شهد عدد من المدن السويدية تظاهرات تندِّد بما وصفته “التمييز” المتمثّل في تخطّي أعداد أطفال اللاجئين الذين يُسحبون من ذويهم أعداد نظرائهم من ذوي الأصول السويدية، وعدم التزام سلطات “السوسيال” (الخدمات الإجتماعية) إعادة الأطفال، على الرغم من أنّ القانون يفرض ذلك. وقال المتظاهرون إنّ سحب الأطفال يتمّ أحياناً من دون التثبّت من حقيقة وجود أضرار تلحق بالأطفال، إذ يكفي بلاغ قد يكون “كيديّاً أو كاذباً” من المدرسة أو الجيران أو المستشفى أو المركز الصحي.
في شريط مصوّر انتشر على مواقع التواصل، يظهر الطفل موسى الجعمو (11 عاماً)، وهو يبكي بسبب حرمانه من التواصل مع والديه.
تمّ إبعاد الطفل عن عائلته بحجّة تعرّضه للتعنيف. حاول الطفل الهروب من الأسرة الحاضنة، لكنّ الشرطة السويدية أعادته إليها مرّة أخرى، ولا يزال يحاول هو وأسرته التواصل مع المنظمات الحقوقية للضغط على الحكومة حتى تعيده إلى عائلته، لكن من دون جدوى.
رفض مسؤولون في “السوسيال” التعليق لـ”أساس”، على الحالات الفردية بذريعة قانون الوصول إلى المعلومات العلنيّة والسرّية للعاملين في الدولة (OSL).
لكن تشير الخبيرة القانونية حنان شكري إلى أنّ قرار “السوسيال” سحب الأطفال يرجع إلى وجود أدلّة واضحة تؤكّد إهمال العائلة لأطفالها، أو غياب المؤهّلات النفسية أو العقلية التي تتيح للأهالي تقديم الرعاية المطلوبة لأطفالهم.
الخبيرة التي تقيم في مدينة مالمو وسط السويد وعملت على عدد من القضايا المتعلّقة بسحب الأطفال من قبل “السوسيال”، تضيف في حديث لـ”أساس” إلى أنّ “السحب يتمّ عبر قوانين وإجراءات، ولا يوجد تمييز لجهة خلفيّة الطفل، فالأمر سواء في كون عائلته مهاجرة أو سويدية”.
برأيها “هذا لا يمنع وجود تجاوزات وأخطاء إدارية في السوسيال، لكنّها ليست هي الأصل، وأغلب حالات السحب تمّت وفق القوانين. وتعدّ السويد من الدول الملزمة بحماية حقوق الطفل، إذ إنّها من الدول الموقّعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحماية حقوق الطفل”.
إلا أنّ لرئيسة جمعية “حقوقنا” السويدية زينب لطيف رأياً مختلفاً، إذ تؤكّد أنّ ظاهرة سحب الأطفال من أسرهم في السويد زادت خلال السنوات الأخيرة، وأنّ “الأمر أسوأ ممّا يتصوّر أحد”.
تظهر البيانات الرسمية لعام 2020 انتهاء تدخّل واحتفاظ دائرة الشؤون الاجتماعية “السوسيال” بـ9,891 طفلاً ويافعاً، أي تقريباً نصف عدد الأطفال المسحوبين
وفي حديث لـ”أساس” تشير زينب إلى حالة الطفل موسى، الذي سحبته السلطات السويدية من أسرته لمجرّد مواجهته مشكلات في المدرسة، وليس لسبب متعلّق بمعاملة والديه له، مؤكّدة أنّ حماية الأطفال “يجب أن لا تكون بهذه الطريقة غير القانونية”.
وتلفت إلى أنّ “القانون ينصّ على أنّ فصل الطفل عن الوالدين هو الإجراء الأخير الذي يجب تنفيذه، إذ لا بدّ أوّلاً من تقديم المساعدة للطفل وهو في منزله مع أهله”، مطالِبةً بتطبيق القانون.
بحسب قانون السويد، يُسلَّم الأطفال بعد سحبهم من عائلاتهم إلى عائلات “مضيفة” ترشّحها الدولة التي تقدّم راتباً شهرياً للعائلة يتضمّن مصروف الطفل، وتُعيّن موظّفاً لمتابعة حالة الطفل.
تقول الناشطة إليزابيت بروم في ندوة حول أخذ الأطفال من قبل دائرة الشؤون الاجتماعية “السوسيال”، في العاصمة السويدية استوكهولم، إنّ دائرة السوسيال لا تقوم بتطبيق القانون كما هو مكتوب، وإنّ تقاريرها تتمّ المصادقة عليها في المحكمة بنسبة تقارب 98 في المئة.
على الرغم من أنّ التشريع القانوني في السويد يفرض على “السوسيال” إعادة الأطفال الى منازلهم إذا كان ذلك ممكناً وبأسرع وقت، إلا أنّ نصف الأطفال المسحوبين لا تتمّ إعادتهم إلى العائلة الأصلية التي يتوجّب عليها أن تنتظر بلوغ الطفل 18 سنة حتى يمكنها استعادته مجدّداً.
تظهر البيانات الرسمية لعام 2020 انتهاء تدخّل واحتفاظ دائرة الشؤون الاجتماعية “السوسيال” بـ9,891 طفلاً ويافعاً، أي تقريباً نصف عدد الأطفال المسحوبين، فمنهم 1,853 يعيشون لدى أمّهاتهم، و503 يعيشون لدى آبائهم، و1,259 يعيشون لدى الوالدين، و1,861 يعيشون في منازلهم الخاصة، و191 فقط يعيشون لدى العائلات المضيفة.
حديث الصورة: تظاهرة ضدّ قرارات دائرة الخدمات الاجتماعية (السوسيال) المتعلّقة بسحب القاصرين من ذويهم، نفّذتها عائلات بمشاركة ناشطين في مدينتيْ مالمو ويوتبوري. (خاص “أساس”).
يكشف توفيق أمجد، وهو محقّق سابق في “السوسيال”، عن انتهاكات في دائرة السوسيال، من بينها تحريف أقوال الأطفال أو اعترافات الأسر لإعطاء الحقّ بسحب الطفل وإيداعه في إحدى الدور الحاضنة وعدم إعادته إلى عائلته.
خلال عام 2020 أعلنت الحكومة السويدية تقديم الرعاية لِما يقارب 20 ألف طفل في البلاد، وإيداعهم للرعاية خارج المنزل وفقاً لإحصاءات رسمية.
آليّات سحب الأطفال
يبدأ التحقيق مع أيّ عائلة بعد ورود شكوى ضدّها تُعرف باسم “بلاغ القلق”. وعادة ما يتمّ ذلك عبر حالتين:
عندما يتقدّم أحد الوالدين أو الطفل نفسه بشكوى تفيد بتعرّضه لسوء معاملة أو ضغط نفسي، أو عندما تتلقّى هيئة الشؤون الاجتماعية بلاغاً من طرف ثالث، كمدرسة الطفل أو الممرّض أو الأصدقاء أو الجيران، وفقاً للفصل 14 من قانون الرعاية الاجتماعية (14 kap 1 § Socialtjänstlagen).
وفق الفقرة الأولى من قانون الــ LUV، الصادر عام 1990، والذي ينظّم عمل مجلس الخدمات الاجتماعية في السويد، فإنّ كلّ موظف في الدولة ملزم بأن يرسل إلى الخدمة الاجتماعية، السوسيال، بلاغاً في حال رأى ما يشتبه بأنّه اعتداء على طفل، أو ظروف غير مناسبة يعيشها الطفل.
بحسب الإحصاءات الحكومية المنشورة عن عدد البلاغات المقدّمة إلى “السوسيال” بخصوص أطفال، والتي يوفّرها المركز الوطني للإحصاء الحكومي في السويد (SCB)، يتّضح أنّ “السوسيال” تلقّى خلال عام 2018 حوالي 330 ألف بلاغ قلق بشأن الأطفال.
تؤكّد دائرة الشؤون الاجتماعية “السوسيال”، في تقرير لها نشرته العام الماضي وشمل 56 بلدية ومنطقة، أنّ حوالي 38 في المئة من بلاغات القلق الواردة فتح فيها “السوسيال” تحقيقات، وتمّ التحفّظ على البلاغات الباقية.
وفي حال قرّرت المحكمة سحب الأطفال، يُرسَل الأطفال إلى دور رعاية تابعة لهيئة الخدمات الاجتماعية أو لعوائل بديلة لرعايتهم. وقد تتّخذ المحكمة قراراً بإعادة الأطفال إلى ذويهم بعد أن يجتاز هؤلاء الأخيرون دورات تأهيلية في التربية وفي التعامل مع الأطفال أو ينجحوا في تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
في حالات أخرى، تسمح المحكمة للأبوين بزيارة الطفل بصفة متواصلة. وفي الحالات “الخطيرة”، تضطرّ المحكمة إلى إبعاد الطفل عن أهله بشكل نهائي وفوري، ثمّ نقله إلى مدينة أخرى.
لكنّ الإجراءات المتّبعة من قبل السوسيال تلقى انتقادات كثيرة، خاصة من قبل عدد من المهاجرين، الذين تجمّعوا على مدى السنوات الماضية أمام مراكز دائرة الخدمات الاجتماعية للمطالبة باسترجاع أطفالهم.
لكن تشير الخبيرة القانونية حنان شكري إلى أنّ قرار “السوسيال” سحب الأطفال يرجع إلى وجود أدلّة واضحة تؤكّد إهمال العائلة لأطفالها، أو غياب المؤهّلات النفسية أو العقلية التي تتيح للأهالي تقديم الرعاية المطلوبة لأطفالهم
الخارجيّة السويديّة تنفي
بدورها تنفي الحكومة السويدية المزاعم التي تحدّثت عن قيام دائرة الخدمة الاجتماعية في البلاد بـ”خطف الأطفال”.
وأوضحت الخارجية السويدية أنّ القانون معمول به في السويد منذ عام 1990، مشيرة إلى انعدام أيّ أسس دينية للتعامل مع قضايا الأطفال المشمولة بقانون حماية القاصرين الذي يقوم على “إثبات وجود خطر كبير على صحّة الطفل أو نموّه، فالأمر يتعلّق إمّا بسوء السلوك في بيئة المنزل، أو بسلوك الطفل أو اليافع نفسه الذي يمثّل خطراً مثل ارتكاب الجرائم أو تعاطي المخدّرات”.
وأكّدت الخارجية في نفيها أنّ قرار سحب الطفل من أسرته يعتمد كلّيّاً على موافقة القضاء الإداري المستقلّ، وليس لـ”السوسيال” سلطة في ذلك، ونفت ادّعاءات تتعلّق باستغلال الأطفال وبيعهم، ولا سيّما أنّ الخدمات الاجتماعية تمنح العوائل الحاضنة رواتب شهرية.
أما في ما يتعلّق بمشاركة الطفل في اتّخاذ القرار، أكّدت الخارجية السويدية أنّ “للطفل دائماً الحقّ في تلقّي المعلومات المتّصلة بوضعه، ويجب أن تُتاح له الفرصة للتعبير عن آرائه”، إذ يُسمح للطفل التعبير عن رغبته، لكن من دون الاعتماد على رأيه في اتّخاذ القرار.
يقول ناشطون إنّ تعامل الخدمات الاجتماعية مع أقوال الطفل يشكّل تمييزاً واضحاً، فعند تلقّي بلاغات عن سوء معاملة طفل ما، تؤخذ أقوال الطفل بجدّيّة عالية، ويُعتمد عليها بشكل كبير في اتّخاذ قرار سحبه من أسرته، لكنّ ذلك يختلف في ما يتعلّق بعودته إليها وطلبه ذلك.
أرقام مرعبة
في العاصمة السويدية، استوكهولم، قدّمت ليلى، سيدة ثلاثينية، شكوى ضدّ زوجها لمكتب الخدمات الاجتماعية تبلّغ عن ممارسة عنف ضدّها. عقب ذلك تمّ اصطحاب الزوجة مع الأطفال إلى سكن حماية، وبعد أسابيع من الحادثة طلبت الزوجة العودة إلى بيتها وزوجها.
رفضت الخدمات الاجتماعية طلب الزوجة العودة مع الأطفال، وطلبوا منها البقاء مع أطفالها بشكل منفرد أو العودة إلى زوجها من دون أطفالها.
تشرح ليلي: “قالوا لي إنّه لا يحقّ لي أخذ الأطفال معي إلى البيت باعتبار أنّه حصل عنف في المنزل، وفي حال مخالفة ذلك سيتمّ نقل الأطفال إلى عائلة أخرى حتى انتهاء التحقيقات وإصدار المحكمة قرارها في صوابيّة قرار السوسيال أو عدمها”.
لم تكترث ليلى لتعليمات “السوسيال” وعادت إلى منزلها مع الأطفال، إلا أنّ القصة لم تنتهِ. فبعد أيام وصل عدد من موظفي الخدمة الاجتماعية مع رجال الشرطة وأخذوا الأطفال جميعاً. خاضت السيدة محاكمات متتالية صدر في نهايتها قرار يشير إلى عدم وجود عنف في المنزل، وعلى الرغم من ذلك لم يعُد الأطفال حتى اليوم، ولا تعرف العائلة مكان أولادها ولا يُسمح لها بزيارتهم.
يشير التقرير الصادر عن “السوسيال”، أنّه في عام 2020 تمّ وضع 19,400 طفل ويافع في منازل عائلية، وهو ما يقلّ بمقدار 1000 حالة عن عام 2019. وبحسب التقرير ذاته، كان أكثر من 53 في المئة من الذين تمّ وضعهم في منازل عائلية في عام 2020 من الذكور، و47 في المائة منهم من الإناث، مقارنة بـ56% ذكوراً و44% إناثاً في عام 2019.
إقرأ أيضاً: ما هي حقيقة خطف السويد لأولاد المسلمين؟
على الرغم من نفي الحكومة السويدية الاتّهامات إلا أنّ دراسة صادرة عام 2021 عن هيئة المظالم السويدية أظهرت وجود “أوجه قصور خطيرة في عمل دائرة الخدمات الاجتماعية، من بينها اختلافات كبيرة في كيفية إجراء التحقيقات”.
وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها الأهالي في استعادة أطفالهم، إلا أنّ الطريق الوحيد لدى العائلات اليوم، بحسب حقوقيين ومطّلعين على قضايا سحب الأطفال، وخاصة تلك القضايا التي تتعلّق بمصادرة الأطفال والتي تفتقر إلى أدلّة إدانة كافية أو يدعمها الشكّ فقط، هو توكيل أحد الوالدين لمحامٍ متخصّص في قانون (LVU)، مع وجود شهود وتقارير للتأكيد على سلامة تربية الطفل ورعايته. وفي حالة وجود أدلّة إدانة كافية لسحب الأطفال، يجب على أحد الوالدين أن يطلب من مكتب الخدمات الاجتماعية “السوسيال” وضع خطة لكيفية إعادة الطفل إلى المنزل، وعليه أن يعرف بالضبط ما هو مطلوب منه لإرجاع الطفل إلى المنزل، وهو ما يعني أن يجد حلولاً لأسباب المشكلة ويثبت التغيير أمام المحكمة الإدارية.