سنة من ولاية بايدن: كيف خذل “أبو ملحم” العرب؟ (2/2)

مدة القراءة 7 د

هل ستلحق أميركا بالدول العربية في الانفتاح على سوريا؟

بُنيت سياسة الولايات المتحدة في سوريا على عدّة حسابات خاطئة، خصوصاً منذ عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما. فقد عاشت الإدارات المتعاقبة تردّداً دائماً في اتّخاذ القرارات الضرورية وعشوائية فاضحة في التعامل مع الأحداث.

وسياسة “عدم التدخّل” الحاليّة من الرئيس الجديد جو بايدن هي اعتراف جزئي بفشل واشنطن، بعدما رفض إجراء تغييرات باهظة الثمن، وقراره بأن يركل كرة نار الأزمة السورية إلى الإدارة الجديدة التالية. وتقوم هذه السياسة بالعمق على الاعتراف الضمني بأنّ بشار الأسد قد انتصر، ولا يمكن لأيّ شخص أن يفعل أيّ شيء حيال ذلك.

بعد مرور سنة واحدة له في الرئاسة يشعر بايدن بصعوبة إحراز تقدّم في أهم أهدافه في منطقة الخليج، وهو الحدّ من المشروع النووي الإيراني وإنهاء الحرب في اليمن

إذ يعتقد فريق بايدن أنّه لا بدّ من التصالح مع الأمر الواقع، تاركاً المنطقة في طيّ النسيان، محوِّلاً وجهته نحو الفضاء الصيني، ومصمّماً على المواجهة مع التنّين الصاعد. وهذا ما أنقذ نظام الأسد خلال هذه المرحلة. إذ لا يمكن للمعارضة أن تسقطه، بل هي فشلت، وهي بالأصل غير مؤهّلة لذلك، ولم يظهر بديل في سوريا يحوز الثقة على الرغم من كلّ المآسي. كما لا يمكن للعقوبات الغربية أن تحقّق تغييرات سياسية مهمّة. ولن يجبر الدعم الأميركي في شمال سوريا دمشق على تقديم تنازلات سياسية أبداً. وعلى الأكراد أن يتوصّلوا إلى حلّ وسط لأنّهم يعرفون أنّ الولايات المتحدة ستغادر يوماً ما، وقد تستغني عنهم وتساوم عليهم. والأسد يعرف ذلك أيضاً. ويعرف الأتراك كلّ المعرفة أيضاً أنّ الولايات المتحدة ستبتعد في نهاية المطاف عن الأكراد.

لماذا يعود العرب إذاً؟

أمّا القادة العرب فهم على عكس بايدن. إذ يحاولون العودة من جديد رويداً رويداً إلى سوريا، ويحاولون استعادة سوريا مرّة أخرى وجذبها إلى الكنف العربي في جامعة الدول العربية. وهم يعرفون أنّ الطريقة الوحيدة للحدّ من اعتماد الأسد على إيران هي “الاستثمار”، وأدبيات الوحدة العربية. وهذه من المرّات النادرة التي تكون فيها سياسة العواصم العربية تجاه سوريا على عكس سياسة واشنطن، فهل يتعيّن على واشنطن أن تتبعهم؟

1- عدم التوازن مع إسرائيل

في السياق نفسه يبدو نهج الرئيس بايدن مع الكيان الإسرائيلي وفلسطين المحتلّة أكثر حذراً بكثير من سلفه. وهذا ما يعطي الأولويّة لتجنّب المخاطر السياسية على التقدّم في برنامج سياسي شامل قد يكون على النقيض من ذلك. فقد قادت إدارة دونالد ترامب ثورة في السياسة الأميركية عن طريق الانحياز بوقاحة إلى المخيّم الإسرائيلي، وتوجيه ضربة حاسمة للحركة الوطنية الفلسطينية وحلّ الدولتين من خلال ما سُمّي بـ”صفقة القرن”. في حين لا يسعى النهج المحدود لإدارة بايدن حتى الآن إلى تحقيق مكاسب متواضعة على الأرض ولو بدعم حلّ الدولتين على الأقلّ.

على هذا النحو يحاول بايدن التغطية على عجزه، بدعم السلطة الفلسطينية التي تواجه عدم استقرار ماليّ مزمن وتدهوراً سريعاً في شرعيّتها بين أبناء شعبها. وكذلك الأمر مع حكومة الكيان الجديدة، وكأنّه “أبو ملحم أميركا “.

لسوء الحظّ، من غير المرجّح أن يحقّق هذا النهج، المحافظ وغير المتوازن ولا العادل، نتائج مهمّة، أو أن ينجح في تجنيب الصراع الاحتدام الكارثي.

2- الاستقرار الخليجيّ .. مانع الانزلاق

بعد مرور سنة واحدة له في الرئاسة يشعر بايدن بصعوبة إحراز تقدّم في أهم أهدافه في منطقة الخليج، وهو الحدّ من المشروع النووي الإيراني وإنهاء الحرب في اليمن. فهو شبه عاجز. والتزام الإدارة بالتشاور بشكل علنيّ مع شركائها الخليجيين لا يمحو حقيقة أنّ دول الخليج تميل أكثر نحو متابعة أهدافها العسكرية وإدارة كل التداعيات.

ليست علاقة بايدن مع حلفائه الخليجيين جيّدة. وقد أكّدت بعض المناقشات الصارمة حول بيع الأسلحة الأميركية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مستوى التعقيد الذي يظهر عند التعامل مع حلفائها في المنطقة. وتبدو الولايات المتحدة حذرة تجاه منافسها الاستراتيجي الصيني، ومتوجّسة أكثر من دول الخليج بتوجّههم شرقاً، في ارتباطاتهم الاقتصادية والعسكرية، وفي تكديسهم مجموعة متنوّعة من الشركاء الاستراتيجيين.

اتّصفت بداية عهد بايدن بالضياع والارتباك والإخفاقات والتردّد على مستوى السياسة الأميركية الخارجية. فلا الاستراتيجية البايدنيّة للشرق الأوسط ناجعة، مع فقدان للتقاطعات والنقاط والمصالح والأولويّات… ولا يوجد أيضاً أيّ زخم لموادّ أوّلية أميركية مناسبة

3- براغماتية مع تركيا

في عهد بايدن تلحّفت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا بوشاح التوتّر الأكبر. وذلك بعد سنوات من احتكاكات عديدة قد أضرّت بالعلاقات الثنائية، بدءاً من الدعم الأميركي للقوات الكردية في سوريا، مروراً بالشراء التركي المثير للجدل للدفاع الصاروخي الروسي S-400، وهو النظام الذي أثّر على برنامج تطوير F-35 حينها، إضافة إلى فرض عقوبات أميركية في كانون الثاني 2020، وهي لا تزال من دون حلّ.

علاوة على ذلك فإنّ تركيز الرئيس جو بايدن على احترام الديمقراطية والحرّيات الأساسيّة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، واعترافه بمذبحة الأرمن عام 1915، وبأنّها إبادة جماعية، قد أضاف مزيداً من الخلافات بين البلدين. ومع ذلك فُتِحت قنوات حوار حتى على أعلى المستويات، ويتّضح من اجتماعين بين الرئيس الأميركي ونظيره التركي رجب طيب إردوغان أنّ الطرفين يتشاركان الاهتمام بالاستمرار في الحفاظ على خطوط الاتصال بينهما. فأنقرة لا تستطيع تحمّل تكاليف الخلافات التي لا يمكن إصلاحها بشكل فوري مع واشنطن في هذه المرحلة الحسّاسة التي يمرّ بها اقتصادها. أمّا الولايات المتحدة فلا تسمح بالتقارب التركي – الروسي، وهي تعتزم تجنّب سيناريو ابتعاد تركيا، الشريك الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وكذلك في مكافحة الإرهاب، حتى لا تنجرف في مجال النفوذ الروسي.

4- غياب التفاوض حول اليمن

بعد عام من محاولة بايدن إنهاء الحرب في اليمن، نرى الآن المزيد من التصعيد وفرصاً أقلّ للسلام. فالولايات المتحدة ليس لديها إلى الآن ما يكفي من القوة والأدوات لحثّ جميع الأطراف المتضاربة على الوفاء بوعدها بحلّ النزاع. وقد حاول المبعوث الأميركي في اليمن جاهداً إقناع جماعة الحوثي بالدخول في مفاوضات سلام، لكنّ الحركة ترفض هذا الخيار لأنّها لا تثق بواشنطن. وهي قد أصبحت أصلب بفعل تطوّر الدور الإيراني وإخفاقات الإدارة الأميركية وتردّدها وضبابيّتها.

من المفارقات أنّ سياسة بايدن في اليمن كانت الحوثيون يظنّونها إعلان هزيمة خصومهم ورغبةَ فيها. وهذا ما شجّعهم على شنّ هجوم واسع على مأرب، آخر معقل للحكومة المعترف بها دولياً في الشمال. وهنالك مشكلة أخرى هي أنّ الولايات المتحدة تنظر دائماً إلى اليمن من وجهات نظر القوى الإقليمية، وحالياً تربطه بمفاوضاتها مع إيران. لكنّ المطلوب هو حلّ ناجح للنزاع باعتماد عدسة أميركية متطوّرة في اليمن، لكنّها مفقودة إلى الآن.

هكذا اتّصفت بداية عهد بايدن بالضياع والارتباك والإخفاقات والتردّد على مستوى السياسة الأميركية الخارجية. فلا الاستراتيجية البايدنيّة للشرق الأوسط ناجعة، مع فقدان للتقاطعات والنقاط والمصالح والأولويّات… ولا يوجد أيضاً أيّ زخم لموادّ أوّلية أميركية مناسبة.

إقرأ أيضاً: سنة من ولاية بايدن: “أبو ملحم” أميركا (2/1)

بعد سنة من انطلاقة هذا العهد لم نرَ سوى الإخفاق في إيجاد الحلول للملفّات، وظهر التناقض بين تصريحاته والواقع الفعلي. فبدلاً من النهج المتشدّد اتجاه سوريا الذي أشار إليه، والذي يخدم بشكل أفضل مجموعة من الأهداف الجيوستراتيجية المرتبطة بالصراع السوري، خلص به الأمر إلى خفض التصعيد. وهو يعاني من عجز مطبق عن حلحلة أيّ أمر. لا يحظى إلا بفرصة أفضل لتقديم المساعدة للأشخاص في سوريا الذين يحتاجون إليها، ومساعدة اللبنانيين الذين أصبحوا فقراء، وتغيير العلاقات مع روسيا.

بعد عام من ولايته، يبدو رئيس أقوى دولة في العالم، أقرب إلى شخصية “أبو ملحم أميركا”، وليس “الفتوّة” ملفوفة العضلات.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…