ضمّ الجولان: أين المواجهة؟

مدة القراءة 4 د

عندما احتلّت إسرائيل مرتفعات الجولان في عام 1967، سارعت إلى إقامة أوّل مستوطنة عسكرية. فاختارت لذلك قمّة مرتفعة تطلّ من الجبهة الغربية على شمال إسرائيل وبحيرة طبريا، ومن الجنوب على الأردن، ومن الشرق على سورية. وقد أطلقت على المستعمرة اسم “بنغوهاما”.

في شهر كانون الأول الماضي، قام رئيس حكومة إسرائيل نفتالي بينيت بزيارة هذه المستوطنة، وذلك للمرّة الأولى منذ الاحتلال. ومن هناك أدرك الأهميّة الاستراتيجية العسكرية للجولان، وأعلن من المستوطنة العسكرية عن مشروع استيطاني توسّعي جديد خصّص له ما يعادل 317 مليون دولار.

من صحراء النقب في الجنوب، إلى مرتفعات الجولان في الشمال، المخطّط الإسرائيلي الاستيطاني واحد.. والغياب العربي – الدولي واحد أيضاً

يقضي المشروع بشقّ طرقات جبلية جديدة وإقامة مساكن جاهزة بهدف مضاعفة عدد المستوطنين من 52 ألفاً في الوقت الراهن إلى أكثر من مئة ألف.

كانت إسرائيل قد احتلّت الجولان في عام 1967 مع احتلالها صحراء سيناء وغزّة والضفّة الغربية. لكنّها انسحبت من سيناء في عام 1978 بعد التسوية السياسية مع مصر (كامب ديفيد)، ثمّ انسحبت من غزّة في عام 2005 تحت ضغط المقاومة الفلسطينية. ولا تزال الضفّة الغربية والجولان تحت الاحتلال. فإسرائيل تهدم في الضفة الغربية بيوت الفلسطينيين وتبني مستوطنات جديدة. ومنذ أن حصلت إسرائيل على مباركة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لضمّ الجولان، قرّرت توسيع المستوطنات. وتشكّل مبادرة رئيس حكومتها الجديدة نفتالي بينيت أوّل خطوة تنفيذية لسياسة الضمّ بعد الاحتلال.

تدّعي إسرائيل أنّ الضفّة الغربية هي جزء من أرض الميعاد التي وعد الله بها شعب إسرائيل (؟). وبموجب هذا الادّعاء ترفض الانسحاب منها، وتمضي قُدُماً في إقامة المستوطنات. لكنّ الجولان ليس جزءاً من خريطة الأرض الموعودة، لذلك كان على إسرائيل أن تبحث عن مبرّر آخر لاستمرار الاحتلال الاستيطاني. وكان هذا المبرّر هو الدفاع عن النفس. فالجولان بموقعه الجغرافي يطلّ على العمق الإسرائيلي، ويضع معظم المناطق الشمالية في إسرائيل تحت رحمة القوّات التي ترابط فيه.

في التسعينيّات جرت محاولات للتسوية السياسية تمحورت حول شروط الانسحاب من الجولان (وليس حول مبدأ الانسحاب). في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة ملتزمة بقرار مجلس الأمن الدولي 242 الذي ينصّ على وجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلّة في عام 1967.

 

ضمّ الجولان

انقلب الموقف الأميركي رأساً على عقب عندما أقرّت إدارة ترامب الاحتلال الإسرائيلي و”حقّ” إسرائيل بضمّه “لأسباب أمنيّة”. وهكذا تحوّل الجولان، الذي تبلغ مساحته 1800 كيلومتر مربّع، بأهميّته الاستراتيجية، إلى جزء من إسرائيل بقرار أميركي – إسرائيلي مشترك، ولو إلى حين!! ولم يعد مطروحاً على طاولة أيّ مباحثات سياسية. مع ذلك لا يزال معظم دول العالم يعتبر الجولان أرضاً سوريّة محتلّة، وأنّ ضمّ إسرائيل له واستيطانه، الذي بدأ في عام 1981، مخالفان للقانون الدولي ولمقرّرات الشرعية الدولية. إلا أنّ هذه الدول، بما فيها الاتحاد الأوروبي، وحتى الصين، لم تعد تبدي أيّ موقف ضدّ الاحتلال الاستيطاني بسبب مواقفها السلبية من الرئيس بشّار الأسد.

ليست الإدارة الأميركية هي الوحيدة التي غيّرت موقفها من موضوع الاستيطان الإسرائيلي في الجولان. فقد غيّرت مواقفها أيضاً أحزاب اليسار الإسرائيلي، مثل حيريتس والعمّال، التي كانت تدعو إلى التفاهم التفاوضي مع سورية حول حلّ سياسي على غرار ما حدث مع كلّ من مصر (كامب ديفيد) والأردن (وادي عربة) ومنظمة التحرير الفلسطينية (أوسلو).

إقرأ أيضاً: طنطورة: إسرائيلي يعيد الاعتبار لضحايا “النكبة”

غير أنّ هناك شمعة مضيئة في مقاومة الاحتلال الاستيطاني تتمثّل في عرب الجولان الذين يتمسّكون بهويّتهم العربية وبانتمائهم إلى سورية. وهم يشكّلون اليوم نصف سكان المرتفعات ويعيشون في مجتمعاتهم العربية المغلقة. لكن يُخشى أن يتحوّلوا إلى أقليّة بعد توسيع الاستيطان الإسرائيلي في إطار سياسة التحوّل من الاحتلال (المرتفعات) إلى الضمّ. وهو ما حدث، ويحدث الآن أيضاً، في صحراء النقب التي تحتلّها إسرائيل أيضاً وتحاول القضاء على سكّانها من البدو العرب.

فمن صحراء النقب في الجنوب، إلى مرتفعات الجولان في الشمال، المخطّط الإسرائيلي الاستيطاني واحد.. والغياب العربي – الدولي واحد أيضاً.

مواضيع ذات صلة

السّعوديّة: لدولة فلسطينيّة… لا تحتاج موافقة إسرائيلية

الصراعات لا تنتهي، وتحديداً في الشرق الأوسط. هذه معادلة خبرتها كلّ الدول والقوى والأمم على مرّ التاريخ. لذا لا بدّ من العمل على كيفية إدارتها…

جـردة حـسـاب

بين مقعده، وصورة “كاريزمية” للراحل حسن نصرالله وعلَمَي الحزب ولبنان، “يحشر” نفسه الأمين العام الجديد للحزب نعيم قاسم في إطار تلفزيوني وأجندة إيرانية وثقل تركة…

هوكستين عائد بعد الانتخابات: التسوية تنتظر الرئيس الجديد

واشنطن   ليست سهلة الانتخابات التي تخوضها الإدارة الديمقراطية. فهي تنافس الحزب الجمهوري على “المنخار” بحسب التعبير اللبناني. كثيرة هي التناقضات التي أصابت جمهور الحزب…

“إنزال” في البرلمان: التّمديد لقائد الجيش

يترافق سقوط مفاوضات وقف إطلاق النار مع انكشاف أمنيّ وعسكري وسياسي كامل، عبّر عنه بالسياسة النائب السابق وليد جنبلاط بقوله إنّ “آموس هوكستين تآمر علينا…