لا نِصاب سياسيّاً لطاولة الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية ميشال عون قبيل أشهر قليلة من نهاية الولاية الرئاسية.
حتّى اللقاءات “بالمفرّق” التي يزمع رئيس الجمهورية القيام بها مطلع الأسبوع الحالي مع القيادات السياسية لن تغيّر في مسار الانسداد الكامل ليس فقط على مستوى الحوار، بل لجهة إمكانية اجتراح أيّ تسوية سياسية تفرمل الانزلاق الكارثي نحو عمق الهاوية.
لم يُفاجأ فريق العهد بالمواقف المقاطِعة للحوار بقدر ما قرأ في طيّاتها رهانات من قبل الرافضين والمتشكّكين في جدواه بأنّ ما بعد الانتخابات النيابية ستنشأ أكثريّة حاكمة جديدة تقود الحوار إلى مكان آخر تماماً يكون فيه فريق ميشال عون السياسي لاعباً و”مُحاوِراً” غير مؤثّر فحسب، وليس عرّاب الحوار وراعي مرحلة “ما بعد ميشال عون”.
يتوقّع مطّلعون، في حال إرسال الموازنة من وزارة المال إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء من دون أن يكون قد جرى التوافق بعد على استئناف أعمال الحكومة، أن يتكرّر سيناريو حكومة حسان دياب.
ربّما يكون حزب الله أوّل من قرأ هذه الرسالة، وقد أتى ضمن هذا السياق موقف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قبل أسابيع حين كشف عن عدم اهتمام الحزب بــ”معادلة الأكثرية والأقلية، ولا أعتقد أنّها ستكون معياراً كائناً من كان في الأكثرية وكائناً من كان في الأقلية في السنوات الأربع المقبلة”.
يستحضر فريق العهد موجة الرفض لدعوة عون للحوار عام 2004 عشيّة عودته إلى لبنان وخروج الجيش السوري منه، ثمّ التجاهل التامّ لدعوات الحوار ونتائجه خلال الولاية الرئاسية وصولاً إلى قطع الطريق على الحوار في أخطر أزمة مصيرية وكيانية يمرّ بها لبنان منذ التسعينيّات.
وعلى ما يبدو، ستتحوّل دعوة الحوار إلى “اقتتال” سياسي تحت قبّة البرلمان باعتباره الملعب الوحيد الشغّال في ظلّ الجمود القاتل المقصود على مستوى الحكومة، والرفض السياسي للمّ شمل المتخاصمين في قصر بعبدا، واستفحال الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية إلى حدّ تحوّل لبنان إلى بلد منكوب بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث.
يُذكّر قريبون من رئيس الجمهورية أنّه في رسالة المصارحة التي وجّهها عون في 27 كانون الأول الماضي إلى اللبنانيين ختم رسالته بعبارة “آمل أن لا اضطرّ إلى القول أكثر” بعد جردة حساب طويلة قام بها ضدّ “المنظومة” في متن الخطاب نفسه.
ويقول هؤلاء: “قد يكسر عون كلّ القواعد الرئاسية، ويجرؤ على التسمية وقول الأمور كما هي إذا استمرّ مشروع منعه من إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتعبيد الطريق أمام محاسبة من أوصل اللبنانيين إلى قعر الهاوية”.
حتى اللحظة، بعد توقيع رئيس الجمهورية مرسوم العقد الاستثنائي لمجلس النواب وتصدّي برّي لبرنامج عمله “المحدّد سلفاً” من قبل بعبدا، وسقوط خيار طاولة الحوار، ووضع الثنائي الشيعي ورقة ذهبية في جيبه لناحية تحصّن النواب الملاحقين من قبل المحقّق العدلي طارق البيطار بحصانة كاملة طوال العقد الاستثنائي موصولاً بالعقد العادي، أي حتى عشيّة الانتخابات النيابية… ليس على أجندة حركة أمل وحزب الله ما يشي بأيّ خطوة باتّجاه تفعيل عمل الحكومة حتى تحت بند الموازنة المطلوبة من صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي، إضافة إلى رزمة إصلاحات تمرّ حكماً عبر السراي.
على ما يبدو، ستتحوّل دعوة الحوار إلى “اقتتال” سياسي تحت قبّة البرلمان باعتباره الملعب الوحيد الشغّال في ظلّ الجمود القاتل
حتى رئيس الجمهورية لا يأخذ بكلام رئيس الحكومة بقرب دعوته إلى انعقاد الحكومة تحت شعار “فليتحمّل الجميع مسوؤليّاته”، ويذهب إلى حدّ اعتباره متواطئاً مع الفريق المعطِّل للحكومة.
ويتوقّع مطّلعون، في حال إرسال الموازنة من وزارة المال إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء من دون أن يكون قد جرى التوافق بعد على استئناف أعمال الحكومة، أن يتكرّر سيناريو حكومة حسان دياب.
فخلال فترة تصريف الأعمال رفض دياب انعقاد الحكومة، فكان البديل إرسال الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكيّة مشروع موازنة 2021 إلى الوزراء لوضع ملاحظاتهم عليها، وبعد قيام الوزراء بـ”فروضهم” أحال مكيّة مجدّداً مشروع الموازنة مع لائحة الملاحظات إلى وزير المال السابق غازي وزني ومجلس شورى الدولة.
وعلى الرغم من اعتراض وزني على هذا الحمل الثقيل باعتباره “شغل الوزارات ومش شغلتي”، عاد الأخير وأخذ بقسمٍ كبير من الملاحظات لتعود مجدّداً إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء التي أحالتها بدورها إلى مجلس النواب، وهناك نامت “نومة” أهل الكهف.
يُذكر أنّ مشروع موازنة 2021 أُعِدّ على أساس سعر صرف للدولار يبلغ 1507 ليرات، وهو سعر “مرّيخيّ” منفصل بالكامل عن الواقع، فيما موازنة 2022 غير الجاهزة بعد لم تتلمّس سعر الصرف الذي على أساسه ستثبّت أرقام الموازنة لناحية الأجور والرواتب والضريبة على القيمة المضافة والإيرادات والنفقات، إضافة إلى عدم حسم مسألة الدولار الجمركي. والموازنتان مدرجتان على جدول أعمال العقد الاستثنائي لمجلس النواب.
يقول مصدر مطّلع: “تحديد سعر الصرف الذي على أساسه ستُعدّ الموازنة قرار كبير جدّاً قد يكون بحجم خطة التعافي المالي. ولذلك يصعب فعلاً توقّع التوافق قريباً على هذه المسألة. وبالانتظار وزير المال مربك ونجيب ميقاتي يبيع حكي”.
إقرأ أيضاً: ماذا بين ميقاتي والثنائي الشيعي؟
أمّا لناحية فكرة انعقاد مجلس الوزراء فقد اختصر النائب آلان عون، في مقابلة تلفزيونية أمس، الواقع القائم بالقول: “موضوع طارق البيطار صار وراءنا، والثنائي الشيعي لم يعد يتوقّع شيئاً في هذا الموضوع الذي أصبح يحتاج إلى معالجة قضائية ودستورية”.