دونا أبو ناصر (Donna Abu-Nasr)
تخرّجت بشهادة في هندسة الديكور، وتوجّهت فوراً إلى الرقص. هي “الراقصة المهندسة”، كما تُعرَف في الأوساط الفنية بالقاهرة. هي المولودة في سنغافورة، تخلّت ليس فقط عن الهندسة، بل أيضاً عن “الباليه”، وقرّرت أن تكون مخلصة لتراث مصريّ عتيق، هو الرقص الشرقي، على اعتبار أنّ مصر هي “الوطن الروحي للرقص الشرقي، الذي تعود جذوره إلى عصور سحيقة”، بحسب قولها.
في عام 2015 قرّرت إيمي سلطان، أن تتفرّغ للرقص الشرقي، المصري روحاً وتاريخاً، وأن تدخله “ضمن تصنيفات التراث الشعبي غير المادّي، في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونسكو”، ليتمّ الاعتراف به تراثاً “مصريّاً أصيلاً” على مستوى العالم.
هو جزء من مشروع أرادت عنوانه “الحفاظ على الفنون المسرحية وتوثيقها وإحياؤها”، تقول. فأنشأت شركة Tarab Collective، وأنتجت مجموعة لوحاتٍ تكريماً لـ”العصر الذهبي للسينما المصرية”، الذي شهد بروز مغنّيات الرقص بين عامي 1940 و1960. (شارك في اللوحات 12 فناناً، وعُرِضت للمرّة الأولى في ختام مهرجان الجونة السينمائي في تشرين الأول 2021).أما المشروع الأكبر للشركة فهو إنشاء معهد لتعليم الرقص، وتسجيله لدى اليونسكو بصفته “تراثاً غير مادّي”، وتغيير اسمه في اليونسكو من الفرنسية danse du ventre إلى “الرقص المصري”.
مشروع “إيمي” هو جزء من ورشة كبيرة تشهدها مصر، للاستفادة من تراثها الثقافي وإعادة إحيائه كجزء من أكبر تحوّل يحصل في القاهرة منذ عقود
الطريف أنّ مسؤولين حكوميين شجّعوا “إيمي”. تروي أنّها حين عرضت المشروع: “لاحظتُ آثار صدمة على وجوه بعضهم. لكن بعد ذلك استمعوا إليّ وتأكّدوا من جديّة المشروع. بالطبع لم يوافقوا على الفور… لكن هذا هو تراثنا الذي نُظهِر بها هويّتنا الثقافية للعالم، تماماً كما نعرّف إسبانيا برقصة الفلامنكو”.
ورشة مصرية كبيرة
مشروع “إيمي” هو جزء من ورشة كبيرة تشهدها مصر، للاستفادة من تراثها الثقافي وإعادة إحيائه كجزء من أكبر تحوّل يحصل في القاهرة منذ عقود. فالموضة اليوم في بلاد النيل هي “العودة إلى الجذور”. وهو مشروع يمتدّ إلى كل المجالات. ولعلّ أبرز تجلّياته هو نقل 22 مومياء ملكية من المتحف المصري بميدان التحرير إلى متحف الحضارة شرقي العاصمة القاهرة في نيسان الماضي. وقد تمّ بثّ المشهد، الذي كلّف ملايين الدولارات، مباشرةً على هواء التلفزيون الحكومي، وشاهده مئات الملايين حول العالم، بعيون مفتوحة ومنبهرة.
كذلك هناك اللوحات الفخمة لعروض المتاحف الجديدة، والحرفيون الذين يدمجون الأحرف القديمة في الأثاث الحديث، والمصمّمون الذين يبيعون المجوهرات والحقائب والأحذية المصنوعة يدوياً عبر الإنترنت، وصولاً إلى إعادة ترميم المباني القديمة لإعادة إحياء الهويّة المصرية”.
وترى إيمي أنّ “هناك تداخلاً كبيراً في طريقة الترميم الثقافي التي تشهدها مباني القاهرة، بالإضافة إلى هذا الترميم الذي أعمل عليه في الرقص المصري، وذلك ببساطة لأنّ كلّ ثقافة لها أشكالها التعبيرية التي تشتهر بها”.
معارض تراثية
وبالانتقال إلى الفنّ الحديث، أقامت مجموعة Art d’Egypte سلسلة معارض في مواقع التراث التقليدية، مثل الأهرامات في وسط المدينة، سعياً إلى بناء جسر يوصل بين الماضي والمستقبل… أمّا الوزارات والمؤسّسات الحكومية فستنتقل إلى العاصمة الإدارية الجديدة (الحيّ الحكومي)، وستحمل طرازاً معمارياً موحّداً، وتتكوّن من 36 مبنى، وذلك على أمل تخفيف الازدحام المروري في المدينة التي يبلغ عدد سكّانها 20 مليون نسمة.
في الوقت نفسه، شهدت بعض أجزاء المدينة ترميماً واسعاً، في محاولة لاستعادة المزيد من سوق السياحة، الذي ضربته احتجاجات الربيع العربي في عام 2011، ثمّ جائحة كورونا في نهاية 2019.
“القاهرة الخديويّة” هي إحدى تلك المناطق في وسط القاهرة التي يجري ترميمها. وقد مرّ على إنشائها أكثر من 150 عاماً. والخديوي المقصود هو الخديوي إسماعيل، خامس حكّام مصر من سلالة محمد علي الكبير. ويخطّط صندوق الثروة السيادية للبلاد لإعادة تطوير مبنى “المجمّع الحكومي” الذي بُنيَ منتصف القرن الماضي في “ميدان التحرير”، من حيث انطلقت “الثورة المصرية” قبل 11 عاماً.. وسيتحوّل إلى مركز لمنشآت ثقافية، بكلفة ترميم زادت عن 3.5 مليارات جنيه مصري (223 مليون دولار).
دور رجال الأعمال في الترميم
عمل على ترميم هذا الجزء من المدينة منذ سنوات، أحدُ رجال الأعمال، كريم الشافعي (48 عاماً)، مؤسّس شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري ورئيس مجلس إدارتها، إلى جانب شريكه علاء الدين سابا. وهما يسعيان إلى جعل وسط المدينة مركزاً يعكس الهويّة المصرية ليكون نقطة التقاء القاهريّين من جميع مناحي الحياة، ومنصّة للابتكار والإبداع.
إقرأ أيضاً: دراسة مصرية: فيينّا ستنجح… وستقوّي إيران
وقال الشافعي إنّ شركته “تستثمر مئات الملايين من الجنيهات لترميم 25 مبنىً في وسط القاهرة”. وأضاف: “لا يوجد مكان في القاهرة يمكن للسائحين الذهاب إليه وتجربة أسلوب الحياة المصرية المعاصرة، على عكس العديد من المدن الأخرى مثل بيروت وإسطنبول وباريس ونيويورك. أمّا اليوم فهناك جزء كبير من السياحة يهدف إلى تجربة أسلوب حياة بلد في شكله الحديث، أي تجربة المأكولات التي يشتهر بها البلد، والطريقة التي يعيش بها الناس، وفولكلور لباسهم”.
لقراءة النصّ الأصلي اضغط هنا