“ينعقد مجلس الوزراء أو لا ينعقد” ليست تلك القضيّة المهمّة والمحورية في بلد مثل لبنان بات مستقبله على كفّ عفريت. يحاول الثنائي الشيعي، الذي يُختزل بالحزب صاحب الكلمة الأولى والأخيرة داخل هذا الثنائي، الظهور في مظهر الحريص على مصلحة اللبنانيين ورفع مسؤوليّته عن “التعطيل”….
لن تمرّ مناورات الحزب على أحد. يعرف اللبنانيون أنّ الحزب أخذ بلدهم إلى مكان آخر. التغيير الذي حصل كبير إلى درجة أنّ لبنان لم تعد له علاقة بلبنان الذي عرفناه. لم يعد البلد يشبه اللبنانيين، بأكثريّتهم الساحقة، في شيء بعدما تحوّل إلى جرم يدور في الفلك الإيراني. لم يعد لبنان يشبه سوى صنعاء ومناطق في شمال اليمن يحكمها الحوثيون منذ أيلول 2014… أو قطاع غزّة الذي تحكمه حركة “حماس” منذ منتصف العام 2007.
لن تمرّ مناورات الحزب على أحد. يعرف اللبنانيون أنّ الحزب أخذ بلدهم إلى مكان آخر. التغيير الذي حصل كبير إلى درجة أنّ لبنان لم تعد له علاقة بلبنان الذي عرفناه
على الرغم من كلّ الجهود التي يبذلها الرئيس نجيب ميقاتي، الذي عليه القتال على جبهات عدّة، وعلى الرغم من كلّ الخبرة المحلّية والدوليّة التي يمتلكها من خلال تجربته في الحياة، يبقى أنّه سيكتشف عاجلاً أم آجلاً أن ليس في استطاعته القيام بأيّ إصلاحات، وذلك مهما كان مرناً، إلى حدّ التساهل غير المقبول، في بعض الأحيان. من دون تنفيذ الإصلاحات، وهو أمر مستحيل، لا وجود لمن يريد التفكير في مصير لبنان ومستقبل مواطنيه.
ليس سرّاً أنّ الإصلاحات مطلوبة من المجتمع الدولي ومن كلّ من يريد بالفعل مساعدة لبنان، خصوصاً من صندوق النقد الدولي. لماذا لبنان عاجز عن القيام بأيّ إصلاحات؟.
يعود ذلك إلى سبب واضح كلّ الوضوح. يتمثّل هذا السبب في أنّ الشرط الأوّل للإصلاحات هو وجود دولة مركزيّة قويّة تسيطر سيطرة كلّيّة على المطار والمرافئ وما يدخل ويخرج منهما وعبر الحدود البرّيّة مع سوريا. ثمّة حاجة، أيضاً، إلى دولة قادرة على اتّخاذ قرار واضح في شأن ترسيم الحدود مع إسرائيل بعيداً عن المزايدات والكلام الفارغ كي يتمكّن لبنان من التعاطي جدّيّاً مع ملفّ الغاز في مياهه الإقليميّة.
الأهمّ من ذلك كلّه، ثمّة حاجة إلى دولة قويّة تستطيع إثبات أنّ لبنان ليس قاعدة صواريخ وغير صواريخ إيرانيّة أخرى في المنطقة. لبنان لا يستطيع، للأسف الشديد، أن يكون غير ممرٍّ للمخدِّرات التي تُصدّر إلى دول الخليج العربي. عاصمته لا تستطيع أن تكون سوى ثاني أهمّ مدينة في المنطقة بالنسبة إلى الحوثيين الذين يمتلكون في بيروت محطة فضائية ويدخلون إليها ويخرجون منها من دون حسيب أو رقيب. فوق ذلك كلّه، صار لبنان مركزاً لنشاط “معارضين” سعوديين وبحرينيين من سقط المتاع وضعوا أنفسهم في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني، من منطلق مذهبي.
راجعوا “المنار”
من يحتاج إلى دليل على ذلك، يستطيع العودة إلى تعليق الفضائية التابعة لـ”حزب الله” (قناة المنار) بعد العدوان الذي شنّه الحوثيون بطائرات مسيّرة وصواريخ إيرانيّة على دولة الإمارات العربيّة المتحدة. كان التعليق ممتلئاً بالحقد الإيراني على دولة عربيّة مسالمة لم تقدّم إلّا كلّ الخير إلى لبنان واللبنانيين الذين يعملون فيها بعشرات الآلاف، بكلّ كرامتهم، ويساعدون عائلاتهم الصامدة في لبنان. من يخرج بمثل هذا التعليق، المسيء إلى كلّ ما هو عربي في المنطقة، يرفض بالتأكيد توفير أيّ مساعدة للبنان واللبنانيين، بل يسعى إلى مزيد من الإفقار لهم ونشر البؤس في البلد…
ليس سرّاً أنّ الإصلاحات مطلوبة من المجتمع الدولي ومن كلّ من يريد بالفعل مساعدة لبنان، خصوصاً من صندوق النقد الدولي
بات لبنان بلداً لا يمكن إصلاحه، أقلّه في ظلّ موازين القوى الداخليّة والإقليميّة. اليد الواحدة لنجيب ميقاتي لا تستطيع أن تصفّق في بلد تعني فيه الإصلاحات البدء بضبط المطار والمرفأ والحدود مع سوريا أوّلاً، وخفض عدد العاملين في القطاع العام والعودة إلى الدستور. كيف يمكن العودة إلى دستور في بلد لا همّ للثنائي الرئاسي فيه سوى استرضاء “حزب الله” كي يحتل جبران باسيل مكان عمّه ميشال عون في قصر بعبدا. لا هاجس لدى ميشال عون سوى جبران باسيل ومستقبله، وذلك على الرغم من العقوبات الأميركيّة المفروضة عليه. كلّ ما تبقّى تفصيل وتظاهر بأنّ هناك استياءً عونيّاً من “حزب الله”. ما هو التيّار العوني في لبنان كي يكون لديه الحقّ في إبداء استيائه من الحزب الذي أوصل زعيمه، عبر تعطيل عمل المجلس النيابي، إلى قصر بعبدا في العام 2016؟
تظلّ الإصلاحات كلمة السرّ في لبنان العاجز… عن الإصلاحات. هذا واقع يدعو إلى التساؤل: ما مصير لبنان الذي يمرّ في أزمة ذات طابع وجودي مرتبطة بموقعه في المنطقة ومصيره كدولة مستقلّة؟ ثمّة ما هو أبعد من الإصلاحات التي باتت تشكّل مدخلاً إلى النظر إلى الأزمة اللبنانيّة من زاوية مختلفة كلّيّاً. إنّها زاوية تدعو إلى التساؤل: هل محكوم على لبنان البقاء، إلى ما لا نهاية، رهينة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” أم يعود في يوم من الأيّام دولة عربيّة مستقلّة بصفة كونه من مؤسّسي جامعة الدول العربيّة؟
إقرأ أيضاً: إيران وميليشياتها: استراحة المحارب أم سياساتٌ جديدة؟!
لا جواب عن مثل هذا السؤال، أقلّه في الوقت الراهن، وذلك على الرغم من وجود لبنانيين ما زالوا يمارسون المقاومة. هؤلاء يعرفون أنّ أزمة لبنان سياسيّة أوّلاً، وأنّ ما سيُطرح عاجلاً أم آجلاً هو قيام نظام جديد للبنان… هذا إذا تبيّن أنّ في الإمكان إعادة تجميعه وتركيبه وفق صيغة معيّنة قابلة للحياة بعيداً عن تلك التي يفرضها “حزب الله” ومن خلفه إيران تحت شعار “الموت للبنان”!.