طنطورة: إسرائيلي يعيد الاعتبار لضحايا “النكبة”

مدة القراءة 5 د

في عام 1948، احتلّت عصابات “الهاغاناه” الصهيونية قرية الصيّادين الجميلة “الطنطورة”، وارتكبت مجزرة راح ضحيّتها 230 شهيداً، وعُرفت باسم “مجزرة الطنطورة”، وقد أجبرت العصابات العشرات من سكّانها على حفر خنادق بطول 35 متراً وعرض 4 أمتار، قبل أن تطلق النيران عليهم وتدفنهم في تلك الخنادق التي حفرها بأيديهم.

لاحقاً جرف الصهاينة المقبرة وبُنوا فوقها موقفاً للسيارات لإخفاء معالم الجريمة الجماعية.

على أطلال الطنطورة المدمّرة أُقيم نصب تذكاري لقتلى لواء ألكسندروني الذي احتلّ الطنطورة. هكذا يُمجَّد القتلة، ويُمحى الضحايا.

تقع قرية الطنطورة شمال قيسارية على ساحل البحر المتوسط، وتميّز موقعها باعتباره ممرّاً إلى حيفا. وكانت توجد فيها محطة قطار للخطّ الساحلي، قبل أن تقوم المنظمات الصهيونية المسلّحة بهدم القرية، وتشريد أهلها، وإقامة كيبوتس “نحشوليم” ومستوطنة “موشاف دور” على أراضيها.

على أطلال الطنطورة المدمّرة أُقيم نصب تذكاري لقتلى لواء ألكسندروني الذي احتلّ الطنطورة. هكذا يُمجَّد القتلة، ويُمحى الضحايا

من كشف المستور؟

المرّة الأولى التي خرج حديث إسرائيلي عن مجزرة جماعية اُرتُكبت بحقّ أسرى فلسطينيين كان قبل ربع قرن.

“البطل التراجيدي” للقصّة هو تيدي كاتس: طالب دراسات عليا إسرائيلي في قسم التاريخ بجامعة حيفا. قبل 22 عاماً أثارت أطروحته للماجستير، التي تضمّنت شهادات شفوية عن الفظائع التي ارتكبها “لواء ألكسندروني” ضدّ أسرى الحرب الفلسطينيين إبّان النكبة في قرية الطنطورة، جدلاً واسعاً في تل أبيب. وفي نهاية المطاف دفعت دعوى تشهير ضدّ كاتس رفعها قدامى المحاربين في اللواء إلى تراجعه عن روايته للمذبحة، ونشر بيان استسلام واعتذار.

 المحاكم الإسرائيلية والمؤرّخون وعجائز المقاتلين، كلّ هؤلاء اجتمعوا قبل نحو ربع قرن لإسكات كلّ محاولة للبحث في جرائم الحرب التي اُرتُكبت في عام 1948.

اعتقدت تل أبيب أنّها انتصرت في معركة الرواية والذاكرة. لكنّ عرض فيلم “طنطورة” الوثائقي للمخرج الإسرائيلي ألون شفارتس، في مهرجان ساندرس في الولايات المتحدة قبل أيام، وحصوله على العديد من الجوائز، قَلَب السحر على الساحر. فالفيلم يعيد تأكيد الشهادات التي جمعها كاتس في أطروحته. ووصف المؤرّخ والباحث في معهد “عكيفوت” لدراسة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، آدم راز، الفيلم الوثائقي بأنّه “يقلب الصورة التي رسخت لدى الجمهور الإسرائيلي في أعقاب دعوى القذف والتشهير واعتذار كاتس”. وأضاف راز أنّه “على الرغم من أنّ المقاتلين (من لواء ألكسندروني) أدلوا بشهاداتهم في جمل مجتزأة وشظايا إفادات، فإنّ الصورة الشاملة كانت واضحة: جنود اللواء ارتكبوا مجزرة بحقّ رجال عُزّل بعد المعركة”.

المحاكم الإسرائيلية والمؤرّخون وعجائز المقاتلين، كلّ هؤلاء اجتمعوا قبل نحو ربع قرن لإسكات كلّ محاولة للبحث في جرائم الحرب التي اُرتُكبت في عام 1948

اعتراف المجرمين

في الفيلم الجديد “طنطورة”، يُدين المخرج ألون شفارتس كلّ شيء، فهو يدين المؤسّستين الأكاديمية والقضائية، التي سحقت المؤرّخ تيدي كاتس. وفعل شفارتس ما رفضت المحكمة عمله قبل ربع قرن، فاستمع إلى أشرطة المقاتلين التي وثّقها كاتس، والتقاهم كي يسمع أقوالهم بنفسه. وبحسب صحيفة “هآرتس”، كان من المدهش رؤية آخر الشهود اليهود، وهم في العقد التاسع من أعمارهم، يعترفون في النهاية بارتكاب المذبحة.

اعترف جنود في العقد التاسع بمشاركتهم في المذبحة المروّعة. يقول الجندي حاييم ليفين في شهادته إنّ “أحد الجنود توجّه إلى مجموعة مكوّنة من 15 إلى 20 أسيراً وقتلهم جميعاً”. وأشار جندي آخر إلى أسلوب القتل بالبراميل: لقد أدخلوهم في براميل وأطلقوا النار على البراميل. أذكر الدماء كانت تنساب من الفتحات التي أحدثها الرصاص في البراميل.

ويعترف الجندي المسنّ ديامانت بأنّ سكّان القرية قتلتهم “وحوش بشرية” بإطلاق النار عليهم من مدفع رشّاش في نهاية المعركة. وأضاف أنّه عندما رُفِعت الدعوى ضدّ كاتس، زعم جنود ألكسندروني أنّه لم يحدث شيء غير عادي بعد احتلال القرية.

صورة فلسطين

قدَّم فيلم “طنطورة”، المبني على اعترافات إسرائيلية مُفجِعة وشهادات فلسطينية، صورة مصغّرة عن فلسطين ونكبتها. فما حدث في الطنطورة هو إحدى حلقات التطهير العرقي الذي تعرّض له الشعب الفلسطيني منذ ما قبل النكبة، وأسفر عن تدمير 530 قرية وتهجير مواطنيها.

يصبّ الفيلم الماء على طاحونة الرواية التاريخية الفلسطينية، وفي نهايته يقول المخرج: “لا يمكن أن تتمّ مصالحة بين الجانبين بدون اعتراف رسمي من إسرائيل بمسؤوليّتها عن فظائعها المروّعة بحقّ الشعب الفلسطيني في نكبة 1948”.

لكنّ إسرائيل لا تعترف بالمذابح التي ارتكبتها في عام 1948 بحقّ الفلسطينيين العزّل، ولا بالتطهير العرقي، ولا بنكبة اللاجئين. فالقتل عندها مُبرَّر بغايات محاربة الإرهاب، وقتل الأطفال أيضاً له ما يبرّره، فهم إمّا ضحايا حرب أو قُتلوا بعد استخدامهم دروعاً بشرية من قبل أعدائها كما يحدث في غزّة.

إقرأ أيضاً: تشجير النقب… سلاح ناعم للترحيل

يقرّ المخرج الإسرائيلي ألون شفارتس بأنّ فيلمه الجديد “طنطورة” سيثير جدلاً كبيراً، لكنّه يؤكّد أنّ الإسرائيليين يجب أن “يفهموا تاريخهم”.

أمّا صحيفة “هآرتس” فتعلّق: “شاهدوا “طنطورة” وانظروا إلى منكري النكبة بكلّ بؤسهم. شاهدوا “طنطورة” وانظروا إلى ما حدث في عام 1948″.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…