إسرائيل بعد أوكرانيا: تهمة الأبارتهايد لن ترحم

مدة القراءة 6 د

وصف إسرائيل بأنّها “نظام أبارتهايد”، كما جاء في تقرير “أمنستي” أخيراً، ليس بديلاً عن وصف إسرائيل بأنّها “دولة استعمار استيطاني”، ولا يقلّل من واقع أنّها “دولة احتلال عسكري”، ولا يقلّ في القانون الدولي عن الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي زلزل أوروبا وأميركا، ودفعهما إلى فرض حزمة هائلة من العقوبات على روسيا بعد أيام من الغزو، وإلى عزل موسكو سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً، خلافاً طبعاً للتعامل الغربي مع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الذي مضى عليه 74 سنة. على الرغم من أنّ مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالأراضي الفلسطينية المحتلّة السابق جون دوغارد قال إنّ “إسرائيل ترتكب ثلاثة انتهاكات تتعارض مع المجتمع الدولي، وهي الاستعمار والاحتلال والأبارتهايد”.

التقرير الشامل لمنظمة العفو الدولية “أمنستي” جاء بعنوان “نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضدّ الإنسانية”. وهو يوثّق عمليّات الاستيلاء الهائلة من قبل إسرائيل على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وجدار الفصل العنصري في الضفّة وأعمال القتل غير المشروعة، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسيّة، والجرائم بحقّ سكان قطاع غزة. ويشرح كيف تشكّل كلّها أجزاءً من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي.

تعني كلمة “أبارتهايد” الفصل أو التفرقة، وهي مأخوذة من لغة “الأفريكانز”، لغة المستعمرين البيض الذين استوطنوا جنوب إفريقيا، وأقاموا دولة جنوب إفريقيا سنة 1910

وصف إسرائيل بأنّها “نظام أبارتهايد ” يضع سياسات التمييز العنصري في مكانها الصحيح باعتبارها محوراً للسياسات الإسرائيلية. والركن السياسي من الأبارتهايد الإسرائيلي هو عدم تطبيق حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين، الذين شرّدتهم الحركة الصهيونية لإنشاء الدولة اليهودية، والاستيطان في الضفة الغربية، ومصادرة الأراضي وتهجير الفلسطينيين. وهو يهدف إلى إبقاء اليهود أغلبية ديموغرافية بغرض إبقاء السيطرة للإسرائيليين اليهود. وينطلق من النظرة الأيديولوجية التاريخية للحركة الصهيونية، التي رفعت مبكراً شعار “شعب بدون أرض لأرض بدون شعب”. وهو شعار عبّر عن العمليّتين اللتين حاولت الصهيونية القيام بهما في الوقت ذاته: تشكيل اليهود على اعتبار أنّهم شعب – قوميّة، وتجريد السكّان الأصليين من هويّتهم المشتركة.

ما هو الأبارتهايد؟

تعني كلمة “أبارتهايد” الفصل أو التفرقة، وهي مأخوذة من لغة “الأفريكانز”، لغة المستعمرين البيض الذين استوطنوا جنوب إفريقيا، وأقاموا دولة جنوب إفريقيا سنة 1910. فعندما نظر البيض في جنوب إفريقيا في حينه إلى عمليّات “ما بعد الكولونياليّة” في دول أخرى في إفريقيا ارتعدت فرائسهم. كانوا على قناعة بأنّه إذا سيطرت الأغلبيّة السوداء على جنوب إفريقيا فستكون نهايتهم. لذلك كان “الأبارتهايد” هو طريقهم للحفاظ على أغلبية بيضاء في الدولة من خلال توسيع الفضاء، وتقسيم المكان.

بموجب قوانين الأبارتهايد، حاصروا الشعب الإفريقي الأصلي في مناطق متقطّعة غير متصلة، تسمّى :بانتوستونات”، وسُمح لهم فيها بممارسة نوع من الحكم الذاتي، وكانت تشكّل أقلّ من 13% من أرض جنوب إفريقيا التاريخية. وقد فرضت السلطات على الجميع حمل دفتر هويّة تُحدَّد فيه الأماكن والمواقيت المسموح فيها للفرد أن يدخل أو يخرج منها، أو يتنقّل بينها. وكانت الشرطة تسجن أيّ مواطن لا يحمل هذا الدفتر.

اعتبرت صحيفة “هآرتس” أنّ إسرائيل تفرض على الفلسطينيين نظاماً أسوأ من “الأبارتهايد”، وأنّ وضع الفلسطينيين في الضفة وغزّة هو أسوأ ممّا كان في “الأبارتهايد”، خصوصاً في قطاع غزة

الغريب أنّ نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا كان يزعم أنّه النظام الديمقراطي الوحيد في إفريقيا، تماماً كما تدّعي إسرائيل أنّها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، على الرغم من كلّ التمييز والفصل العنصريّين اللذين تمارسهما ضدّ الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من أنّ تل أبيب قسّمت الضفة الغربية إلى ما لا يقلّ عن 169 جزيرة منعزلة عبر عشرات الممرّات الخاضعة لإدارة وسيطرة إسرائيل.

واعتبرت صحيفة “هآرتس” أنّ إسرائيل تفرض على الفلسطينيين نظاماً أسوأ من “الأبارتهايد”، وأنّ وضع الفلسطينيين في الضفة وغزّة هو أسوأ ممّا كان في “الأبارتهايد”، خصوصاً في قطاع غزة، الذي تحوّل إلى سجن كبير، حيث أعطت إسرائيل لنفسها الحقّ في القصف من الجوّ وقتل المدنيين. وتحت عنوان “أخبروني ما هو غير صحيح في تقرير العفو الدولية حول إسرائيل؟”، تساءل جدعون ليفي قائلاً: “أوليس ما يجري في حيّ الشيخ جرّاح أبارتهايد؟ أوليس قانون الدولة القومية أبارتهايد؟ وماذا عن حرمان العائلات من حقّ لمّ الشمل؟ وماذا عن القرى غير المعترف بوجودها؟ وماذا عن التهويد؟ أولا تعكس قواعد الاشتباك مع الفلسطينيين وسياسة إطلاق النار بقصد القتل سلوك الأبارتهايد، نعم أم لا؟ أوليس طرد الفلسطينيين من بيوتهم وحرمانهم من رخص البناء جزءاً من السياسة الإسرائيلية، نعم أم لا؟ إنّ الحق في إقامة مستوطنة وارفة بجوار مجتمع من البدو لا يتوافر لديهم لا طاقة ولا مياه جارية ليس أبارتهايد، صحيح أم لا؟ وإنّ الخط الأخضر لم يتمّ محوه تماماً، والنتيجة أنّ ما حصل في 1948 ما زال مستمرّاً، وثمّة خط مستقيم يربط بين الطنطورة وما يحدث الآن”.

بطبيعة الحال السياسة الرسمية لحكومة نفتالي بينيت هل التالية: “لن نضمّ الضفة الغربية، لكن لن نقيم دولة فلسطينية. سنحافظ على الوضع الراهن، لكن سنسمح في توسيع المستوطنات. لن نتفاوض مع محمود عباس لأنّه ليس شريكاً في صناعة السلام، لكن سنتحدّث معه عن مواضيع أمنيّة تهمّنا”.

إقرأ أيضاً: لا حلّ للشرق الأوسط… خارج فلسطين

أمّا الأوساط الليبرالية التي تتموضع أساساً في اليمين الليبرالي والوسط الإسرائيلي، فهي لا ترفض مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية، لكنّها على استعداد لعمل كلّ ما هو ممكن من أجل تقييدها وتأخير قيامها من دون إغفال أهميّة “الإبقاء” على أمل قيامها في ظروف لاحقة، وليس قبل ضمان أن تكون بمنزلة “الجدار السياسي” الذي يضمن بقاء المشروع الصهيوني في شروطه الجديدة.

في النهاية، دولة إسرائيل، التي تهرّبت من عقوبة احتلالها اللامتناهي، يمكن أن تجد نفسها أمام عالم جديد، وخصوصاً بعد الأزمة الأوكرانية، ربّما لن يبقى موافقاً ولن يصمت.

* كاتبة فلسطينية مقيمة في غزّة

مواضيع ذات صلة

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…