لا يمكن للسُنّة في لبنان أن يشعروا باليتم. هم يعبرون في معمودية سياسية سبق أن عبر فيها غيرهم، وهناك حلول وبدائل مُجرّبة يمكن أن يركنوا إليها:
1- مرحلة الإدارة الجماعية التي قادتها القوات اللبنانية بعد اغتيال الرئيس بشير الجميّل، وتخلّلتها صراعات دموية بين قياداتها، انتهت بحسم الدكتور سمير جعجع هذا الصراع وتبوُّئه قيادة القوات.
2- مرحلة “بيروت الغربية” بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية، حين سادت جولات عنف لم تتوقّف إلا مع دخول الجيش السوري الشطر الغربي من العاصمة.
3- مرحلة الإحباط المسيحي التي استمرّت لأكثر من عشر سنوات، وبدأت رسمياً مع الانتخابات النيابية عام 1992.
لا يمكن للسُنّة في لبنان أن يشعروا باليتم. هم يعبرون في معمودية سياسية سبق أن عبر فيها غيرهم، وهناك حلول وبدائل مُجرّبة يمكن أن يركنوا إليها
لم تلجأ أيّ من الجماعات المذكورة، إلى الانتحار الجماعي. حتّى المقاطعة المسيحية كانت مترافقة مع خطّة مواجهة، ظلّت تتصاعد، إلى أن أخذت منحى المواجهة الحامية بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان ثم نداء المطارنة الموارنة الشهير.
التجربة السنّية
بإعلان الحريري تعليق عمله السياسي، أصبح حتميّاً دخولُ السُنّة في لبنان حقبةً مشابهة. فغياب “الزعيم” أو “المرجعية” هو نفسه. وهم يقفون اليوم بين ثلاثة خيارات:
1- الاستسلام لقرار الحريري وترك الفراغ يتفشّى بحيث يصبحون عرضة للتناتش من جهات متعدّدة.
2- اجتماع شخصيّات سنّيّة على برنامج واضح هدفه تحصين الوضعية السياسية وإعلاء مفهوم الاعتدال الساعي إلى التوازن السياسي في البلد.
3- الدخول في صراعات بينيّة تندفع من رغبات وطموحات شخصية تؤدّي إلى المزيد من التشظّي وإعادة إنتاج الزعامات المناطقية بناءً على تحالفات ظرفية هجينة.
فما هو الهدف الأساسي؟
يفترض أن يكون الهدف الأساسي خلال هذه المرحلة هو محاولة إدارة الفراغ، للسعي إلى المحافظة على الحدّ الأدنى من التنسيق بين القيادات الرئيسية، السياسية منها أو الدينية، وعدم السماح بتشرذم كتل الأصوات الانتخابية التي كانت بحوزة تيار المستقبل.
ولنطرح فرضيات أو سيناريوهات مختلفة:
1- إبراز دور مفتي الجمهورية اللبنانية في إدارة هذا الفراغ وجمع الشخصيات السياسية السنّيّة والمتناقضة حوله في دار الفتوى. دور سبق أن لعبه البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير في مرحلة ما بعد إقرار اتفاق الطائف، بعد لجوء العماد ميشال عون إلى فرنسا، والمقاطعة المسيحية للانتخابات النيابية عام 1992، ومرحلة ما بعد سجن الدكتور سمير جعجع في العام 1994. وقد حاول أن يلعبه قبل صفير المفتي الراحل حسن خالد بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في العام 1982.
2- تطوّع أو تبرّع الرئيس نجيب ميقاتي للعب دور أكبر، وجامع على الساحة السنّيّة يتخطّى المساحة الجغرافية المعتادة للرئيس ميقاتي، وهي محافظة الشمال. وهذا أمر مستبعد يرتبط بشخصيّة ميقاتي الذي لا يرى نفسه زعامة وطنية، إنّما يحصر نفسه في طرابلس، ويعود أيضاً إلى انعدام مقبوليّة هذا الأمر داخل الطائفة السنّيّة.
3- تكليف قيادة مشتركة بإدارة هذا الفراغ على الصعد المختلفة والمستويات المتعدّدة.
– على المستوى السياسي العامّ يعمل نادي رؤساء الحكومة مع نوّاب وشخصيّات وازنة، لا سيّما في بيروت، على تشكيل هيئة سياسية لإدارة المستوى السياسي ودوزنة العلاقات السياسية والخطاب السياسي في المرحلة الجديدة. خصوصاً في ما يتّصل بخروج السُنّة من المنطقة الرمادية وحسم موقفهم من صراع دول الخليج مع حزب الله. على أن تكون الورقة الكويتية أساساً لبرنامج عمل في هذه المرحلة. وتُكلَّف شخصيّات محلّية، لا سيّما الشخصيّات القريبة، بالتنسيق فيما بينها لإدارة الملفّ الانتخابي.
– ينتقل التحدّي بعد ذلك إلى مرحلة تحريك الماكينات الانتخابية، التي كان يديرها تيار المستقبل، بهدف تشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات، وعدم بيع أصواتهم للمرشّحين المقتدرين من الطوائف الأخرى، وجمع المرشّحين الناجحين في كتلة متماسكة تستطيع أن تلعب دوراً مفصليّاً في المجلس النيابي.
لا مكان لليُتم
كان وليد جنبلاط دقيقاً في تعليقه على إعلان الحريري عزوفه، حين قال: “تيتّم الوطن اليوم والمختارة حزينة وحيدة”. وليس مَن هو أخبر من وليد جنبلاط في مثل هذه الظروف والتشخيصات.
إذاّ، فالآخرون هم الذين يشعرون باليتم، وليس السنّة.
إقرأ أيضاً: هل بدأ الحريري يتمرّد على قرار عزوفه؟
لا يمكن للسُنّة أن يفكّروا في المقاطعة. ولا أن يقارنوا تجربتهم وحضورهم بأيّ جهة أو تجربة أخرى. فالسُنّة هم الدولة، وتلك معادلة مثبتة تاريخيّاً. حتّى في عزّ الحروب الأهليّة وانتشار خيارات الإدارات المدنيّة في المناطق وبين الأحزاب، ظلّ خيار السُنّة في لبنان هو الدولة. تلك الدولة التي أُعيد بناؤها وإحياء مؤسّساتها مع رفيق الحريري وحقبة الطائف، ويجري الآن هدمها. وهم الأكثر ترشيحاً للمشاركة في عملية إعادة بنائها وإعمارها.