تحالف من أجل “كسر” الصوت السنّيّ

مدة القراءة 4 د

ثمّة طائفة تشكّل ثلث الناخبين إلا قليلاً توشك أن تتحوّل أصواتها إلى “كسر” في الانتخابات القادمة، بما يتيح لـ “حزب الله” أن يحصد المقاعد والأغلبية النيابية، ويهدي ما يفيض عنه منها إلى العونيين لاحتلال موقع الكتلة المسيحية الكبرى في الحكم والنظام.

يتعلّق الأمر خصوصاً بدوائر بيروت الثانية وزحلة والبقاع الغربي وبعلبك – الهرمل وصيدا – جزّين والشوف – عاليه. توجد في هذه الدوائر 52 مقعداً تشكّل معاً 40% من المجلس النيابي، والمشترَك بينها أنّ في كلّ منها كتلة ناخبة شيعية متماسكة، وكتلاً سنّيّة مشتّتة.

في المشهد الراهن تتداعى أحلام التغيير سريعاً. لا يخوض “حزب الله” المعركة في معاقله هذه المرّة، بل هو متفرّغ لهندسة توزيع المقاعد في الدوائر المختلطة ذات الحضور السنّيّ الوازن

تلخّص دائرة زحلة انقلاب المشهد:

1- في انتخابات 2009 كان الصوت السنّيّ حاسماً في فوز “14 آذار” بالمقاعد السبعة في الدائرة، بما فيها المقعد الشيعي. وكانت هذه المقاعد هي ما أعطى قوى 14 آذار الأكثرية النيابية.

2- في انتخابات 2018، تراجع الصوت السنّيّ مؤثّراً في وجهة ثلاثة مقاعد، ذهب اثنان منها إلى تكتّل العونيين.

3- في انتخابات 2022، يأمل الحزب والعونيون أن يتحوّل الصوت السنّيّ إلى “كسر” انتخابي لا يصل إلى عتبة الحاصل. يصل الأمر بـ”حزب الله” إلى حدّ تسمية مرشّح للمقعد السنّيّ، لا لشيء إلا لأنّه يضع في حسبانه عدم وصول أيّ مرشّح ذي حيثيّة سنّيّة إلى عتبة الحاصل.

يشير المشهد الانتخابي الراهن إلى أنّ السُنّة سيخرجون من الانتخابات بأكبر هزّة لتمثيلهم وموقعهم في النظام منذ انتخابات 1992. فبعدما كانوا الصوت الصانع للأكثريّة في انتخابات 2005 و2009، بفضل توزّعهم جغرافياً على العدد الأكبر من الدوائر، بات هذا التوزّع نقطة ضعف في غياب اسم رفيق الحريري وصورته.

يحتاج المرء إلى استعادة مشهد 14 آذار 2005 لإدراك ما يعنيه غياب السُنّة عن معركة تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني وبناء الدولة. تكلفة الغياب مرتفعة ليس على السُنّة وموقعهم في النظام، فذاك ما يمكن استعادته عند تغيّر الظروف، لكنّ الخطر على معركة التحرير والتغيير. كان الشارع السنّيّ عصب ثورة 17 تشرين، كما كان نبض ثورة 14 آذار من قبل. ومن دونه لا يمكن إنتاج حكم متوازن، ولا يمكن لقوى التغيير أن تُحدث خرقاً في النظام القائم.

في المشهد الراهن تتداعى أحلام التغيير سريعاً. لا يخوض “حزب الله” المعركة في معاقله هذه المرّة، بل هو متفرّغ لهندسة توزيع المقاعد في الدوائر المختلطة ذات الحضور السنّيّ الوازن.

في هذا الوضع، يبدو موقف الرئيس سعد الحريري عصيّاً على الفهم. قال إنّه علّق العمل السياسي “بالمعنى التقليدي”، ثمّ اتّضح أنّ عمله السياسي لم يتوقّف، بل انصرف المسؤولون في تيّاره إلى معاركهم الصغيرة في مهاجمة “القوات”، والضغط على كلّ مَن يريد الترشّح، وتطوّر الأمر إلى الهجوم المبطّن على كلّ مَن يلتقي معهم مثل الرئيس فؤاد السنيورة أو ينسّق ترشيحه معه.

 

ماذا يريد الحريري بالضبط؟

يريد أن “يحرد”، والتعبير مستعار من مولانا الدكتور رضوان السيد، ويريد للطائفة أن تحرد معه وتنتحر سياسياً. يريد أن يثبت أنّ استنكافه أزمة وطنية، وأزمة للوجود العربي في السياسة اللبنانية أكبر من أن يحلّها سمير جعجع.

فليقُل الحريري إنّه مقاطع للانتخابات ويريد للطائفة أن تقاطع معه، وليتحمّل مسؤوليّة هذا الموقف لنناقشه فيه.

لا خيار أمام السُنّة إلا المشاركة بكل ما لديهم في هذه الانتخابات. ليس الأمر حاجة طائفية أو ميثاقية، بل إنّ ثقلهم الانتخابي مطلوب بإلحاح لتكرار الوقفة الوطنية التحرّريّة، كما في 14 آذار 2005، يوم توحّدت الساحة الوطنية فأخرجت النظام السوري. وبكلّ وضوح، لا مجال لهذا الثقل أن يتمثّل إلا بوجود مرجعيّة معروفة الاسم والعنوان تزكّي المرشّحين للجمهور.

يمكن لأيٍّ كان أن ينتقد فؤاد السنيورة، لكن لا أحد ينكر أنّه مجرّب صمد في أحلك ظروف احتلال وسط بيروت بالاعتصام المسلّح. ولا أحد يستطيع أن يمحو من التاريخ كيف حفظ وحدة صفّ الحريريّة حين تباينت الخيارات بينه وبين سعد الحريري، فنأى بجانبه وترك لوريث العائلة أن يجرّب، وقد جرّب. بعزوفه عن الترشّح، تخسر الطائفة فرصة لخوض المعركة بوجهٍ يحمل مشروعيّة الحريريّة الوطنية بلا نقصان. قد يستمرّ الرجل في الاختيارات وتشكيل اللوائح عن بعد أو عن قرب. لكنّ ظروف المعركة لا تحتمل مواجهة من وراء حجاب. المعركة تحتاج إلى مَن يخوضها “بلا كفوف”.

إقرأ أيضاً: لماذا تعثّرت محاولة السنيورة؟

مع ذلك، لا وقت للحرد الآن، ولا مكان للإحباط أو الغفلة أو تصفية الحسابات الصغيرة. على السُنّة أن يشاركوا بكلّ صوت ممكن، لا على أساس عائلي أو بلدي، بل على أساس خيار سياسي ليس من أجل موقعهم في النظام، بل من أجل موقع النظام، وموقع لبنان وهويّته وتاريخه.

مواضيع ذات صلة

ترامب جديد… وشرق أوسط أجدّ

ليس دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض، هو الرجل الذي عرفناه بين 2016 و2020، ولا الشرق الأوسط هو الإقليم الذي عرفه الرجل خلال رئاسته… هنا…

محمّد بن سلمان: “معيار الذّهب” في سنة اللّهب

يكمل وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عقده الرابع في منتصف 2025. كان في عقد الثلاثينات قوّة تغيير لم تعرف السعودية مثلها منذ جدّه…

بري “شمعون الشيعة”: 40 عاماً نبيهاً!

قيل إنّ لقاءهما الأوّل، كان في 31 تشرين الأوّل 1983 في جنيف. خارج قاعة مؤتمر حوارنا الوطني الشهير، التقى النمر الشمعونيّ العتيق بالزعيم “الأمليّ” الشابّ….

لبنان وزلازل المنطقة وتردّداتها…

عدوّان للبنان، شطبتهما أحداث هذه السنة. وهي سنة كلّ الزلازل وكلّ الارتدادات التي تسبّبت بها هذه الزلازل. العدوّان هما النظام السوري، الذي سعى منذ ما…