رسالة لبنان “الحدوديّة” وقطبتها المخفيّة..

مدة القراءة 7 د

خلال الساعات القليلة المقبلة، يفترض أن يكون الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين في بيروت (يتردّد أنّه سيكون في 7 و8 الجاري)، وأن ينقل حصيلة مشاوراته مع الحكومة الإسرائيلية في ما خصّ النزاع الحدودي الحاصل، ومن باب العمل لوضع اتفاق غير مباشر لترسيم الحدود بين الطرفين.

جديد هذا الملفّ هو الرسالة التي أودعها لبنان الأمم المتحدة ردّاً على الرسالتين الإسرائيليّتين الموجّهتين بتاريخ 23 تشرين الثاني 2021 و27 كانون الأول 2021 إلى الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وتبدي فيهما إسرائيل اعتراضها على فتح لبنان دورة تراخيص، وهي الثانية، للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية (أعلن عنها الوزير وليد فياض بتاريخ 26 تشرين الثاني 2021). وحسب الرسالة الإسرائيلية، فإنّ دورة التراخيص الثانية تمتدّ إلى المياه الإسرائيلية، أي إلى مساحة الـ860 كلم مربّعاً المتنازع عليها بين الجانبين. وجدّدت إسرائيل “تمسّكها بمساحة الـ860 كلم مربّعاً ما بين الخط 1 والخط 23″، وحذّرت “الأطراف الثالثة”، أي شركات التنقيب عن النفط، من القيام بأيّ أعمال استكشاف أو تنقيب لمصلحة لبنان في هذه المنطقة.

يرى أحد المعنيّين أنّ لبنان بات في موقع تفاوضي أفضل ممّا كان عليه عشيّة توجيه الرسالة إلى الأمم المتحدة ردّاً على الرسالة الإسرائيلية التي قدّمت فرصة ذهبية للسلطات اللبنانية لتثبيت حقّها في المنطقة بين الخطّين 23 و29

المفاجىء في الرسالة اللبنانية المسرّبة، وفق أحد المعنيّين بهذا الملفّ، بأنّها جاءت نسخة مخفّفة في حيثيّاتها القانونية عن تعديل المرسوم 6433، لكنّها ذات المفاعيل القانونية عينها، وتبيّن أنّ للرسالة اللبنانية تأثيرات مباشرة تتلخّص بالآتي:

–  أوّلاً، ستحمي الرسالة المنطقة الواقعة بين الخطّين 23 و29 من أيّ أعمال استكشافية قد تقوم بها إسرائيل، لأنّ الشركات العالمية ستمتنع من العمل في هذه المساحة المقدّرة بحوالي 1430 كلم مربعاً لأنّها صارت بالمفهوم اللبناني، كما بالمفهوم الدولي، تحت خانة المتنازع عليها ما دام لبنان قد ثّبت هذه الواقعة بإيداعه رسالة في الأمم المتحدة بهذا المعنى. ولذلك سيتوقّف العمل في البلوك 72 الإسرائيلي الذي سبق للحكومة الإسرائيلية أن أجرت مناقصة للعمل فيه شاركت فيها شركتان، وستكون وضعيّة البلوك بكامله معلّقة بانتظار معالجة النزاع.

–  ثانياً، ستحمي الرسالة حقل قانا اللبناني الموجود على أطراف الخطّ 23 ولكن خارجه، فيما كان بإمكان السلطات الإسرائيلية السماح ببدء التنقيب فيه لأنّ لبنان رفض تثبيت حقّه خارج الخطّ 23، برفضه تعديل المرسوم 6433. هكذا عادت الرسالة لتعيد تصنيف المنطقة بين 23 و29 بالمتنازع عليها، وهو ما يمنع تلقائياً العمل ضمنها.

–  رابعاً، يمكن للسلطات الإسرائيلية البدء بأعمال التنقيب في حقل كاريش الجنوبي، لكنّ الحقل الشمالي سيكون خاضعاً لقواعد التنازع، وسيخرج من دائرة احتمالات إخضاعه للعمل الاستكشافي.

على هذا الأساس، يرى أحد المعنيّين أنّ لبنان بات في موقع تفاوضي أفضل ممّا كان عليه عشيّة توجيه الرسالة إلى الأمم المتحدة ردّاً على الرسالة الإسرائيلية التي قدّمت فرصة ذهبية للسلطات اللبنانية لتثبيت حقّها في المنطقة بين الخطّين 23 و29. وعليه سيكون الموفد الأميركي أمام واقع مغاير سيتيح له فرض قواعد جديدة على الإسرائيليين المستعجلين لمعالجة النزاع وبدء أعمال التنقيب بلا أيّ مخاوف قد تنشأ عن النزاع وتدفع الشركات العالمية العاملة في هذا المجال إلى التردّد.

ثمّة الكثير من علامات الاستفهام التي تحيط بالخطوة اللبنانية، إن لناحية الشكل، أو لناحية المضمون

ويضيف أنّ الرسالة لها التأثيرات ذاتها التي كان سيفرضها تعديل المرسوم 6433، ولو أنّ الرسالة تحمل مبادرة حسن نيّة تجاه الوسيط الأميركي وتترك له هامشاً واسعاً للعب دوره، بوصفها المنطقة بين الخطّين المذكورين بأنّها متنازع عليها قابلة للمعالجة والتفاوض، فيما يجعلها تعديل المرسوم تحت السيادة اللبنانية، أقلّه بالمفهوم اللبناني.

ولكن مع ذلك، ثمّة الكثير من علامات الاستفهام التي تحيط بالخطوة اللبنانية، إن لناحية الشكل، أو لناحية المضمون. أولى تلك العلامات غياب أيّ تعليق أو تبنٍّ رسمي للتسريبات الإعلامية لدرجة أنّ البعض يتشكّك في كون الرسالة المسرّبة هي نفسها المرسلة إلى الأمم المتحدة. ولعلّ هذا ما يفسّر الكلام عن نأي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بنفسه عن حيثيّات الورقة التي صيغت بين رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووزارة الطاقة، مع العلم أنّ المعلومات تؤكّد أنّ وزير الخارجية أبلغ رئيس الحكومة بمضمونها.

ثانيها عدم تضمين الرسالة المسرّبة أيّ ذكر للخطّ 29، واكتفاؤها بالمطالبة “بالامتناع عن أيّ نشاط في المناطق المتنازع عليها”، محذّرة “من رفع مطالب لاحقة ومراجعة حدود منطقته الاقتصادية الخالصة كما تنصّ المادة 3 من المرسوم 6433 إذا فشلت المفاوضات غير المباشرة في تحقيق التسوية التفاوضية”.

إلا أنّ المصادر المعنيّة تؤكّد أنّ الخطّ 29، بالاسم، غير مثبت قانوناً، لكنّ الرسالة تذكّر بـ”الحجج القانونية التي عرضها لبنان على طاولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، والتي تسمح له بتوسيع نشاطاته الاقتصادية جنوباً”. ما يعني وفق المعنيّين تجاوز الخطّ 23 نحو الخطّ 29، كما حاول الوفد اللبناني تثبيته على طاولة المفاوضات.

 

تداعيات سلبيّة؟

على الخطّ نفسه، استغربت مصادر أميركيّة مسؤولة عبر “أساس” التوقيت الذي اعتمده لبنان لإعادة الغمز من قناة “الخط 29″، وذلك بعد تبديد هذه المسألة في زيارة هوكشتاين الأخيرة للبنان في تشرين الأوّل الماضي. يومذاك، تبرّأ رئيس الجمهوريّة ميشال عون من الخطّ أمام المبعوث الأميركيّ والسّفيرة الأميركيّة دوروثي شيا، مؤكّداً أنّه “لا دخل له في هذه المسألة التي تتحمّلها قيادة الجيش”.

أمّا في اليرزة فكانت قيادة الجيش يومئذٍ ترمي بالمسؤوليّة في المسألة التي عُرفَت بـ”تعديل المرسوم 6433″ على دوائر قصر بعبدا وفرق المُستشارين. ومن جهته، أكّد رئيس الحكومة لهوكشتاين أنّه لن يسير بحلّ إلّا على أساس الخط 23.

وأكّدت المصادر عينها لـ”أساس” أنّ هوكشتاين، الذي التقى وزير الطّاقة الإسرائيلي الأحد الماضي في القدس المُحتلّة، استطاع انتزاع “تنازلاً” إسرائيليّاً لجهة القبول بصيغة “الخطّ المُتعرّج” الذي يعتمد على النّقطة 23. وتُعطي الصّيغة، التي باتت معروفة، حقل قانا للبنان وحقل كاريش لإسرائيل.

لم يكن المُقابل الذي نالته تل أبيب من واشنطن سهلاً. إذ وافقت واشنطن على دورٍ سياسيّ تسعى إسرائيل إلى لعبه بالدخول في وساطة بين روسيا وأوكرانيا لحلّ النّزاع بينهما. وهذا ليسَ تفصيلاً عابراً، إذ يدخل الملف الرّوسي – الأوكراني ضمن مهامّ هوكشتاين بصفته مبعوثاً لشؤون الطّاقة.

تعتبر مصادر سياسيّة لبنانيّة مطّلعة أنّ “رسالة الخارجيّة يقف وراءها فريق المُستشارين في قصر بعبدا، وهي استكمالٌ للصراع بين القصر الجمهوريّ وقيادة الجيش، في ظلّ غيابٍ لافت لرئيس التيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل. وعلى لبنان تحمّل تبعات هذه الخلافات التي لا تجرّ إلا الانعكاسات السّلبيّة”.

إقرأ أيضاً: بانتظار هوكشتاين: الترسيم قبل آذار؟

وسألت المصادر: هل تؤثّر هذه الرّسالة على زيارة هوكشتاين التي أُشيرَ إلى أنّها ستكون بداية النّهاية؟

على المستوى السياسي، تستحضر هذه الوقائع الجديدة أسئلة بارزة: لماذا قرّر لبنان رفع مستواه التفاوضي في الشروط في هذا التوقيت بالذات بعدما كان رفض تعديل المرسوم 6433؟ هل فُتح من جديد بازار التفاوض لرفع العقوبات عن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بعد التأكّد من رغبة الإسرائيليين والإدارة الأميركية بحلّ الخلاف؟ وهل تكون الرسالة بمنزلة دعم لموقف لبنان الرسمي أم تدفع الوسيط الأميركي إلى تأجيل زيارته لبيروت؟

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…