انقضت منذ أسبوع تقريباً السنة الأولى من عهد رئيس الولايات المتحدة الأميركية السادس والأربعين جو بايدن، الملتزم دينياً، والكاثوليكي الثاني، بعد جون كينيدي، الذي يتولّى رئاسة أميركا.
كانت سنة مفصليّة في انطلاقة العهد البايدني الديمقراطي الذي يُنتظَر منه الكثير. فتسليط الضوء على سنة انطلاق العهد أمر ضروري من أجل رصد تطوّر نهج الولايات المتحدة الأميركية وتبدّل أسلوبها إزاء العديد من الأزمات السياسية الرئيسية والقضايا الدولية الملحّة، وخصوصاً الاتفاقات المستجدّة المعوَّل عليها، مثل الاتفاق النووي، والقضايا المتعلّقة بالشرق الأوسط مثل الحرب في اليمن، المرحلة الانتقالية السورية، والوضع العراقي، والأزمة اللبنانية. فكيف ستتصرّف هذه الإدارة إزاء هذه المسائل العالقة مع اعتمادها سياسة الخفاء الناعمة و”الكوريدور”؟
انقضت منذ أسبوع تقريباً السنة الأولى من عهد رئيس الولايات المتحدة الأميركية السادس والأربعين جو بايدن، الملتزم دينياً، والكاثوليكي الثاني، بعد جون كينيدي، الذي يتولّى رئاسة أميركا
– ما الذي تغيّر بعد مرور عام على رئاسته؟
– ما هي استراتيجيّته وأيّ تقاطع للمصالح يتّبع؟
– ألا يزال الديموقراطيون منسجمين مع خيارهم الانتخابي؟
– ألا يزال الشرق الأوسط أولويّة أميركية؟
لقد ظهر بوضوح التحوّل الجزئيّ للرئيس بايدن، والمرتكز على تكريسه اتّجاهاً جديداً مخالفاً لسلفه الجمهوري دونالد ترامب في ما يتعلّق بسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. بات واضحاً أنّ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يقعان في أدنى سلّم أولويّات الرئيس الأميركي الحالي وسياسته الخارجية، في مقابل تزايد اهتمامه بالمحور الآسيوي والتنّين الصيني.
العراق: تصعيد إيراني
انحرف نهج بايدن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العديد من الوقائع، وتبدّلت جهوده السياسية الخارجية، وانفتحت على سيناريوهات أخرى مختلفة. فقد قَلَب بشكل جذري نهج سلفه المتمثّل في “الضغط الأقصى” وفي اتّباع ما يسمّى سياسة الحوار الحذر تجاه إيران، فتبنّى مقاربة أقلّ تصادميّة معها. إذ تجري حاليّاً محادثات ولو بطيئة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني في فيينا، وهو الذي قد تعهّد سابقاً بتقديمه طريقاً موثوقاً للعودة إلى الدبلوماسية.
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يقعان في أدنى سلّم أولويّات الرئيس الأميركي الحالي وسياسته الخارجية، في مقابل تزايد اهتمامه بالمحور الآسيوي والتنّين الصيني
ساهم هذا الاختيار، بحسب البيت الأبيض، في استقرار العراق إلى حدٍّ ما في الأشهر السابقة، وإجراء الاستحقاق النيابي المفاجئ بنتائجه للجهة الإيرانية، ما أجبر إيران على الضغط من جديد، خصوصاً بعد تصريح زعيم المعسكر المنتصر نيابياً، مقتدى الصدر، بأنّ الحكومة العراقية ستكون “حكومة أغلبيّة”. صعّدت طهران ردّاً على محاولات استبعاد حلفائهم عن تشكيل الحكومة، على مختلف الجبهات العربية حيث لها أذرع، من اليمن إلى العراق وسوريا، وصولاً إلى التصعيد السياسي والكلاميّ في لبنان. واستفاد الجانب الإيراني من إخفاقات بايدن وخطّته المرحلية في تقليل المشاركة الأميركية في المنطقة من أجل إطباق كمّاشته على أرض الواقع. باتت الإدارة الأميركية الجديدة، على الأقلّ في السياسة الخارجية، غير متّزنة إلّا بالتصريحات الرنّانة وتفتقر إلى استراتيجية واضحة.
توازن مع إسرائيل
من ناحية أخرى، يحاول الرئيس الديمقراطي اتّباع نهج أكثر توازناً اتّجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فقد أشار إلى أنّ إنهاء هذا الصراع هو من ركائز السياسة الأميركية في الشرق الأوسط على الرغم من مقعده الخلفي فيها.
لكن لا تزال العلاقات الأميركية مع إسرائيل ومصر إيجابية، ولا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بشدّة بأمن دول الخليج، لكنّ رئيسها يشعر بالقلق المتزايد من العلاقات المتنامية بين شركائها في مجلس التعاون الخليجي والصين، إلى جانب تراجع الإنجازات الملموسة في اليمن وعدم تقدّم الحلّ في هذا الملفّ.
أمّا بالنسبة إلى تركيا فالعلاقات متوتّرة بسبب الاحتكاكات العديدة التي أضرّت بعلاقاتهما الثنائية، ولا سيّما شراء تركيا نظام الصواريخ الروسي S-400. ومع ذلك يشترك الطرفان في المصلحة بأن تكون بينهما قنوات حوار مناسبة في ضوء الدور الحاسم لأنقرة، الشريك الاستراتيجي في حلف شمال الأطلسي، في الشرق الأوسط وفي مكافحة الإرهاب وإدارة ملفّ اللاجئين. لذلك اتّسمت السنة بالضياع والإخفاقات وعدم تحقيق الجديد، بل على العكس كانت المكاسب من حصّة إيران.
الحوار مع إيران “وقت ضائع”
تلعب إيران على عامل الوقت في مباحثات فيينا، وتستفيد من مجرياتها بتحصين ذاتها من خلال أوراقها الداخلية والخارجية. في المقابل، لا تزال أميركا ضعيفة في هذا الملفّ.
فشلت الولايات المتحدة وإيران في الاتفاق على طريقة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. ويتّخذ فريق التفاوض الإيراني الجديد حاليّاً موقفاً أكثر صرامة، منتهزاً الفرصة. إذ إنّ الوقائع تعمل لمصلحته، خصوصاً التخبّط الدولي والتبدّلات اللوجستية. فسيطرته توسّعت على الأرض، بسيطرته على أربع مدن عربية. ويطالب بأنواع من الضمانات لا يستطيع النظام السياسي الأميركي توفيرها.
إقرأ أيضاً: جو بايدن.. يساريّ مزيّف يُطلق النار على قدمه
من غير الواضح ما إذا كان يمكن إنقاذ هذه الصفقة السرابيّة. وحتى لو كان بالإمكان فإنّ العلاقات الأميركية الإيرانية غير سويّة بسبب خلافات كبيرة في مجموعة من القضايا الأمنيّة والإقليمية الأخرى. ويبدو أنّ الاتجاه الإيجابي الوحيد المحتمل، أي “مصالحة” إيران مع جيرانها، غير وارد أيضاً. خصوصاً بسبب تصعيدها الأخير. فالعنف في اليمن ومن الحوثيين خطر جدّاً مع امتداده واستمرار ضربات الحوثيين وهجمات طائراتهم ومسيَّراتهم الأخيرة على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
أيضاً يقف العراق على فوهة بركان. ولبنان على مفترق طرق. وتعتمد إيران بشكل كبير على الصين وروسيا للبقاء على قيد الحياة والتخفيف من وطأة العقوبات. ولا يوجد عند أيّ من هذين البلدين أيّ مزاج لتسهيل شؤون إيران في المنطقة بمواجهة أميركا أو حلفائها الأوروبيين إلا ضمن شروطهما طبعاً.
غداً في الحلقة الثانية: أميركا والعرب