1- هل النزاع في لبنان هو نزاعٌ بين طوائف أم هو نزاع حول خِيارات سياسية محلّية، إقليمية ودولية؟
2- هل دخل لبنان، بنزاعاته، راهناً، في خضمّ إعصار إقليمي-دولي، أم أُدخِل فيه عنوةً، حيث خَلْطُ أوراق وعمليّات رسم خرائط جديدة للمنطقة، بما قد يجعله مرتعاً لمزيدٍ من النزاعات المفتوحة، ويُقدَّم، نهاية المطاف، جائزة ترضية لواحدٍ من أطراف الصراع في الإقليم، علماً أنّ للبنان، مع جوائز الترضية، سجلّاً حافلاً معروفاً؟
هل النزاع في لبنان هو نزاعٌ بين طوائف أم هو نزاع حول خِيارات سياسية محلّية، إقليمية ودولية؟
3- هل يُريد اللبنانيون الحفاظ على تسوية “الطائف”، التي أنهت حرباً امتدّت خمس عشرة سنة وخلّفت الويلات على جميع الصُعُد؟ أم هم بصدد إعلان انتهاء صلاحيّة هذه التسوية، سعياً إلى صيغة لنظامهم السياسي جديدة؟
4- إذا كان للطوائف وللأحزاب السياسية في لبنان دورٌ في نشوء النزاعات وتأصيلها، فكيف يُطلب إليها الإسهام في فضّ هذه النزاعات، والعبور بالبلاد إلى شاطئ الأمان؟
5- هل إلغاء الطائفية السياسية يُفضي إلى الوئام بين مكوِّنات الاجتماع اللبناني، في ظلّ الخلل الديمغرافي لمصلحة الطوائف الإسلامية؟
6- كيف يمكن بناء دولة المواطنية، وَقْتَ تحوّلت طوائف الدولة إلى دولة الطوائف؟
7- إلى أيّ مدى، عبر الحوار والمواقف العقلانية، يمكن الوصول إلى حلّ النزاعات في لبنان؟ وإلى أيّ حدّ يمكن تحصين لبنان وتحييده عن التدخّلات الخارجية، الإقليمية والدولية، التي تُسَعِّرُ وتيرة النزاعات التي يكابدها؟
8- إذا كان الحوار مطلوباً، لمواجهة الأزمة اللبنانية، المُتعدّدة الأوجه، فما هو جدول أعماله؟ وما هي الغاية منه؟ وهل نحن بحاجة إلى قوة خارجية للمساعدة في إنجاز هذا الحوار؟
في المقترحات والتوصيات:
1- إذْ نُثمِّنُ عالياً الإنجازات الرئيسة، التي حقّقتها المؤسسات الدولية في لبنان، ينبغي متابعة تدخّلها بوتيرة أعلى، بالتوازي مع التدهور المُريع الذي تشهدهُ البلاد، منذ ثلاث سنوات، بما يُعزِّز من مساحات التنمية المحلية والاستقرار والسلم الأهلي، وصولاً، نهاية المطاف، إلى التخفيف من المؤثّرات السلبية للنزاعات.
2- إدماج ثقافة السلام واللاعنف في المناهج الدراسية (المدارس والجامعات)، والتربية على هذه الثقافة، بما يكفل تنشئة جيلٍ واعٍ، يُراهَن عليه لتعافي البلاد.
3- لا خلاص للبنان ناجزاً، ولا طيَّ لنزاعاته، مُزمِنِها وحديثِها، والمتناسلة باستمرار، إلاّ بالعبور إلى دولة المواطنية، دولة الحقوق والمؤسسات، دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
4- حبّذا لو يدرك اللبنانيون، بمختلف مكوّناتهم المجتمعية وعوائلهم الروحية، لجهة علاقة بعضهم مع بعض والنظر إلى الآخر المختلف، البُعد الإنساني الذي يشي به قول الإمام علي بن أبي طالب (ع): “الناسُ صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق”.
5- الطلب إلى الجماعات الدينية، ولا سيّما مرجعيّاتها، أن يكون لها دورٌ بنّاء لا صراعيّ، فتعود بالدين إلى منابعه، عن طريق الحوار والنقد والمساءلة، والبحث في تراثه عن مكامن القوة الروحية والأخلاقية، التي تدفع إلى التسالم والتحرّر من عبء العداوات المزمنة، ومحاذرة استئنافها، أو بالأحرى إعادة “اختراعها”.
6- استكمالاً، على أهل الأديان اكتشاف القيم المشتركة، والبناء عليها، تحقيقاً للتسالم والعيش معاً.
7- باسم الواقعية والاستقامة الأخلاقية، يجب مُحاذرة الوقوع في ردّ أسباب نزاعاتنا والمحرّكات إلى الدين دون سواه. فهو ليس المحرّك الأوّل للصراعات، وإن لم يكُنْ غريباً عنها.
8- إنّ مقارعة الفكر الديني الإلغائي باتت حاجةً مُلِحَّة، كما التربية على المواطنية وقبول الآخر المختلف، وارتضاء التنوّع مصدراً لإثراء التفاعل والتبادل، لا للفرقة.
9- الذهاب إلى ما ندعوه حوار الناس، حوار المسيحيين والمسلمين، وليس الحوار المسيحي-الإسلامي، بصيغتِهِ التقليدية، الذي نشهد فصوله منذ عقود، من دون أن يؤول إلى نتائج ملموسة.
10- إذا كان همّ الأحزاب، بعضها أو معظمها، حماية البلد، فإنّ عليها التزام: ثقافة السلام، عدم اللجوء إلى العسكرة، النضال في سبيل العدالة الانتقالية، إصلاح النظام القائم عبر الإسهام في إلغاء الطائفية، بمختلف ألوانها وأعراضها.
11- نشر ثقافة المسؤولية الوطنية (دور المدارس والجامعات وسائر الأطر المجتمعية)، لدى المواطنين، وأنسنة الخطاب اللبناني، في مختلف المجالات، مع الحاجة إلى إبرام عقد جديد حضاري بين الدولة ومواطنيها.
12- لبنان، في نزاعاته وصراعاته، يحتاج إلى نقاش هادئ وعلمي بين جميع مكوّناته وعوائله الروحية، إذْ المبادرة إلى أيّ خطوة غير مدروسة، قد يُرتِّب مخاطر جمّة على مصير البلاد.
13- تثمين الدور الذي يقوم به “مركز تموز”، بالشراكة مع مؤسسة “هانز زايدل”، عبر مختلف فعّاليّاته وورش عمله، لتكريس المواطنية والتربية عليها، وتسليكها مُعاشاً يوميّاً، والتنويه بالدور الذي تؤدّيه “مجموعة حلّ النزاعات” في لبنان، المتمثِّل في نشر ثقافة الحوار وحلّ النزاعات، مُتعاونةً مع مختلف الهيئات والمؤسسات التربوية والتعليمية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية والبلديّات.
إقرأ أيضاً: وثيقة بحثية عن نزاعات لبنان (1): أسبابها وحلولها
14- التنويه بمشاركة العنصر الشبابي، ولا سيّما الجامعي، في ورش عمل “مركز تموز”، إذْ يُسبغُ عليها، بطروحاته المتحرّرة والبعيدة عن الحسابات الضيّقة، ديناميةً وصدقيّةً، وهو ما يدفعنا إلى توسيع مساحة هذا الحضور، من منطلق الرهان على هذا العنصر، لقيادة عملية التغيير والارتقاء بالبلاد.
*أستاذ جامعي. من فريق عمل “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنة”. وناشط في مجال الحوار والدراسات على صعيد اللامركزية الإدارية.