ليس صحيحاً أنّ وزير خارجية الفاتيكان ريتشارد غالاغير التقى ممثّلاً عن حزب الله في السفارة البابوية. مصادر الطرفين تنفي الخبر. لم يدعُ أحدٌ أحداً منهما. ولم يفاتح الموفد أحداً، في لبنان أو خارجه، برغبة بابوية في رفع حزب الله عن قوائم الإرهاب. هذا كلام لا أساس له من الصحّة. والدليل أنّ الموفد البابوي رسم “مُخَمَّساً (Pentagon) شديد الوضوح، من خمس مسلّمات فاتيكانية لا ريب فيها:
1- تطبيق الدستور واتفاق الطائف.
2- تطبيق القرارات الدولية.
3- إخراج لبنان من الصراعات الإقليمية والدولية.
4- إنجاز الإصلاحات المطلوبة.
5- إجراء الانتخابات النيابية والاستحقاقات الدستورية في مواعيدها.
تكشف مصادر مقرّبة من السفارة البابوية في لبنان أنّ الفاتيكان حرص على أن لا يكون الحلّ في المنطقة على حساب صيغة لبنان بمسيحيّيه ومسلميه
وكما هو واضح، لا مجال للتأويل، ولا منطقة رمادية بين هذه العناوين. بل هي فاقعة في انحيازها إلى لبنان وعلاقاته العربية والدولية وسيادة “الدولة” فيه. وهي تشكّل الرؤية السياسية والدبلوماسية التي يتحرّك الفاتيكان من أجل لبنان بصمت انطلاقاً منها. وكلّ من التقاهم غالاغير سمعوا منه هذا السقف العالي، من مسؤولين رسميين وقادة روحيين.
أكثر من ذلك. دخل الفاتيكان على خطّ فيينّا. فعلى الرغم من صمت دبلوماسيته، تكشف مصادر مقرّبة من السفارة البابوية في لبنان أنّ الفاتيكان حرص على أن لا يكون الحلّ في المنطقة على حساب صيغة لبنان بمسيحيّيه ومسلميه. وحراكه في أروقة المفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حاول تطويق الكلام عن سطوة فريق على فريق، أو عن التقسيم، وكان أساسه رفض “تحالف الأقليّات”.
سفير لبنان في الفاتكيان
تتقاطع الدبلوماسية الفاتيكانية مع السياسات الدولية تجاه لبنان، ولها علاقات وطيدة مع عواصم القرار المؤثّرة في بيروت. لكن يستبعد سفير لبنان في الفاتيكان فريد الخازن الكلام عن تدخّل الفاتيكان لدى عواصم القرار هذه لرفع “صفة الإرهاب” عن حزب الله، ويرى في هذا الكلام مبالغات شتّى.
هذا لا يعني أنّ الفاتيكان ليس حريصاً على الحوار بين اللبنانيين، بل هو مستعدّ لرعاية حوار كهذا، وإن جرى فسيكون انطلاقاً من ثوابته الخمسة فقط، أي انطلاقاً من ضرورة تطبيق اتفاق الطائف وصيانة الدستور وإبعاد لبنان عن الصراعات الإقليمية وتنفيذ القرارات الدولية، وليس الحوار في إمكانية تطبيقها، بل في الآليّات المتاحة لتطبيقها. لذلك لن يقبل الفاتيكان رعاية أيّ حوار لبناني لبناني إلّا تحت هذه المظلّة.
ثوابت الفاتيكان هذه تشير بوضوح إلى موقف الصرح البابوي من تموضع حزب الله الحالي. وهي لا تعني مطلقاً أنّ الفاتيكان لا يدرك قوّة الحزب، لكنّه لا يتعامل معه من منطلق فائض قوّته، بل بصفته مكوِّناً لبنانياً وممثّلاً لشريحة من اللبنانيين لا بدّ لها أن تنضوي تحت كنف الدولة اللبنانية. من هذا المنطلق، فُتِحت قنوات تواصل مباشر بين الحزب والفاتيكان يتكتّم الطرفان على الحديث عنها، لكنّها حتماً موجودة.
لا تقتصر الرسائل على القنوات الخاصة، بل أهمّ الرسائل بين الفاتيكان والحزب جاءت في العلن. فبعد أيام من تحذير وزير خارجية الفاتيكان وتعبيره عن تخوّفه من تغيير هويّة لبنان وزوالها، ردّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قائلاً: “لا أحد يريد تغيير هويّة لبنان”. بدا واضحاً أنّه يردّ على غالاغير.
إقرأ أيضاً: الفاتيكان يحذّر من زوال لبنان: السياسيون متآمرون
لكنّ الحزب يدرك أن لا رغبة دولية بانتقال لبنان من صيغته الحالية إلى صيغة أخرى. ويدرك أيضاً أنّ ما تحدّث به الموفد الفاتيكاني يناقض ما أتى به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن عقد مؤتمر تأسيسي للبنان. التمايز مع فرنسا بخصوص لبنان كان قد عبّر عنه أمين سرّ الفاتيكان بياترو بارولين في ذكرى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والكرسيّ الرسولي في تشرين الأول من العام 2021. يومها ذكر في كلمته لبنان وتحدّث عن ضرورة المحافظة على هويّته”. في إشارة منه إلى أنّ أداء ماكرون الأخير تجاه لبنان وحزب الله ليس مقبولاً.