إيران: عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء

مدة القراءة 6 د

تحاول إيران وحلفاؤها إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لا تريد طهران الخروج سياسياً من لحظة 2015، عندما أُقرّ الاتفاق النووي. لا تزال تعيش في جلباب باراك أوباما الذي لم يرَ غير إنجاز ذلك الاتفاق مع طهران بغضّ النظر عن تداعياته السياسية والجيوستراتيجية على المنطقة. فكانت نتيجة سياسة أوباما كارثيّة على منطقة الشرق الأوسط، وأسهمت في إعطاء إيران نفوذاً واسعاً.

مَن يتابع مسار السياسة الإيرانية التي يلتزم بها الحلفاء يرى كيف أنّ التكتيك السياسي بالنسبة إلى طهران لا يختلف بين حقبة وأخرى. وهي اعتادت أن تتفاوض وهي تضرب على أيدي من تفاوضهم. وفي لحظات التفاوض الأخيرة ها هي تحاول تحقيق توازنٍ ما في اليمن، حيث تعاني من تقهقر، وفي بيروت، حيث تعاني من أزمة، وفي العراق، حيث هزمت انتخابياً، وفي سوريا، حيث تلهث تَعِبَةً من القصف الإسرائيلي بالتنسيق مع الروس. ولذلك لا تزال تركّز على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

مَن يتابع مسار السياسة الإيرانية التي يلتزم بها الحلفاء يرى كيف أنّ التكتيك السياسي بالنسبة إلى طهران لا يختلف بين حقبة وأخرى

يمكن قراءة هذه المحاولة من نقاط متعدّدة:

1 – في لبنان: تستخدم طهران التكتيك نفسه الذي اعتمدته منذ العام 2005، وهو تخويف اللبنانيين من مشاريع “إرهابية” عبر صناعة واختراع العدوّ، وتنفيذ عمليات ضغط سياسي أو أمني أو عسكري لتحقيق أهدافها السياسية. ولا يزال هذا التكتيك قائماً حتى اليوم.

2 – في سوريا: تعتمد طهران سياسة الأرض المحروقة، مدّعية مواجهة التنظيمات الإرهابية، فيما الهدف الاستراتيجي هو إخلاء سوريا من أبنائها ودعم نظام بشار الأسد، بعد أكبر عملية تطهير طائفي ومذهبي وبشري، هدفها إرضاء إسرائيل وحدها. فإسرائيل هي الدولة العنصرية التي يرتكز مشروعها الاستراتيجي على تفتيت المجتمعات المتنوّعة. في الوقت نفسه، تعمل طهران على ابتزاز تل أبيب في سبيل الضغط على واشنطن وتحسين شروطها السياسية من خلال ضغط عسكري أو أمني أو إعلامي.

3 – في اليمن: ممارسة أقصى أنواع الضغط الشعبي والعسكري والسياسي في أكثر من منطقة، كما حصل في اليمن بين العامين 2013 و2014، وصولاً إلى العام 2015 لحظة إقرار الاتفاق النووي، فحينذاك نقلت إيران المعركة بحيث تهدّد الأمن القومي السعودي والخليجي، في محاولة منها لإشغال دول الخليج عن مواكبة الملفّات الإقليمية والاهتمام باليمن فقط.

4 – في العراق: محاولة ضرب العملية الديمقراطية، كما اعتادت إيران أن تفعل حيث تخسر في الانتخابات. فحين ربحات في 2018 مجلسي النواب في بيروت وبغداد، حكَمَت. واليوم خسرت في بلاد الرافدين، وها هي تستخدم التفجيرات والاغتيالات، في محاولة لمنع التيار الصدري والبرزاني من الحكم.

ماذا عن الخليج؟

لا تزال إيران تلعب ضمن هذه المساحات، حاصدةً ما تعتبره تقدّماً سياسياً من شأنه أن يعيد إحياء الملفّ النووي حالياً، فيما تحصد الدول التي تتقدّم فيها إيران الخرابَ والدمارَ الاقتصاديّيْن.

من جهتها، تجد دول الخليج نفسها منهمكة في مشاريع استراتيجيّة ورؤى اقتصادية واستثمارية لعقود مقبلة، ولذلك يتراجع لديها منسوب الاهتمام بالسياسة الخارجية وبالملفّات الإقليمية. فأبناء الدول العربية بين خيارين: إمّا الركون إلى ما تكرّسه الممارسات الإيرانية، أو الانتفاض عليها للالتحاق بركب مشاريع الاستثمار والتطوير.

ذلك الازدهار الذي تعيشه دول الخليج، تلجأ إيران إلى استهدافه، وتوجيه ضربات له، وفي ذلك غلّ تاريخي على العرب، وغيظ ممّا تحقّقه تلك الدول. أمّا الهدف فهو استدراج العروض الخليجية أو العربية أو ممارسة ضغوط في سبيل تحسين شروط الاتفاق النووي. وعلى الرغم من كلّ الإشارات الإيجابية التي يتمّ تسريبها عن احتمال تحسّن العلاقات السعودية الإيرانية، إلا أنّ ذلك لا يعني الوصول إلى اتفاق أو تسوية في المنطقة. ستبقى المواجهة مفتوحة، وميادينها متنوّعة، وتمتدّ من اليمن إلى سوريا والعراق ولبنان.

تحاول إيران السير في لبنان بشكل يتعاكس مع رياح الوضع في الإقليم، لأنّ أيّ اتفاق نووي بين طهران وواشنطن لن يمرّ بدون مراعاة قوى متعدّدة، أولاها إسرائيل، وثانيتها دول الخليج العربي

“دعشنة” في لبنان

تعمل إيران في لبنان على إعادة إنتاج “داعش المتخيَّلة” في بعض المناطق السنّيّة، والأهداف واضحة:

أوّلاً، العودة إلى لحظة 2015. إذ تعتبر طهران أنّها حقّقت الاتفاق النووي بناءً على “التعاون” مع الأميركيين في محاربة الإرهاب.

ثانياً، هناك أهداف لبنانية محضة، من بينها إعادة تحشيد الجوّ المسيحي العامّ خلف حزب الله الذي يقاتل الإرهاب، والعودة إلى سيناريو تخويف المسيحيين ووضعهم في جلباب الحزب مجدّداً ما لن يحصل.

ثالثاً، ضرب السنّة من خلال ضرب حواضرهم وحصارهم أكثر فأكثر بواسطة اختراع هذا الوحش، الذي يفرض على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ووزير داخليّته أيضاً الكشف عن ملابسات تهريب الشبّان إلى العراق للالتحاق بداعش، والكشف عن طرق التهريب وآليّته. والجدير ذكره أنّه لم يتمّ إرسال هؤلاء الشبان إلى العراق إلا ليعودوا لاحقاً إلى لبنان بعد نصب فخاخ لهم وادّعاء مقاتلة داعش. وقد يكون لذلك أهداف متعدّدة، من بينها ضرب الاستحقاق الانتخابي أو تحشيد الشيعة والمسيحيين على رأي انتخابي واحد لكي يتكاملا مجدّداً ويحسّنا الوضعين السياسي والشعبي للحزب والتيار الوطني الحرّ.

الحكومة… كسلاح

لا تنفصل هذه التطوّرات عن قرار حزب الله بالعودة إلى مجلس الوزراء. وهي عودة ستكون غايتها، بعد محاولة تحقيق مطلب تجميد عمل القاضي طارق البيطار ووقفه عن التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، شعبوية تتعلّق بضرب مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإعلاء الشعارات الشعبوية في رفض الإجراءات المالية والاقتصادية القاسية التي يُفترض أن تقرّها الحكومة.

تحاول إيران السير في لبنان بشكل يتعاكس مع رياح الوضع في الإقليم، لأنّ أيّ اتفاق نووي بين طهران وواشنطن لن يمرّ بدون مراعاة قوى متعدّدة، أولاها إسرائيل، وثانيتها دول الخليج العربي، مع إعادة إحياء مفهوم التوازن الاستراتيجي في المنطقة. إذ يبقى الهدف الأساسي لأميركا في الشرق الأوسط ضمان أمن واستقرار إسرائيل، وهذا لا بدّ له أن يمرّ في لبنان من خلال ترسيم الحدود وضبطها. وأيّ خلل بتلك القواعد قد يدفع بالإسرائيليين إلى التصعيد ولو بعيداً عن الأميركيين، لأنّ ثمّة خطوطاً حمر لا يمكن لتل أبيب أن تسكت عن تجاوزها.

أمّا بالنسبة إلى دول الخليج، فخيار استعادة التوازن الاستراتيجي لا بديل عنه. هذا التوازن له أبعاد استراتيجية وطاقوية أيضاً، ولذلك تمتلك مصر دوراً أساسيّاً في هذا المجال، بالارتكاز إلى مساهمتها الكبيرة في إنشاء التحالفات العربية النفطية، التي بدأت بالاتفاق مع العراق والأردن، وأخيراً مع لبنان، وذلك بالتكامل مع دول الخليج.

إقرأ أيضاً: دراسة مصرية: فيينّا ستنجح… وستقوّي إيران

سيقود ذلك إلى معادلة من اثنتين:

– إمّا إقرار الاتفاق النووي الذي ستكون بموجبه إيران منضبطةً، وإسرائيل آمنةً ومستقرّةً، والعرب في حالة توازن.

– وإمّا عدم إبرام الاتفاق فتزداد مؤشّرات الانفجار أكثر فأكثر، بغضّ النظر عن الإدارة الأميركية القائمة أو عن سقوط الاتفاق في الكونغرس. وفي هذه المرّة أيّ انفجار ستشتعل نيرانه في كلّ المنطقة؟

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…