عادَت بورصة الاتفاق النّوويّ الإيراني إلى الارتفاع مُجدّداً إثر تأثّرها سلباً بمجريات الحرب القائمة على أراضي أوكرانيا. فبعدما طلبت روسيا “ضمانات” أميركيّة تتعلّق باستثناء تعاملها الاقتصاديّ والنّوويّ مع إيران من العقوبات الجديدة التي فرضت على روسيا بعد حربها مع أوكرانيا. وقد حصلَ الكرملين على مطلبه وعادَت المُفاوضات النّوويّة إلى سكّتها.
فقد أعلن وزير الخارجية الرّوسيّ سيرغي لافروف أنّ واشنطن أعطت موسكو “ضمانة خطيّة” بأن العقوبات الجديدة ضد روسيا لن تؤثر على تعاونها مع طهران. وبحسب “رويترز”، قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية الثلاثاء: “بالطبع لا نفرض عقوبات على مشاركة روسيا في المشاريع النووية المتعلقة باستئناف الاتفاق النووي”، مشددًا على أنّ التعامل مع روسيا بشأن الاتفاق النووي مستمر.
مسؤول أميركيّ رسميّ: إيران عرضت “خفض” التصعيد في المنطقة مُستعملاً عبارة “reduce tension in the middle east” وليس “وقف التصعيد”، في مُقابل رفع “الباسدران” عن لوائح الإرهاب
من جهتها تسعى طهران إلى إنجاز الاتفاق بأسرعِ وقتٍ مُمكن. وقد باتَ واضحاً أنّ عاصمة الملالي عرفت كيف تُحوِّل الصّراع الرّوسي – الغربيّ على أراضي أوكرانيا لمصلحتها. وبعدما نشرَ موقع Axios الأميركيّ معلومات تُفيد أنّ الإدارة الأميركيّة تدرس رفع الحرس الثّوريّ الإيرانيّ عن لوائح الإرهاب، تواصل “أساس” مع مسؤول أميركيّ رسميّ فلم ينفِ المعلومة، وأضاف أنّ إيران عرضت “خفض” التصعيد في المنطقة مُستعملاً عبارة “reduce tension in the middle east“ وليس “وقف التصعيد”، في مُقابل رفع “الباسدران” عن لوائح الإرهاب.
ليسَ تفصيلاً أن تأتي هذه الأنباء بعد أحداث لافتة ترتبط بإيران وملفّيْ الحرس الثّوريّ والبرنامج النّوويّ، هي التالية:
الحدث الأوّل: زيارة وزير الخارجيّة الإيرانيّ حسين أمير عبد اللهيان الثّلاثاء الماضي للعاصمة الرّوسيّة موسكو ولقاؤه نظيره سيرغي لافروف. أكّد مصدرٌ دبلوماسيّ روسيّ لـ”أساس” أنّ زيارة عبداللهيان لموسكو جاءت استكمالاً لزيارة نظيره القطريّ الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمن آل ثاني يوم الإثنيْن الماضي. وأشارَ المصدر إلى أنّ رئيس الدّبلوماسيّة القطريّة لعبَ دوراً محوريّاً في تقريب وجهات النّظر بين موسكو وواشنطن وطهران وإعادة دفع المُفاوضات النّوويّة قُدُماً. إذ التقى خلال الأيّام الـ10 الماضية كُلّاً من نائب وزير الدّفاع السّعوديّ الأمير خالد بن سلمان في العاصمة القطريّة الدّوحة، ووزير الخارجيّة الفرنسيّ جان إيف لودريان في العاصمة الفرنسيّة باريس، ووزيرة الخارجيّة الألمانيّة أنالينا بيربوك في العاصمة الألمانيّة برلين. وأجرى اتصالاً مُطوّلاً بنظيره الإيرانيّ يوم السّبت الماضي.
الحدث الثّاني: قصف الحرس الثّوريّ مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق فجر الأحد الماضي. يشير المسؤول الأميركيّ لـ”أساس” إلى أنّ واشنطن تلقّت رسالة الصّواريخ الإيرانيّة. ولأنّ إيران لم تستهدف أيّ مُنشأة أو قاعدة أميركيّة، فلا داعي للرّدّ على هذا القصف، إذ تُريد الإدارة الأميركيّة أن تصبّ تركيزها على الملفّ الأوكرانيّ الذي بات الأولويّة القصوى في البيت الأبيض والخارجيّة ومجلس الأمن القوميّ.
الحدث الثّالث: كَشفَت إيران عن تفكيك ما سمّته “شبكة تابعة للاستخبارات الإسرائيليّة كانت تسعى إلى تخريب مُنشأة “فوردو” لتخصيب اليوارنيوم”، بحسب ما ذكرت وكالة فارس الإيرانية الرسمية. وقد تزامن هذا مع إعلان الحرس الثوري عن تأسيس قوّة تابعة له مهمّتها حماية المنشآت النووية. بعدها كشفت إيران عن هجومٍ سيبرانيّ واسع النّطاق شنّه الحرس الثّوريّ على حسابات حكوميّة إسرائيليّة، اعترفت به إسرائيل.
لا يُعدّ الهجوم تفصيلاً عابراً. وكان الحرس الثّوريّ قد استعرضَ قدرة طائراته المُسيّرة على مُراوغة الدّفاعات الجوّيّة الإسرائيليّة عبر طائرة “حسّان” التي أطلقها حزب الله قبل أسابيع قليلة في أجواء شمال فلسطين. بعدئذٍ، قرّر “الباسدران” استعراض دقّة صواريخه وقدرتها على مُراوغة الدّفاعات الصّاروخيّة الأميركيّة في أربيل.
في الهجوم السّيبرانيّ، كانَ “حرس الثّورة” يستعرض قدراته في الحرب الإلكترونيّة. اختار أكثر المواقع الإسرائيليّة حمايةً، وهي الحسابات الحكوميّة على شبكة الإنترنت. لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ. فقد نشرت وسائل إعلام إيرانيّة ما قالت إنّه صورٌ خاصّة لرئيس الموساد دافيد برنياع استحصل عليها قراصنةٌ إيرانيّون عبر خرق جهاز الكومبيوتر الشّخصيّ لرأس الجاسوسيّة الإسرائيليّة، الذي بطبيعة الحال يتمتّع بأعلى درجة حماية إلكترونيّة.
الحدث الرّابع: أفرجت إيران عن المُعتقليْن البريطانيَّيْن من أصول إيرانيّة، نازنين زاغري وأنوشه آشوري. جاءَ الإفراج عن “الرّهينتيْن” بعدما تلقّت إيران مبلغ 530 مليون دولار حُوِّل من الأصول الإيرانية المجمّدة في بريطانيا إلى حساب إيران. يعود المبلغ إلى العقد الموقّع بين حكومة الشّاه محمد رضا بهلوي والحكومة البريطانية لتسليم دبابات إلى إيران، ولكن مع اندلاع ثورة 1979 في إيران تمّ تعليق العقد.
يُشير تبادل الأموال والمُختطفين بين بريطانيا، ومن خلفها الغرب، وإيران، إلى أنّ المُفاوضات النّوويّة تقدّمت بشكلٍ ملحوظ بعيداً عن الإعلام. فقد كان ملف المُعتقلين الغربيين والأموال الإيرانيّة المُجمّدة في طليعة مطالب المجموعة الدّوليّة وإيران في العاصمة النّمساويّة.
الحدث الخامس: تأجيل جلسة المُفاوضات بين السّعوديّة وإيران التي كان مُزمعاً عقدها في العاصمة العراقيّة بغداد يوم الأربعاء. في هذا السياق يُلفت مصدرٌ عراقيّ مسؤول في حديث لـ”أساس” إلى أنّ إيران قالت إنّ طلبها تأجيل جلسة التّفاوض هو “احتجاجٌ” على ما سمّته “الإعدامات” التي أعلنت المملكة تنفيذها بحقّ ضالعين في عمليّات ونشاطات إرهابيّة. لكن في الحقيقة تترقّب طهران توقيع الاتفاق النّوويّ لاستكمال مُحادثاتها مع الرّياض. وهي لا تُريد “تسليف” رئيس الوزراء العراقيّ مصطفى الكاظمي “ورقةً رابحة” فيما تسعى إيران إلى إخراجه من السّلطة.
جدير بالذكر هنا إعلان ممثلين عن الحوثيين استعداد الميليشيات اليمنية المدعومة من إيران للحوار مع “التحالف العربي”، في رسالة تطمئن العرب.
باتَ واضحاً أنّ إدارة بايدن وجدَت ضالّتيْها في طهران. بناءً عليه ليتوقّع العالم بأسره أيّ شيءٍ من إدارة تسعى لإحياء الاتفاق النّوويّ ورفع الحرس الثّوريّ عن لوائح الإرهاب
هذا في تعداد الأحداث، لكن ماذا في السّياسة؟
كان وزير الخارجيّة الإيراني قد قال في تصريح الأربعاء: “كانت لدينا 4 قضايا هي خطّ أحمر في مفاوضاتنا النهائية. تمّ حلّ قضيّتين منها، وتوصّلنا إلى نقطة الاتفاق”. وأشار عبد اللهيان إلى أنّ بلاده تستمرّ بتبادل الرسائل مع الجانب الأميركي بشكل غير مُباشر وعن طريق مُمثّل الاتحاد الأوروبيّ إنريكي مورا. أمّا عن “المطالب” الرّوسيّة، فقال الوزير العائد من موسكو: “هناك تصوّر لدى الرأي العام بأنّ روسيا أخذت اتفاق فيينا رهينةً بسبب حرب أوكرانيا، لكنّ روسيا طمأنت إلى أنّه لا توجد صلة بينهما”.
تبع تصريح عبداللهيان ما ذكره موقع “نور نيوز”، المقرّب من مجلس الأمن القوميّ الإيرانيّ الذي يُشرف عليه المُرشد علي خامنئيّ، من أنّ “زيارة عبد اللهيان لموسكو “ورقة رابحة” لإيران”. وأضاف الموقع: “الدبلوماسية النشطة والتصرّف الذكي للجمهورية الإسلامية أنهيا المخاوف الحقيقيّة والمُصطنعة بشأن احتمال فشل محادثات فيينا بسبب طلب موسكو الجديد”.
تزامناً مع عودة عبداللهيان من موسكو، خرجَ المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسّي عبر شاشة “فرانس 24” ليُعرِبَ عن “أمله بالتّوصّل إلى اتفاقٍ قريبٍ مع إيران”.
إقرأ أيضاً: إيران تقصف أميركا… على توقيت سليماني
المُهم أنّ رياح الاتفاق النّوويّ في واشنطن تسير كما تشتهي سُفن طهران. فرئيس الولايات المُتّحدة مأزومٌ داخليّاً بسبب ارتفاع أسعار النّفط، وغياب أيّ انجازٍ يُذكر له على صعيد السّياسة الخارجيّة بعد سنة و3 أشهر من دخوله المكتب البيضاويّ. ومن يذهب إلى العدو الفنزويلي طالباً “الرضا” النفطي ويعود خائباً، ليس مستغرباً منه تسهيلل حصول اتفاق نووي مع إيران يظهرها بمظهر “الرابح” الأوّل.
باتَ واضحاً أنّ إدارة بايدن وجدَت ضالّتيْها في طهران. بناءً عليه ليتوقّع العالم بأسره أيّ شيءٍ من إدارة تسعى لإحياء الاتفاق النّوويّ ورفع الحرس الثّوريّ عن لوائح الإرهاب…