مرّت أيّامٌ على زيارة وفد من التيار الوطني الحر دمشق، يتقدّمه نائب رئيس التيار الوطني الحرّ للشؤون السياسية الوزير السابق طارق الخطيب. لكن لم يمرّ الخبر في كواليس الصالونات السياسية كأنّه تفصيل عابر.
جاءت الزيارة في لحظة تصعيد “التيار” خطابه الموجّه ضدّ حزب الله. حتّى إنّ النائب جبران باسيل كرّر في الأيام القليلة الماضية قوله إنّ تفاهم مار مخايل “لم ينجح في بناء الدولة”. إذ يحاول أن يعيد تموضعه بما يمكّنه من استعادة بعض ما خسره شعبياً في السنوات الماضية، ولا سيّما أنّ المشهدين السياسيّين، الدولي والإقليمي، أصبحا على مفترق طرق. وهو ما سينسحب حتماً على لبنان في المرحلة المقبلة.
التقى وفد “التيار” وزير الخارجية فيصل المقداد الذي عبّر عن محبّة سوريا لشخص الرئيس ميشال عون ولمواقفه الوطنية الثابتة على الحقّ، ولرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل
المُتَدَاوَل في الكواليس أنّ هذه الزيارة ليست بعيدة عن حسابات باسيل مع حزب الله ومع رئيس مجلس النواب نبيه بري أيضاً. خاصّةً مع الكلام عن أنّ علاقة الأخير مع دمشق ليست في أفضل أحوالها.
فهل يلعب باسيل على التناقضات بين قوى المحور الواحد ليحسِّن شروطه وشروط تيّاره في تسويات المرحلة المقبلة؟
في التفاصيل، التقى وفد “التيار” وزير الخارجية فيصل المقداد الذي عبّر عن “محبّة سوريا لشخص الرئيس ميشال عون ولمواقفه الوطنية الثابتة على الحقّ، ولرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل”، مثنياً على “ثباته في المواقف الوطنية على الرغم من الضغوط التي تعرّض لها في الداخل كما من الخارج”.
في تعليق وفد التيار على الزيارة، أجاب الوزير السابق طارق الخطيب بأنّها “من حزب إلى حزب”، على اعتبار أنّ الدعوة أتت من الأمين العامّ المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي هلال هلال، الذي التقى الوفد بحضور الوزير السابق مهدي دخل الله في مبنى الحزب في العاصمة السورية. وأشار الخطيب إلى أنّ النقاش تمحور حول ملفّ اللاجئين السوريين الذي حمله باسيل منذ السنوات الأولى للأزمة السورية، وأنّ عودة النازحين يُفترض أن تحصل بالتعاون مع السلطات السورية بعدما أصبح الجيش السوري يسيطر على معظم الأراضي السورية، ولم يعد الكلام عن خطر أمنيّ يحيط بهم كلاماً منطقياً.
ماذا في السياسة؟
لا يجيب الخطيب على التساؤلات السياسية عن إمكانية أن تكون زيارة الوفد تمهيداً لزيارة باسيل لدمشق، معتبراً أنّ قرار الزيارة يملكه باسيل. غير أنّ معلومات تتّصل باحتمال قيام باسيل بهذه الخطوة تتحدّث عن حصول نقاش في احتمالين:
1- أن يستعيض باسيل عن زيارته بزيارة وفد تيّاره، خصوصاً أنّه مقبلٌ على انتخابات في البيئة المسيحية، الحسّاسة تجاه دور سوريا وحزب الله.
2- أن يكرّر باسيل تجربة العام 2009 يوم زار الرئيس ميشال عون، وكان لا يزال رئيساً لأكبر تكتّل نيابي مسيحي، دمشق وبراد في الشمال السوري مباشرةً قبل الاستحقاق النيابي ليؤكّد حيثيّته وقدرته على التأثير في الشارع المسيحي.
فهل يستطيع باسيل القيام بالخطوة نفسها وهو غارق في مآزقه السياسية والشعبية؟
المعلومات المرافقة لزيارة وفد التيار دمشق تتحدّث عن ترحيب سوري بباسيل الذي يُفترض أن يلتقي الرئيس بشار الأسد في زيارته المقبلة متى حصلت، أوّلاً على اعتبار أنّه رئيس أكبر تكتّل نيابي مسيحي، وثانياً على اعتباره مشروعاً رئاسياً.
يرى متابعون للمشهد أنّ قراءة تطوّرات الأحداث ومسار إنضاج تسويات المنطقة والانفصال الحتمي لقوى “المحور الواحد” في سوريا لا يمكن إلا أن تنعكس على إعادة تموضع قوى لبنانية لن يكون حزب الله بمنأى عنها
زكزكة حزب الله
لا يمكن أن تكتمل القراءة في حيثيّات الزيارة من دون التطرّق إلى ما يُحكى في الكواليس السياسية عن “زكزكة” باسيل لحزب الله من البوّابة السورية، وذلك بالاستفادة من التباينات الحاصلة بين مسارين في المحور الواحد: المسار الإيراني مع حزب الله، والمسار الروسي السوري اللذين يفترقان على أكثر من عنوان للمرحلة المقبلة.
يدرك باسيل تباينات هذين المسارين جيّداً، وهو الذي نسج علاقة “جيّدة” مع موسكو وينسج أيضاً علاقة “جيّدة” مع الأسد. والحزب وإيران دخلا في مسار تصادمي مع موسكو بشكل واضح، ومع الأسد بشكل خجول. هنا تأتي “الزكزكة”، كما لو أنّ جبران يقول للحزب: “ما رفضتم إعطائي إيّاه في بيروت، سأحاول أن أنتزعه في دمشق”. لا سيما أنّ باسيل سبق أن استذكر في مؤتمر صحافي غير بعيد، لقاءً جمعه بالرئيس بشّارالأسد، ونسب إليه قوله: “لو بقي ماروني واحد في لبنان، يجب أن يكون رئيساً للجمهورية”.
فهل ينجح باسيل في اللعب على التناقضات وانتزاع رئاسته من الشام؟ أم أنّ لعبته هذه قد تحرق ما تبقّى له من أوراق على طريق العودة إلى حارة حريك؟
ترفض مصادر التيار إعطاء أبعاد بعيدة المدى لهذه الزيارة التي تحاول حصرها بـ”ملفّ اللاجئين السوريين ومعالجة الملفّات المشتركة بين البلدين”.
إقرأ أيضاً: باسيل في سوريا… دريان وميقاتي في الجامع العمري
يرى متابعون للمشهد أنّ قراءة تطوّرات الأحداث ومسار إنضاج تسويات المنطقة والانفصال الحتمي لقوى “المحور الواحد” في سوريا لا يمكن إلا أن تنعكس على إعادة تموضع قوى لبنانية لن يكون حزب الله بمنأى عنها. ويرى آخرون أنّ خطوة التيار هذه ما هي إلا رسالة إلى حزب الله لتحسين شروطه على أبواب استحقاقات مفصليّة مقبلة.