هيو واي (Hu Wei)*
الحرب الروسية الأوكرانية هي أخطر صراع جيوسياسي منذ الحرب العالمية الثانية، وستؤول إلى عواقب عالمية أكبر بكثير ممّا أحدثته هجمات 11 أيلول 2001. في هذه اللحظة الحرجة، تحتاج الصين إلى تحليل اتّجاه الحرب، وتقييم تأثيرها المحتمل في المشهد الدولي بدقّة.
في الوقت نفسه، ومن أجل توفير بيئة خارجية مؤاتية نسبياً، تحتاج الصين إلى الاستجابة لهذه الأزمة بمرونة، واعتماد خيارات استراتيجية تتوافق مع مصالحها الطويلة الأجل. لقد تسبّبت “العملية العسكرية الخاصة” التي شنّتها روسيا ضدّ أوكرانيا باختلاف كبير في الصين بين مؤيّدين ومعارضين للحرب الروسية، في معسكرين متناقضين بشدّة. لا تمثّل هذه المقالة أيّ طرف، وهي تتضمّن تحليلاً موضوعيّاً لعواقب الحرب المحتملة، وما يقابلها من إجراءات مطلوبة، لتكون بين يدي أعلى مستوى لصنع القرار في الصين لاتّخاذ الموقف منها.
الحرب الروسية الأوكرانية هي أخطر صراع جيوسياسي منذ الحرب العالمية الثانية، وستؤول إلى عواقب عالمية أكبر بكثير ممّا أحدثته هجمات 11 أيلول 2001
أوّلاً: قد لا يتمكّن فلاديمير بوتين من تحقيق أهدافه المتوقّعة في أوكرانيا، وهو ما يضع روسيا في مأزق. كان الهدف من الهجوم حلّ المشكلة الأوكرانية بشكل كامل، وصرف الانتباه عن الأزمة الداخلية لروسيا من خلال هزيمة أوكرانيا بحرب خاطفة، واستبدال قيادتها، وإقامة حكومة موالية لموسكو. مع ذلك، فشلت الحرب الخاطفة، وروسيا غير قادرة على تحمّل حرب طويلة الأمد، وما يرتبط بها من تكاليف باهظة. أمّا شنّ حرب نووية، فمن شأنه أن يضع روسيا في الجانب الآخر من العالم بأسره، ولا يمكن الفوز بها. فضلاً عن ذلك، إنّ الأوضاع في الداخل والخارج غير مؤاتية بشكل متزايد. فحتى لو احتلّ الجيش الروسي كييف، وشكّل حكومة عميلة بتكلفة عالية، فإنّ هذا لن يعني النصر النهائي. في هذه المرحلة، سيكون أفضل خيار لبوتين هو إنهاء الحرب بشكل لائق من خلال محادثات السلام، وهو ما يعني تقديم أوكرانيا تنازلات جوهرية. فما لا يمكن تحقيقه في ساحة المعركة، يصعب الحصول عليه على طاولة المفاوضات. على أيّ حال، هذا العمل العسكري هو خطأ لا رجوع فيه.
ثانياً: قد يتصاعد الصراع في أوكرانيا، ولا يمكن استبعاد تورّط الغرب مباشرة في نهاية المطاف. ومع الكلفة الباهظة، هناك احتمال كبير أن لا يستسلم بوتين بسهولة بالنظر إلى طبيعة شخصيّته وما يمتلكه من سلطة. قد تتجاوز الحرب الروسية الأوكرانية نطاقها الحالي، وقد تشمل إمكانية توجيه ضربة نووية. بمجرّد حدوث ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة وأوروبا البقاء بمعزل عن الصراع، وهو ما يؤدّي إلى اندلاع حرب عالمية أو حتى حرب نووية. ستكون كارثة على البشرية، ومواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا. ستكون هذه المواجهة النهائية أسوأ بالنسبة إلى بوتين، بالنظر إلى أنّ القوة العسكرية لروسيا لا تضاهي قوة الناتو.
ثالثاً: حتى لو تمكّنت روسيا من الاستيلاء على أوكرانيا في مقامرة يائسة، فستكون في أزمة سياسية محتدمة. ستتحمّل عبئاً ثقيلاً وتُصاب بالإنهاك. في مثل هذه الظروف، وبغضّ النظر عمّا إذا كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على قيد الحياة أم لا، فمن المرجّح أن تتشكّل حكومة أوكرانية في المنفى لمواجهة روسيا على المدى الطويل. ستخضع روسيا للعقوبات الغربية، وتواجه التمرّد المسلّح في أوكرانيا. وستُرسم خطوط المعركة لمدّة طويلة جدّاً. وسينهار الاقتصاد الروسي في بضع سنوات.
رابعاً: قد يتبدّل الوضع السياسي في روسيا أو يتفكّك على يد الغرب. بعد فشل الحرب الخاطفة التي شنّها بوتين، وتضاؤل الأمل في انتصار روسيا، ووصول العقوبات الغربية إلى درجة غير مسبوقة. ومع تأثّر سبل عيش الناس بشدّة، واحتشاد القوى المناهضة للحرب والمناهضة لبوتين، لا يمكن استبعاد احتمال تمرّد سياسي في روسيا. ومع وصول الاقتصاد الروسي إلى حافّة الانهيار، حتى مع عدم هزيمة موسكو في الحرب، فسيكون صعباً على بوتين احتواء العواقب. وإذا أُطيح ببوتين بسبب الحرب الأهلية أو الانقلاب عليه أو أيّ سبب آخر، فمن غير المرجّح أن تواجه روسيا الغرب، بل ستخضع له، أو حتى تُقطّع أوصالها، وستنتهي مكانة روسيا كقوة عظمى.
خيار الصين الاستراتيجيّ
لا يمكن ربط الصين ببوتين، وينبغي الانفكاك عنه في أسرع وقت ممكن. إنّ تصعيد الصراع بين روسيا والغرب يساعد في تحويل انتباه الولايات المتحدة عن الصين. وفي هذه الحالة، ينبغي على الصين أن تفرح ببوتين بل تدعمه، لكن فقط إذا لم تسقط روسيا. إنّ الركوب في القارب نفسه مع بوتين سيؤثّر سلباً على الصين في حالة فقد السلطة. ما لم يتمكّن بوتين من ضمان النصر على أوكرانيا بدعم الصين، وهو احتمال يبدو غامضاً في الوقت الحالي، فإنّ بكين لا تملك القوة لدعم روسيا.
“لا يوجد حلفاء أبديّون، ولا أعداء دائمون. بل إنّ مصالحنا أبديّة ودائمة”، هي القاعدة في السياسة الدولية. في الظروف الدولية الحالية، لا يمكن للصين المضيّ قُدُماً إلا من خلال حفظ مصالحها الفضلى، واختيار أهون الشرّيْن، والخلاص من عبء روسيا في أسرع وقت ممكن. في الوقت الحاضر، تشير التقديرات إلى أنّه ما يزال هناك أسبوع أو أسبوعان قبل أن تفقد الصين هامش المناورة. ينبغي على الصين أن تتصرّف بشكل حاسم، وأن تتجنّب اللعب مع كلا الجانبين في القارب نفسه، وأن تتخلّى عن الحياد، وأن تختار الموقف السائد في العالم. وبالنظر إلى أنّ الصين دافعت دائماً عن احترام السيادة الوطنية للدول وسلامة أراضيها، فلا يمكنها تجنّب المزيد من العزلة إلا من خلال الوقوف إلى جانب غالبيّة دول العالم. هذا الموقف يساعد أيضاً على تسوية قضية تايوان.
ينبغي أن تحقّق الصين أكبر اختراق استراتيجي ممكن، وأن لا تتعرّض لمزيد من العزلة من جانب الغرب. سيساعد الانفصال عن بوتين، والتخلّي عن الحياد بإزاء الحرب الأوكرانية، في بناء صورة الصين الدوليّة، وتيسير علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب. وعلى الرغم من أنّه صعب، ويتطلّب حكمة عظيمة، إلا انّه أفضل خيار للمستقبل. لا يمكن التعامل مع الرأي القائل بأنّ الصراع الجيوسياسي في أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا سيؤخّر بشكل كبير التحوّل الاستراتيجي للولايات المتحدة من أوروبا إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ضرورة احتواء الصين
هناك بالفعل أصوات في الولايات المتحدة تشير إلى أهميّة أوروبا، لكنّ الصين تبقى أكثر أهميّة، والهدف الأساسي للولايات المتحدة هو احتواء الصين ومنعها من أن تصبح القوة المهيمنة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. في هذه الظروف، فإنّ الأولويّة القصوى للصين هي إجراء تعديلات استراتيجية مناسبة وفقاً لذلك، لتبديل المواقف الأميركية العدائية تجاه الصين، وإنقاذ نفسها من العزلة، وبالإجمال منع الولايات المتحدة والغرب من فرض عقوبات جماعية عليها.
إقرأ أيضاً: وقف الحرب: حياد أوكرانيا.. وحفظ ماء وجه بوتين
ويتعيّن على الصين منع اندلاع الحروب العالمية والحروب النووية، وأن تقدّم إسهامات لا غنى عنها من أجل إرساء السلام العالمي. ولأنّ بوتين طلب صراحةً من قوات الردع الاستراتيجي الروسية الدخول في حالة استعداد قتالي خاص، فقد تخرج الحرب الروسية الأوكرانية عن السيطرة. ولإثبات دور الصين كقوة رئيسية مسؤولة، لا تستطيع الوقوف إلى جانب بوتين فحسب، بل يتعيّن عليها أيضاً اعتماد إجراءات ملموسة لمنع مغامرات بوتين المحتملة.
الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتمتّع بهذه القدرة، وينبغي عليها إفساح المجال كاملاً لهذه الميزة الفريدة. من المرجّح أن يُنهي بوتين الحرب عندما يتوقّف دعم الصين له، أو في الأقلّ لن يجرؤ على تصعيد الحرب. نتيجة لذلك، ستكسب الصين إشادة دولية واسعة النطاق لحفاظها على السلام العالمي، وهو ما قد يساعدها على منع العزلة عنها، وإيجاد فرصة لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب.
* أكاديميّ صينيّ وعضو في مراكز بحثيّة صينيّة عدّة.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا