ذكرى لقمان سليم: أين التحقيق؟

مدة القراءة 5 د

عامٌ مضى على اغتيال الناشط السياسي، المفكّر والباحث لقمان سليم، ولم يتبيّن للعدالة أيّ خيط بعد، أو لم يُسمَح لها بالظهور. روتين إداري، مماطلة، عتمة وطرائق بدائية تسيطر على مسار التحقيق، ولا شيء يوحي بأنّ العدالة آتية. لكنّ في دارة لقمان عدالةً من نوع آخر، عدالة فكرية، ثقافية وإنسانية تحيي ذكراه بالحبّ، بالكلمة والغار.

“نحن هنا، ولقمان هنا، والعدالة هنا… القتلة يجب أن يكونوا في السجون، وهذا البلد لن يقوم إلا إذا قامت العدالة. آن أوان العدل… ومن دون عدالة لا بلاد”، بهذه الكلمات تهمس شقيقة لقمان سليم في رسالتها لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال لقمان سليم. وتؤكّد في حديثها لـ”أساس” أنّ لقمان ما يزال هنا “في قلوبنا..بيننا.. وفي أعمالنا التي تستكمل مسيرته، ومن بينها كتاب “نسوان من لبنان” الذي بدأه لقمان قبل اغتياله ويتضمّن مقدّمة كتبها بنفسه”.

بعد انتظار 16 سنة وصلنا إلى 3 أشخاص، اثنان منهم تمّت تصفيتهما، وسليم عياش القدّيس بنظرهم متوارٍ عن الأنظار، على الرغم من أنّ الحريري كان رئيس مجلس وزراء، وكان صديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وكان صديق السعودية

الذكرى السنوية “ستشهد زيارة الكثير من الناس والكثير من الأحباب، الذين يؤمنون بلبنان الأكبر، صديق الإنسان والإنسانية، والكثير من الأشياء اللطيفة، مع تقديم جائزة “غار لقمان سليم” التي صاغها سليم مزنّر من صخر وشمس، وشعار صفر خوف”.

لكن ماذا عن مسار التحقيق في جريمة الاغتيال؟

ستّة أشهر ظلّ الملفّ لدى المدّعي العامّ في جنوب لبنان القاضي رهيف رمضان. واليوم لدى قاضي التحقيق الأوّل في ?بيروت? بالإنابة شربل أبو سمرا. رشا الأمير تؤكّد في دردشتها مع “أساس” أن لا معلومات أساسية في القضية حتى الساعة: “فمصدر معلوماتي هم مقرّرو الأمم المتحدة الذين يهتمّون أخلاقياً بحقوق الإنسان وموجودون في سويسرا، والمحامي الذي يذهب بشكل دوري إلى قصر العدل للاطّلاع على الملفّ… ولا معلومات جديدة في القضية”.

ممنوع التحقيق

الملفّ السرّيّ الذي يحقّ للمحامي فقط الاطّلاع عليه، ومن دون تصويره حتى، وفق توصيف رشا الأمير، مكوّن من مقابلات مكتوبة بخطّ اليد تبلغ 27 مقابلة أُجرِيت مع العديد من الأشخاص، من بينهم شقيقة لقمان، زوجته، والشباب الذين كانوا يعملون معه في “أمم”. وتعلّق على المقابلة التي أجروها معها من أجل التحقيق: “سألوني عن أشخاص يعرفهم، وابتعدوا عن الموضوع السياسي، علماً أنّ اغتيال لقمان سياسي بامتياز”.

تقف رشا في زاوية الأمل، لا تدري إن كان عليها التمسّك به أو التخلّي عنه تأسّياً بالتجارب السابقة “التي علينا التعلّم منها”. فالمحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وُجِدت لها صيغة بدعم أممي، وفُصِّلت كي لا تُدان دول وكيانات.

شقيقة لقمان: شغلهم أن يجبرونا على الانتظار 16 سنة أو أكثر ونيأس، لأنّنا نعيش في بلد ممنوع فيه التحقيق، لكنّنا سنلاحق القضية ولن نيأس، وأنا لا أريد الحقيقة لأنّها واضحة كعين الشمس ولا أريد عيّاش ثانياً

“بعد انتظار 16 سنة وصلنا إلى 3 أشخاص، اثنان منهم تمّت تصفيتهما، وسليم عياش القدّيس بنظرهم متوارٍ عن الأنظار، على الرغم من أنّ الحريري كان رئيس مجلس وزراء، وكان صديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وكان صديق السعودية. أمّا لقمان فابن طبقة متوسّطة، لم يكن رئيساً للوزراء ولا يملك المال والشعبية اللذين كان يملكهما الحريري”. وتضيف شقيقة المغدور بكلماتها الهادئة: “شغلهم أن يجبرونا على الانتظار 16 سنة أو أكثر ونيأس، لأنّنا نعيش في بلد ممنوع فيه التحقيق، لكنّنا سنلاحق القضية ولن نيأس، وأنا لا أريد الحقيقة لأنّها واضحة كعين الشمس ولا أريد عيّاش ثانياً. لا أريد القاتل المأجور، بل أريد مَن أرسله ومَن زرع في عقله أنّ لقمان يستحقّ القتل. نحن نحارب عقيدةً، آلهةً لا أشخاصاً. وهذا البلد مشكلته أنّه منذ تأسيسه اعتاد على الجرائم.. ولا عقاب”.

“الهمّة بدّا طحّان”

وفي الوت نفسه تسأل رشا “كيف لنا أن نلوم القضاء اللبناني في ظلّ الانهيار الذي نعيشه؟ فمن آفات هذا البلد الكبرى أنّنا نكذب على أنفسنا. فلنقُل إنّ هذه المحكمة لديها مشاكل. نحن في بلد يشهد أزمة معيشية وانهياراً اقتصادياً. نحن نتحدّث عن قصر عدل ليس فيه كهرباء، ولا حتى كمبيوترات لطباعة المقابلات التي يتمّ إجراؤها، وعن قضاة لا يتجاوز راتب أحدهم 300 دولار أميركي. جميعنا نريد القضاء بالمطلق، حتى حسن نصر الله يقول إنّه يريد القضاء ومع التحقيق، لكن كيف يكون القضاء مع سلاح، مع خوف، مع بلد منهار… هذه مأساة”. وتختصر حديثها بتوصيف الواقع على طريقة الكوميديا السوداء، وتقول: “في ملفّ، والملفّ بدّو همّة، والهمّة بدّا الطحّان، والطحّان راح يتحمّم، والحمّام ما فيه لا ماي ولا كهربا…”.

إقرأ أيضاً: لقمان سليم بعد عام: #العار لكاتم الصوت

بسيطة هي كلمات رشا الأخيرة في حديثها لنا، ومعبّرة جداً، فسنة مضت بأيّامها وساعاتها ولحظاتها على اغتيال لقمان سليم. هي سنة بحساباتنا، لكن دائماً لأولياء الدم حسابات مختلفة تعجز الدقائق عن احتسابها…

وحدها العدالة تستطيع أن تعيد النبض لعقاربها، فهل ستتحقّق العدالة يوماً للقمان سليم وكلّ المغدورين من قبله؟

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…