بدأت حكاية جريمة أنصار، حين فاتح ابن بلدة أنصار الجنوبية حسين فياض، شريكه حسن الغناش، الذي يحمل الجنسيّة السورية، بمشكلته مع حبيبته تالا صفاوي. قال له إنّها تهدّده في حال قرّر عدم الزواج بها بأنّها ستفضح ما بينهما، وأخبره بأنّ الأمور توترت بينهما بعدما اكتشفت أنّه يخونها.
فوراً سارعه الغناش أنّ المشكلة يمكن حلّها بسهولة: أن يقتلها هي وشقيقتيْها منال وريما وأمّهنّ ابتسام عباس، لعلمهنّ بتفاصيل علاقتهما وبالخلافات التي بينهما، وهو ما عدّه فياض دعابة لا أكثر.
لكنّ المشكلات ازدادت بين فياض وصديقته، التي لا يزيد عمر علاقته بها على سبعة أشهر. إلى أن أتى يوم 27 شباط حين سأله الغناش: “ماذا قرّرت بخصوص قضيّتك؟ ما بدك تخلص؟”.
وهنا بدأت الأمور تتّخذ منحى جديّاً بالنسبة إلى حسين فياض، الذي وافق على تصفية الأسرة، وفق إفادته أمام شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بعدما قدّم الغناش عرضه بمساعدة صديقه و”حبيبه”، بحسب تعبيره. لكن فياض اشترط ألا ينفّذ بيده العملية وألا يكون هو من يطلق النار، فأبدى الشريك استعداده التامّ لأداء المهمّة بدلاً منه.
يقول القاتل إنّهن صرخن وهنّ يسقطن على الأدراج، ثمّ سارع الغناش إلى تناول بندقية كان قد وضعها خلف شجرة عند باب المغارة، وأطلق النار عليهنّ فيما بقي هو في الخارج
تجهيز مسرح الجريمة
يروي فياض: “توجّهنا إلى المغارة في اليوم الذي سبق تنفيذ الجريمة في 2 آذار، وهو مكان نعرفه من قبل. أحضرنا عُدّة من ورشة صغيرة في بستان يملكه عمّي قرب المغارة. دخل الغناش عند الساعة الثامنة ليلاً ليعاين مسرح الجريمة، وغادرت إلى المنزل لإعداد العشاء، وعدت بعد أربع ساعات لأصطحبه معي بعدما كان قد جهّز الحفرة ووضع مستلزمات إخفاء الجريمة وغادرنا معاً”.
في هذه الأثناء تواصل فياض مع فريسته تالا، ودعاها إلى العشاء بصحبة شقيقتيها وأمّهنّ في مطعم في صور عند الساعة الثامنة من مساء اليوم التالي.
في اليوم التالي جهّز بندقيّته من نوع “بومب أكشن” ولقّمها بسبع طلقات، وتوجّه إلى شريكه، الذي تعهّد بتنفيذ المهمّة، لإحضاره وأخذه إلى المغارة التي يعرفانها جيّداً، ثم ذهب لإحضار ضحاياه من منزلهنّ لتناول العشاء المفترض. وفي الطريق عرّج على المغارة بذريعة أنّه يريد إعطاء العامل في البستان أموالاً مستحقّة عليه.
استقبله الشريك عند بوابة البستان، ترجّل من سيارته، طلب إليهنّ مشاهدة المغارة، التي ينوي أن يقيم جلسة “مشاوي” فيها، ويقول في حديثه إنّ الأحوال الجويّة كانت ملائمة وضوء القمر ينير الطريق إلى باب المغارة، التي في داخلها درج يصل ارتفاعه إلى نحو أربعة أمتار، وعند دخولهن، دفع الغناش تالا وأمّها نحو الغرفة في أسفل الدرج، وأقدم حسين بعده على دفع الأختين ريما ومنال.
سبع طلقات عمياء
يقول القاتل إنّهن صرخن وهنّ يسقطن على الأدراج، ثمّ سارع الغناش إلى تناول بندقية كان قد وضعها خلف شجرة عند باب المغارة، وأطلق النار عليهنّ فيما بقي هو في الخارج.
سبع طلقات أفرغها الغناش في أقلّ من دقيقة، يقول فياض، قبل أن يخرج ويطلب إليه الانتظار في الخارج، ثمّ يدخل لنقل الضحايا إلى الحفرة، التي أعدّها في اليوم السابق.
انتظر فياض أكثر من ساعتين في غرفة تقع في بستان عمّه، فيما كان شريكه يخفي معالم الجريمة، واضعاً الإسمنت على ضحاياه مخافة أن تفوح رائحة الجثث الأربع، وخرج بعدما أنهى مهمّته، فغسل يديه قرب خزّان في الورشة، ثمّ بدّل ملابسه الملطّخة بالدماء بأخرى أحضرها معه لهذه الغاية، ثمّ حمل البندقية والهواتف وغادرا معاً بعد إتمام الجريمة.
مَن خطّط لتقنيات العمل كان الغناش وفق إفادة فياض، وهو اتفاق مبرم بينهما، وكانت الوجهة مدينة صيدا لإخفاء الهواتف الأربعة والثياب وحقيبتيْ يد كانتا بحوزة اثنتين منهنّ.
اختار الغناش مكاناً قرب القلعة رمى فيه الهواتف في البحر، إذ كان يعلم أنّ المياه عميقة في تلك المحلّة، كسّر الهواتف تباعاً وألقى بها في البحر، قبل أن يرمي الحقيبتين والملابس، وعاد الشريكان كلّ إلى منزله.
انتظر فياض أكثر من ساعتين في غرفة تقع في بستان عمّه، فيما كان شريكه يخفي معالم الجريمة
شهادة الوالد المختار
اختتم حسين فياض إفادته، التي أدلى بها، وهو يظنّ أنّ شريكه موقوف. كانت الإفادة مطابقة للوقائع، التي أفاد بها والد المغدورات، وطليق أمّهنّ مختار بلدة أنصار زكريا صفاوي، الذي ادّعى بالاسم على حسين فياض بخطف بناته وطليقته أمام النيابة العامّة.
جاء ادّعاء المختار على خلفيّة علمه من ابنته منال بالدعوة التي وجّهها فياض إلى الأسرة، وابنته تالا على وجه الخصوص، وفق التحقيق الأوّليّ، واستند أيضاً إلى أقوال ثلاثة شهود قالوا إنّهم رأوا سيارة فياض قرب المنزل، وأشار في ادّعائه إلى وجود مشكلات بين فياض وابنته.
هذا الادّعاء لم تأخذه النائبة العامّة الاستئنافيّة غادة أبو علوان على محمل الجدّ، وقابله مكتب تحرّي النبطية باستخفاف من دون القيام بأدنى مقوّمات التحقيق البديهية.
لم يستدعِ اختفاء أربع سيّدات البحث في كاميرات المنطقة عن السيارة ووجهتها، ولم يستدعِ أيضاً من الأجهزة الأمنيّة فتح منزل المغدورات بعد خطفهنّ.
عند استدعاء فياض نفى علمه بالأمر زاعماً أنّه لم يشاهد تالا في اليوم المذكور، وأفاد بأنّه كان في منزله يوم الخطف. ومع أنّ تحليل داتا الاتصالات أظهر تزامناً مكانياً بين خطّه الهاتفي وخطّ الأمّ الهاتفي، على شبكة إرسال صيدا، إلا أنّ ذلك لم يكن أيضاً سبباً كافياً لتوقيفه والتوسّع في التحقيق.
بقي فياض وشريكه يسرحان ويمرحان أكثر من عشرين يوماً، في حين ختمت القاضية أبو علوان ملفّ التحقيق من دون التقاط خيط قد يفضي إلى جثث السيّدات الأربع في المغارة.
تمكّنت استخبارات الجيش من توقيف فياض، الذي غادر إلى سوريا، لملاقاة شريكه الغناش. وهناك تعرّض فيّاض لعملية سرقة أوراقه الثبوتية وأمواله، وهذا ساهم في أن يقنعه شقيقه بأن يعود إلى لبنان.
إقرأ أيضاً: الأمن… آخر غطاء لـ “ظهر الدولة” المكشوف!
سُلّم فياض بعد القبض عليه إلى شعبة المعلومات، التي تتابع التحقيق معه والتدقيق في إفادته، في انتظار أن يبدأ استجواب السوريّ حسن الغناش، الذي قبضت عليه استخبارات الجيش في البقاع بعد استدراجه إلى لبنان هو الآخر.
يبقى أن تكتمل معطيات الجريمة، بظهور دوافع الغناش إلى المشاركة في عمل شنيع كهذا بعدما اتّضحت دوافع فياض.