يمكن أن تكون القبلة التي رسمها رشاد العليمي على جبين عبد ربّه منصور هادي في الرياض رمزاً للمرحلة المقبلة في اليمن، وهي مرحلة يؤمل أن تكون مختلفة ومرحلة تغيير في العمق، خصوصاً في ضوء إعادة تشكيل “الشرعيّة”. كانت تلك القبلة في مناسبة تحوّل العليمي إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي الذي خلف عمليّاً “شرعيّة” ذات رأسين. كانت تلك “الشرعيّة” متمثّلة بعبد ربّه منصور ونائبه علي محسن صالح الأحمر، قريب علي عبدالله صالح… والقريب أيضاً من تيّار الإخوان المسلمين (حزب التجمّع اليمني للإصلاح).
تعتبر القبلة رسالة من الرئيس اليمني الجديد الذي طمأن سلفه إلى أنّه لن يتصرّف معه بالطريقة التي تصرّف بها، هو، مع علي عبدالله صالح، وذلك منذ أصبح عبد ربّه رئيساً مؤقّتاً في شباط 2012.
مباشرة، بعد تسليم علي عبدالله صالح الرئاسة إلى نائبه في احتفال رسمي ولائق، لم يعد من همّ للأخير سوى الانتقام منه من منطلق مرتبط بعِقَد ذات طابع شخصي. كان يمكن لهذا الانتقام التوقّف عند حدود معيّنة، لكنّه شمل كلّ المحيطين بالرئيس اليمنيّ الراحل.
يمكن أن تكون القبلة التي رسمها رشاد العليمي على جبين عبد ربّه منصور هادي في الرياض رمزاً للمرحلة المقبلة في اليمن
لعلّ أخطر ما في الأمر أنّ الانتقام من علي عبدالله صالح، بغضّ النظر عن كلّ الأخطاء التي ارتكبها الأخير في السنوات الأخيرة من عهده الطويل، انعكس على فعّاليّة الجيش اليمني. ركّز عبد ربّه منصور على تفكيك هذا الجيش الذي كان يرى فيه جيش سلفه الذي كان رئيسه. لم يدرك أنّ كلّ ما فعله صبّ في مصلحة الحوثيين لا أكثر. لم يدرك خصوصاً أنّ تفكيكه للجيش، عن طريق التشكيلات التي أجراها والتي شملت ألوية الحرس الجمهوري والقوّات الخاصة، قاد إلى كارثة سقوط صنعاء في يد الحوثيّين، أي في يد إيران، في الواحد والعشرين من أيلول من العام 2014.
المهمّ الآن، بعيداً عن الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها “شرعيّة” لم تكن لها علاقة بأيّ شرعيّة من أيّ نوع، ما الذي يستطيع مجلس القيادة الرئاسي اليمنيّ عمله؟ ما الذي يستطيع عمله في وقت ليس معروفاً ما إذا كان في استطاعته أن يكون جسماً سياسياً وعسكريّاً مختلفاً يستطيع التعاطي مع الواقع اليمني بتعقيداته الداخلية والإقليميّة، بعيداً عن روح الانتقام والسطحيّة والانتهازيّة.
قبل كلّ شيء، تستطيع “الشرعيّة” الجديدة في اليمن، في ضوء تركيبة مجلس القيادة الرئاسي، استخدام ما يمتلكه الجيش اليمني من قدرات من أجل مواجهة الحوثيين الذين يسمّون أنفسهم “جماعة أنصار الله” على نحو فعّال.
إذا كانت قوات العمالقة استطاعت إثبات شيء، فهي استطاعت إثبات أنّ الحوثيين ليسوا من النوع الذي لا يُقهر. الدليل على ذلك إخراجهم من كلّ مديريّات محافظة شبوة ذات الموقع الاستراتيجي المفصليّ في كانون الثاني الماضي.
في الجانبين السياسي والعسكري، يُفترض في “الشرعيّة” الجديدة صنع فارق مع “الشرعيّة” التي أنهى مؤتمر الرياض وجودها برعاية من مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة. تعبّر عن مثل هذا الفارق قبلة رشاد العليمي على جبين عبد ربّه منصور هادي وغدر الأخير بعلي عبدالله صالح، وهو غدر جعل منه رهينة لدى الحوثيين الذين كان لديهم حساب يريدون تصفيته معه.
تستطيع “الشرعيّة” الجديدة في اليمن، في ضوء تركيبة مجلس القيادة الرئاسي، استخدام ما يمتلكه الجيش اليمني من قدرات من أجل مواجهة الحوثيين الذين يسمّون أنفسهم “جماعة أنصار الله” على نحو فعّال
ماذا يعني صنع الفارق في اليمن؟ يعني قبل أيّ شيء آخر الانتقال من موقع المتفرّج، كما فعل عبد ربّه منصور عندما كان الحوثيون يزحفون في اتّجاه صنعاء صيف العام 2014، إلى موضع أخذ المبادرة. هناك جبهات عسكريّة عدّة في حاجة إلى تحريك في حال رفضت “جماعة أنصار الله” العودة إلى طاولة المفاوضات من منطلق أنّها تمتلك مشروعاً سياسياً خاصّاً بها ستطبّقه بمعزل عمّا يدور خارج مناطق سيطرتها.
كان مؤتمر الرياض مهمّاً لسببين: أوّلهما إعادة تشكيل “الشرعيّة”، والآخر الهدنة التي أُعلن عنها خلال انعقاد المؤتمر، وهي لمدّة شهرين. كانت تلك الهدنة بوساطة عُمانيّة وعراقيّة في ظلّ مفاوضات سعوديّة – إيرانيّة في مسقط. ليس معروفاً ما الذي يمكن أن تؤدّي إليه هذه الهدنة، وهل سيكتفي الحوثيون بأخذ ما يريدونه منها، أي فتح مطار صنعاء جزئيّاً وتسهيل دخول مشتقّات نفطيّة وبضائع من ميناء الحديدة… أم يذهبون إلى أبعد من ذلك في اتّجاه التفاوض في شأن تسوية سياسيّة على مستوى اليمن كلّه؟
في هذه الحال، ما الذي تريده إيران من مثل هذه التسوية، ومَن يضمن لها وجوداً دائماً في اليمن، وهو ما تسعى إليه منذ سنوات طويلة؟
تظلّ إعادة تشكيل “الشرعيّة”، بالطريقة التي حصلت فيها، نقطة انعطاف على الصعيد اليمني. يكفي أنّ مجلس القيادة الرئاسي يضمّ، في معظمه، ممثّلين لقوى مستعدّة لمواجهة الحوثيين عسكرياً. كانت هذه القوى الموجودة على الجبهات على خلاف كبير مع “الشرعيّة” السابقة التي غابت عن الأرض اليمنيّة بعدما طاب لها العيش في فنادق الرياض وغير الرياض.
مسألة أسابيع قليلة تفصل عن نهاية الهدنة، يتبيّن بعدها عمق التغيير في اليمن. سيتوقّف الكثير على ما إذا كانت إيران تريد التوصّل إلى تسوية سياسيّة وأن يكون الحوثيون جزءاً من هذه التسوية… أم الحاجة إلى تغيير كبير في موازين القوى على الأرض تثبت لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” أنّ مشروعها اليمني من النوع غير القابل للحياة.
إقرأ أيضاً: مدافع اليمن صمتت… في الضاحية
تبدو مسؤوليّة “الشرعيّة” الجديدة في اليمن كبيرة، لا لشيء إلّا لأنّه سيتوجّب عليها في مرحلة معيّنة الدخول في تجارب في غاية الصعوبة. ثمّة صعوبات في حال تبيّن أنّ إيران ستدفع الحوثيين إلى طاولة المفاوضات بغية تحقيق أهداف خاصّة بها. وثمّة صعوبات من نوع آخر في حال تبيّن أنّ الحاجة إلى تغيير موازين القوى العسكرية على الأرض وأن لا مفرّ من فتح جبهات في تعز والحديدة وشبوة ومأرب. كيفما كان المستقبل، تبدو “الشرعيّة” الجديدة في وضع أفضل من “شرعيّة” الثنائي عبد ربّه – علي محسن.
مَن قال إنّ قبلة من العليمي طبعها على جبين عبد ربّه لا يمكن أن تصنع فارقاً؟