“الطيبون يرحلون باكراً”…
بهذه الجملة يمكن اختصار رحيل رجل الأعمال ميشال مكتّف، إثر أزمة قلبية باغتته في منطقة فاريا، وفارق الحياة قبل وصوله إلى المستشفى.
مكتّف ناشر “نداء الوطن” وصديق “أساس” الذي لم يبخل يوماً على الموقع وصحافييه بمعلومة أو بتصريح، رحل وأخذ معه طموحه في الوصول إلى الندوة البرلمانية، ضمن مسيرة متعثّرة لم تُكتب له. رحل وفي قلبه غصّة من “ظلم العهد” و”ظلم غادة عون”، القاضية والنائبة الاستئنافية في جبل لبنان التي “اغتالته” في حياته قبل مماته.
ميشال كان صادقاً ولم يكن يخفي شيئاً على القضاء، ولا عن غادة عون، لكنّ جهل الجميع لطبيعة عمله كـ”شحّين أموال” فاقت التصوّر
مكتف هو صاحب أكبر شركة شحن أموال في لبنان، والوحيدة التي تملك ترخيصاً للتعامل مع الخزينة الأميركية، اتهمته غادة عون بـ”مساعدة المصارف على تهريب أموالها إلى الخارج”، فاقتحمت شركته في عوكر على طريقة الأفلام البوليسية ذات يوم، مستعينة بعناصر من جهاز أمن الدولة وقوات”الصدم الشعبي” في التيار الوطني الحرّ، فدخلت الشركة بواسطة “الكسر والخلع” لتصادر أجهزة كمبيوتر وتنقلها إلى منزلها الشخصي… لمن يذكر الحادثة.
ذاك اليوم عُرف بـ”غزوة عوكر”، التي تسبّبت بانقسام في الجسم القضائي نفسه في حينه، وكادت أن تتسبّب بحرب بين الأجهزة الأمنية اللبنانية، بعدما تدخّلت فرقة كبيرة من “شعبة المعلومات” وتصادمت مع متظاهري التيار الوطني الحرّ الذي تجمهروا لمساندة عون على أبواب الشركة.
بعد ذلك، وُضع ملف “شركة مكتّف” في الدرج، ولم يتسنَ لقاضية العهد إثبات أيّ شيء على ميشال ولا على شركته. كان يهزأ مكتف من هذه العراضات في كل مرة نتّصل به من “أساس”، يضحك ويقول: “ما في شي. رح يلاقوا شي”.
ميشال كان صادقاً ولم يكن يخفي شيئاً على القضاء، ولا عن غادة عون، لكنّ جهل الجميع لطبيعة عمله كـ”شحّين أموال” فاقت التصوّر. شحن الأموال هي مجرد عملية شحن بضائع طبيعية مثل أي عملية شحن لأي سلعة ، وبدل أن تكون هذه المشحونات بضائع أو مقتنيات، فهي أوراق مالية!
المئة دولار البيضاء
هذا الجهل لفّ عمل مكتف بكثير من التهم الغامضة والتساؤلات، وساعد على اقناع الناس بمسؤوليته في: مساعدة المصارف، والتآمر مع المصرف المركزي وتحويل أموال السياسيين إلى الخارج… وكأن الأموال لدى السياسيين مكدّسة أوراق “بنكنوت” ولا يعرفون كيف “يهربون” بها إلى الخارج!
يوم ظهرت أزمة الدولارات البيضاء، وبدأ الصرافون والمصارف يرفضون الحصول عليها من المواطنين، كشف المغفور له في اتصال مع “أساس” من إيطاليا، أنّ هذا أقل ما يمكن أن يحصل لدولة مثل لبنان، بعد منعه الحصول على الدولارات من الخزانة الأميركية مباشرة بواسطة شركته المخوّلة حصراً بذلك.
مكتف هو صاحب أكبر شركة شحن أموال في لبنان، والوحيدة التي تملك ترخيصاً للتعامل مع الخزينة الأميركية، اتهمته غادة عون بـ”مساعدة المصارف على تهريب أموالها إلى الخارج”
يومها كشف مكتف أن مصرف لبنان والمصارف على السواء، قصدته بسيل من الاتصالات من أجل البحث معه عن حلّ لهذه الأزمة التي تسببت بارتفاع سعر الصرف. فأبى أن يتدخّل طالما أن شركته معطّلة ومكبلة بشمع غادة عون الأحمر بلا أي أسباب موجبة، وقد تنبأ لـ”أساس” بوصول لبنان قريباً إلى مصاف الدول المنهارة، مثل فنزويلا وإيران وغيرها، نتيجة الفوضى واللاقانون، محملاً المسؤولية إلى السلطة القضائية، التي وافقت ضمناً على هذه الممارسات، وسكتت عن الظلم.
بدا مكتفّ في الاتصال مخنوقاً وغاضباً من إجراءات غادة عون “الظالمة” بحقه وحقّ شركته التي بقيت مقفلة منذ تلك الغزوة، نافياً جميع التهم التي وُجّهت إلى شركته، التي كانت لتُشطب من الخزانة الأميركية لو أن هذه التهم فعلاً صحيحة.
هذه الحقيقة أثبتتها التحقيقات الدقيقة التي أجرتها النيابة العامة المالية، وأظهرت براءة شركة مكتف بحسب ما يكشف محاميه ألكسندر نجار في حديث لـ”أساس”.
ألكسندر نجّار: “مات قهراً”
يقول نجار “هذه التهم كان دافعها الأذى، فالمرجع الصالح هو النيابة العامة المالية التي استدعت المرحوم 5 مرّات وأجرت التحقيقات وكشفت على بيانات الجمارك ولم يتبيّن أنّه قام بأيّ تحويل لأفراد أو سياسيين. كل التحويلات ضمن إطار المصارف فقط”.
نجار الذي بدا حزيناً على صديقه، أكد أن ميشال “مات قهراً”، وأنه لم يكن يشكو من أي مرض، لكن مع بداية الأزمة بدأ ميشال يشعر بضيق وصعوبات في التنفّس ومشاكل في المعدة. لكنّ الأطباء أكدوا له أنّ هذا كلّه سببه الضغوط النفسية والستريس”. وصفوا له الأدوية وغيّروها أكثر من مرّة ولم يشعر بتحسّن.
بداية ظنّ ميشال أن الأزمة قد لا تطول أكثر من شهر أو شهرين… لكنها طالت سنة وبقيت الشركة مقفلة ورفض صرف الموظفين. يتهم نجار أكثر من القاضية غادة عون بظلم مكتّف، ويقول إن القاضي نقولا منصور هو الآخر “لم ينصفه” بعد أن ردّ الدفوع الشكلية ورفض إعادة فتح الملف، هذا من دون التطرّق إلى المخالفات في تعيين غادة عون خبراء محسوبين على “التيار الوطني الحر”… لدرجة أنّ رئيس حملة “متحدون” المحامي رامي علّيق نفض يده من القضية وأقرّ بتسييس الملفّ، وأنّ “الوحيد علي ابراهيم، غير المحسوب على خطه السياسي، تُرفع له القبعة لصدقه ولموقفه الجدّي والصادق”.
إقرأ أيضاً: مكتّف هزم غادة عون.. انتظروا سعر الدولار
رحل ميشال الطيب وذو الأخلاق الرفيعة. رحل والموت حقّ، لكنّ حزنه على عمله الذي توارثته عائلة مكتّف المسيحية في رقبة “العهد القوي”… في رقبة القاضية غادة عون التي “اغتالته” في حياته.