أنستنا الحرب الروسية الأوكرانية الكثير من القضايا التي يزدحم بها الشرق الأوسط وعالمنا العربي والحالة الفلسطينية على وجه الخصوص.
مع الحرب الأوكرانية وحتى من دونها نسي الفلسطينيون حكايتهم وعنوانها إنهاء الانقسام، ولولا حنين الجزائر لتاريخها القديم الموحِّد لانقسامات الأشقّاء، لتعوّد الفلسطينيون على الانقسام ولصار علامة فارقة ثابتة في واقعهم السياسي.
أنستنا الحرب الروسية الأوكرانية الكثير من القضايا التي يزدحم بها الشرق الأوسط وعالمنا العربي والحالة الفلسطينية على وجه الخصوص
أشقّاؤنا في الجزائر يدركون المكانة الخاصة التي يتبوّأونها في نفوس الفلسطينيين جميعاً، الأمر الذي يشجّعهم على التفاؤل بالنجاح، فوضعوا سيناريو للحوار كي يُنضجوا المصالحة على نار هادئة، والفصائل من جانبها مرتاحة لهذا السيناريو مثلما ارتاحت لمواسم الدعوات الطويلة الأمد، حين لم يبقَ بلد إلا ودعاهم للحوار في فنادقه، وكانت النتيجة دائماً عدم الاتفاق مع السعي إلى حوار آخر في بلد آخر.
وكأن ليس لهم بلد يلتقون فيه ويتباحثون في قضاياهم تحت رعاية مواطنيهم. إنّه نوع من الحنين للمنفى الذي يرونه أكثر راحة من الوطن.
حين كانت الجزائر عاصمة مضمونة النجاح في حلّ الاختلافات والانشقاقات الفلسطينية، كانت الفصائل تتمتّع بحضور قويّ في الحياة الداخلية والمعادلات الإقليمية والدولية، وكانت تجسّد من خلال احتشادها داخل منظمة التحرير قيادة حقيقية بل ووحيدة للشعب الفلسطيني.
الوضع الآن مختلف كثيراً عنه في ذلك الزمن، فلا المنظمة هي المنظمة التي أعلن برلمانها قيام الدولة على أرض الحاضنة الجزائرية، ولا الفصائل هي الفصائل التي كان أصغرها يثير الخوف في نفوس الأعداء الكبار ويعرقل مخطّطاتهم، ولا الأفق السياسي هو الأفق ذاته، فلم تكن آنذاك أوسلو وقيودها الصارمة ومحرّماتها التي أتت بها بديلاً عن الثوابت، ولم يكن في الثورة والمنظمة والمجتمع الفلسطيني منافس قويّ هو الإسلام السياسي، الذي له أجندته الخاصة وبنى لنفسه كياناً خاصاً أيضاً.
الإخوة في الجزائر يعرفون ذلك، وبكلّ تأكيد يعرفون فصول التجربة المصرية التي زاد عمرها على خمس عشرة سنة، والتي رافقتها تجارب دول عديدة، ولم تكن نتائجها جميعاً عدم إنجاز المصالحة وحسب، بل تدهورت الأمور حدّ الانفصال، إذ لم يعُد في أيّامنا هذه أمرٌ غيرُ مختلف عليه في الساحة الفلسطينية.
تهالك الفصائل
الإخوة في الجزائر يعرفون أيضاً أنّ الفصائل التي يُفترض أنّها تمثّل أو تقود الشعب الفلسطيني هي ذاتها متهالكة من داخلها ومفكّكة الأوصال، وما بقي منها غير العناوين القديمة.
ها هي الفصائل المدعوّة إلى الحوار تدخل امتحان قوّة ونفوذ وشعبيّة من خلال الانتخابات المحلّية، ولعلّ أهمّ ما يُظهر ضعف حضورها كثرة القوائم الانتخابية التي شكّلت معظمَها التوليفاتُ العشائرية، وهو ما جعل السياسيين يترحّمون على ذلك الزمن الذي كانت فيه كلّ القوائم تتنافس على ختم منظمة التحرير وتبنّيها، ثمّ وبعدما وُضعت عربة منظمة التحرير وراء أحصنة السلطة المتعبة يثور سؤال يقول: كيف هو حال السلطة؟ وما هو حجم نفوذها في البلد وبين الناس؟ وما هي فاعليّة الفصائل في الواقع الفلسطيني الصعب داخل المناطق المسمّاة “أ” و”ب” و”ج”؟ وما هي فاعليّتها في الشتات حيث أضحى أكثر من نصف الشعب الفلسطيني بلا إطار.
إخوتنا في الدولة الكبرى والمحترمة والمخلصة الجزائر يعرفون كلّ ذلك ويعرفون شروط نجاح مسعاهم:
– الأوّل هو توفير فرصة عاجلة ومضمونة للشعب الفلسطيني كي يشارك في تجديد نظامه السياسي بالانتخابات العامة.
– الثاني هو وعي خطورة عامل الوقت، فإسرائيل تضاعف من تحرّكها المحموم على الأرض لخلق واقع سيطرة طويلة الأمد على الشعب الفلسطيني بكلّ مقدّراته.
– والثالث هو تجديد دعم الحاضنة العربية للحالة الفلسطينية، وهذا أمر ممكن شريطة أن يُنظَّم البيت الفلسطيني من داخله. وفي كلّ الأحوال ومثلما قلنا شكراً لمصر واليمن وروسيا وغيرهم وغيرهم جرّاء عملهم على إنهاء الانقسام، نقول شكراً للجزائر على ما فعلت وما ستفعل.
إقرأ أيضاً: “الجوائز الكبرى” لإسرائيل… و”الترضية” للفلسطينيّين!!