باكستان: أيّ ثمن يدفعه عمران خان؟

مدة القراءة 7 د

يواجه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان المؤامرة الأميركية لإسقاطه بعدما غيَّر مسار دفّة البلاد من الغرب باتّجاه الشرق الآسيوي، حيث روسيا والصين والهند. هكذا لخّص أنصاره في حزب “حركة الإنصاف الباكستانية” أسباب الأزمة السياسية والحكومية التي تعصف بالبلاد.

مرّة أخرى تحلّق الغيوم الداكنة في سماء باكستان. دولة عمرها 85 عاماً لم تهنأ في حياتها السياسية كثيراً إلّا من خلال امتلاكها للقنبلة النووية. ومرّة أخرى يطارد إسلام آباد السير في المجهول الذي تحوّل إلى قدرها منذ الاستقلال عام 1947 حتى اليوم.

عمران خان الرياضي العالمي قبل أن يصبح السياسي الوسيم ورئيس الوزراء الذي يقود البلاد منذ 4 سنوات، أمام امتحان حزبي وسياسي وحكومي صعب. وصل إلى السلطة محمّلاً بالكثير من الوعود والتعهّدات، لكنّه فشل في محاربة الفساد والغلاء والتضخّم وتراجع سعر صرف العملة الوطنية، وفي اعتماد سياسة خارجية متوازنة منفتحة على الدوائر المحيطة ببلاده وعلى الشركاء في الغرب الذين بنوا شبكة علاقات قديمة مع إسلام آباد.

 

يعرقل نائب رئيس البرلمان الباكستاني قاسم سوري، المحسوب على حزب عمران خان، ذهاب النواب باتّجاه التصويت على منح الثقة للحكومة بعدما خسرت الأغلبية البرلمانية المطلوبة، فيما يتحدّث عمران خان عن مؤامرة خارجية تستهدف البلاد متّهماً المعارضة بالضلوع فيها. هو يريد استرداد ما فقده من ثقل شعبي وسياسي عبر توجيه الاتّهامات إلى الخارج بدل البحث عن أسباب فشله في تنفيذ وعوده الاقتصادية والإنمائية وإخراج البلاد من مشاكلها وأزماتها.

لم يكن قد صدر بعد، لحظة دفع المقال للنشر، قرار المحكمة الاتحادية العليا في باكستان، المتّصل بطلب المعارضة إلغاء عرقلة التصويت على الثقة بالحكومة. ستحسم المحكمة الجدل في هذه الخطوة باعتبارها غير دستورية وتتعارض مع المادّة الخامسة التي تذرّع بها نائب رئيس البرلمان لعرقلة التصويت. لكنّها ستفتح الطريق أمام قرار الرئيس الباكستاني بحلّ البرلمان والذهاب إلى الانتخابات المبكرة خلال 3 أشهر. وهو مطلب يجمع ما تقوله وتريده الأحزاب الباكستانية في الحكم والمعارضة على السواء.

السيناريو الأصعب، الذي قد يُطرَح ويشعل الداخل السياسي أكثر ممّا هو متوتّر، سيكون مفاجأة منع عمران خان من الترشّح مرّة أخرى إذا تبيّن أنّه تصرّف بطريقة غير دستورية، أو وقوف المحكمة على الحياد بإعلانها أنّها لا تستطيع التدخّل في الشؤون البرلمانية، وهما احتمالان ضعيفان جدّاً.

مواجهة المؤامرة الأميركية

يريد عمران خان مواجهة المؤامرة الأميركية عبر عرقلة تطبيق الدستور الباكستاني في البرلمان والحؤول دون محاولة حجب الثقة عن حكومته بعدما شارك البعض من أنصاره البرلمانيين في التآمر، كما يقول. والمعارضة التي نجحت في جمع الأغلبية البرلمانية القادرة على إسقاط الحكومة تردِّد أنّ كلّ مناوراته لن تنفع، وأنّ مصيره لن يختلف عن مصير أسلافه من رؤساء الحكومات الذين لم يكمل أحد منهم مدّة السنوات الخمس التي يمنحها لهم الدستور في السلطة التنفيذية.

أعلن خان أنّه سيقود تظاهرات ليلية لمدّة أسبوع ضدّ “المؤامرة الأميركية” لإسقاط حكومته، مبدياً استغرابه لرفض المعارضة قرار حلّ البرلمان، معتبراً أنّها متآمرة مع الخارج وتخشى الانتخابات المبكرة، قائلاً: “سأقود شخصيّاً تظاهرات ضدّ عملاء متآمرين استعدّوا لبيع ضمائرهم وتلقّي أموال من الخارج. هؤلاء خونة تآمروا لإسقاط حكومتي وهم أعداء للديمقراطية”.

رمى عمران خان الكرة في ملعب الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى إلى الإطاحة به بسبب سياساته وقراراته الداخلية والخارجية التي تتعارض مع مصالحها. واتّهم المعارضة بالتواطؤ مع واشنطن لإزاحته عن كرسي الحكم. لكنّ قيادات المعارضة تقول إنّ اتّهام أميركا بالتدخّل في شؤون باكستان مسألة معروفة منذ عقود، وإنّ قضية طرح حجب الثقة بالحكومة كانت معلنة منذ أسابيع طويلة. ولم يتّهم عمران خان أميركا إلا بعدما انقلب عليه بعض النواب تحت سقف البرلمان بسبب مواقفه وسياساته ومحاولته الهروب إلى الأمام بعدما قطع الطريق على المعارضة وأقنع حليفه عارف علوي الرئيس الباكستاني بحلّ البرلمان، وهو ما يعني إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في غضون 90 يوماً من دون تسليم الحكم إلى أحزاب المعارضة.

يغامر عمران خان هذه المرّة، بعكس أسلافه من السياسيين، بالابتعاد أكثر فأكثر عن الغرب، وتحديداً عن الولايات المتحدة الأميركية والاقتراب أكثر من الشرق الروسي والصيني تحت عنوان استقلالية القرار الباكستاني

“الخيانة العظمى”

ليست هذه الأزمة السياسية جديدة على باكستان التي تعيش مثلها كلّ عامين تقريباً. لكنّ خطورة المشهد هذه المرّة تكمن في كون الحكومة الحالية تريد أن تقود البلاد إلى الانتخابات عبر مرشّح تختاره، وكون المعارضة تريد الذهاب إلى الصناديق مع حكومة تصريف أعمال مؤقّتة بدون عمران خان الذي يتّهمه زعيم المعارضة شهباز شريف بمنع التصويت. وهو ما “لا يقلّ عن الخيانة العظمى”. ويتّهمه بأنّ الضحيّة هو البرلمان وسمعته وحقّه في مواصلة مهامّه حتى انتهاء مدّته الدستورية.

فصل جديد من فصول الأزمة السياسية في باكستان الدولة النووية في جنوب آسيا. ولا يكفي عمران خان تقديمه على أنّه تبنّى سياسة وطنية مستقلّة وقطع الطريق على التدخّل الغربي في شؤون بلاده. فهو في قفص الاتّهام بحسب العديد من الخبراء والأقلام في الداخل لأنّه أرضى رباعيّ آسيا المنافس للغرب، على حساب علاقات بلاده التاريخية مع الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً في توقيت زيارته لروسيا خلال انطلاق عمليّتها العسكرية ضدّ أوكرانيا، وإعلان حياديّة بلاده حيال الملفّ محاولاً حماية مصالح باكستان التجارية والغازية مع موسكو. هذا إلى جانب سياسة باكستان الأفغانية والصينية والإيرانية التي أغضبت واشنطن في الآونة الأخيرة.

يواجه عمران خان أخطر أزمة سياسية منذ انتخابه في عام 2018 بناءً على وعد بالقضاء على عقود من الفساد بينما هو اليوم متّهم بدفع الأوضاع السياسية في بلاده نحو الهاوية بعدما تعهّد بتوسيع رقعة الديمقراطيات. وهو متّهم بالتلاعب بتفسير الدستور على طريقته فيما يعرف أنّه لا يجوز لرئيس الحكومة أن يطالب بحلّ البرلمان عندما يواجه مذكّرة بحجب الثقة، كما تقول المعارضة. ويناسى تراجع شعبيّته نتيجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وارتفاع أرقام التضخّم، والانخفاض الحادّ في قيمة العملة الوطنية، وتفاقم الديون الداخلية والخارجية.

يغامر عمران خان هذه المرّة، بعكس أسلافه من السياسيين، بالابتعاد أكثر فأكثر عن الغرب، وتحديداً عن الولايات المتحدة الأميركية والاقتراب أكثر من الشرق الروسي والصيني تحت عنوان استقلالية القرار الباكستاني. فهل يُقنع الناخب والقواعد الشعبية في إسلام آباد بذلك، أم أنّ الردّ الأميركي قد يصل إلى حدّ دعم محاولة انقلابية، ستكون الخامسة التي تشهدها البلاد منذ الاستقلال قبل نحو 70 عاماً، كي تقطع الطريق على تحويل وجهة السياسة الباكستانية نحو آسيا بما يضعف النفوذ الأميركي، لكن تحت ذريعة منع الفوضى والشرذمة وتهديد مصالح البلاد وأمنها ومصالحها في الخارج؟

قد تخيّب المحكمة الدستورية الباكستانية حلم البعض بلعب ورقة المؤامرة الأميركية لإزاحة حكومة عمران خان. لكنّها ستجد صعوبة في تجنيب إسلام آباد أزمة سياسية وحزبية مرشّحة لحمل المزيد من التصعيد والتوتّر في البلاد. فها هو شهباز شريف، زعيم حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، وأكبر منافس لعمران خان، يصف قرار رفض مقترح المعارضة بشأن حجب الثقة عن رئيس الوزراء، بأنّه “يوم أسود في التاريخ الدستوري الباكستاني”.

باكستان العراقية؟

الصدفة وحدها هي التي تقرّب المشهدين الباكستاني والعراقي. الهدف في الأزمتين هو الذهاب نحو انتخابات جديدة مبكرة بدعم من المحكمة الدستورية العليا. في الحالة الأولى أميركا متّهمة بأنّها تريد إزاحة خان، وفي الحالة الثانية أصابع إيران هي التي تحرّك الأمور للتخلّص من عقبة مقتدى الصدر.

إقرأ أيضاً: ربيع “دولمه بهشه” الأوكرانيّ؟

لكنّ العبرة في التعاطي الديمقراطي والامتثال لِما تقوله المعارضة حتّى لو بهمس خافت، جاءت من الكويت ومع رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح بإعلان استقالة حكومته، بعيداً عن إيصال الأمور إلى التصويت في مجلس الأمة على حجب الثقة عن حكومته. وعلى الرغم من أنّ طلب الاستجواب قدّمه ثلاثة نوّاب معارضين فقط ويتعلّق باتّهامات للحكومة بعدم التعاون مع المؤسسة التشريعية وتعطيل جلسات البرلمان.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…