ميشال عون يلجأ إلى إسرائيل

مدة القراءة 5 د

الرئيس الذي أوصله سلاح حزب الله إلى بعبدا، بحسب التصريح العلنيّ للنائب السابق نوّاف الموسوي، تحت قبّة البرلمان، يغازل إسرائيل في نهاية عهده. هذا ما تكشفه آخر تطوّرات التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية للبنان. فبعد طول تمسّك بمّا يُسمّى الخطّ 29، لرسم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، واندفاعة رئيس الجمهورية لتسمية الخط 29 بخط ميشال عون، قرّر رئيس الجمهورية اعتماد الخط 23، ما حدا برئيس وفد المفاوضات غير المباشرة في ملفّ ترسيم الحدود مع إسرائيل، العميد الركن المتقاعد بسام ياسين إلى القول إنّ “إعلان لبنان أنّ خطّه التفاوضي هو الخطّ 23، يُعدّ خسارة منذ البدء، ونحن دفعنا كلّ شيء وببلاش، ونحن حقّقنا لإسرائيل ما تريده”!!.

أمّا التبريرات التي رافقت هذا التراجع فجاء أبرزها على لسان “نائب رئيس الجمهورية” جبران باسيل الذي اعتبر أنّ التهاون بالحدود البحرية مسألة بسيطة، حيث إنّ “هيدي مش حدود برّيّة، هيدي بالميّ”.

عبر مغازلة إسرائيل وتسليف الأميركيين، يأمل عون بلورة تفاهمات تفضي إلى التخلّص من ماروني آخر، مهما كانت فرصه في الوصول إلى بعبدا قليلة

أسباب كثيرة تجمّعت عن نقطة التنازل هذه أبرزها اثنان:

1-  في غروب عهده، الفارغ من أيّ إنجاز يُذكر، يريد عون أن يستخلص من مغازلة إسرائيل، إنجازاً نفطيّاً يرتبط باسمه وبعهده. فلن يكون بسيطاً، على أبواب انتخابات نيابية ورئاسية (فيما لو حصلتا)، أن يُقيّض له إنهاء الترسيم وإطلاق مشاريع الحفر الجدّيّة وأن يملأ الهواء بتصريحات واحتفاليّات عن افتتاح عصر الطاقة في لبنان. بهذا المعنى يخوض عون آخر معارك سمعته السياسية ويكتب آخر سطر في حكايته الرئاسية الأكثر اهتراءً في تاريخ الرئاسات اللبنانية.

2-  عبر “تحقيق ما تريده إسرائيل”، كما اتّهمه رئيس وفد التفاوض، وتولّي رجالات باسيل الترويج لصواب الخيار الرئاسي، يأمل عون أن يصيب عصفوراً آخر، هو تقديم أوراق اعتماد صهره للأميركيين، علّهم يرون فيه شريكاً عاقلاً وتسوويّاً، لا تمنعه علاقته الاستراتيجية بحزب الله من مغازلة إسرائيل وأخذ مصالحها بعين الاعتبار. عون وباسيل يعرفان تمام المعرفة أنّ العقوبات لأسباب تتعلّق بالفساد، هي ثمرة مسار قانوني معقّد لا قرار سياسي بسيط تمكن شقلبته بشطبة قلم. مثل هذا القرار لا يُؤخذ عبر مؤسسات القضاء الأميركي إلا وفق أدلّة موثّقة ومسار عدليّ دقيق. مع ذلك يأملان أن يفتح تكبير الهدايا السياسية، مثل مغازلة إسرائيل، أبواب التسويات السياسية، ولا سيّما أنّ واشنطن لم تنشر الأدلّة والمستندات بعد، بغية حماية الشهود، وربّما لإبقاء فرص التسوية حيّة.

غير بعيد عن هذه المعركة، افتتاح فصل جديد من فصول “حرب إلغاء” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فالرجل الآن هو أكثر المتهمين، وأقلّ المحميّين. لا تبدو الشهيّات السابقة لحمايته متوافرة اليوم، لا في الداخل ولا في الخارج، وما عاد ممكناً تسويقه كواحد من أعمدة المجتمع الدولي داخل النظام السياسي. فحجم النزف الذي أصاب سمعته لم يبقِ له الكثير للرهان عليه.

هنا أيضاً، عبر مغازلة إسرائيل وتسليف الأميركيين، يأمل عون بلورة تفاهمات تفضي إلى التخلّص من ماروني آخر، مهما كانت فرصه في الوصول إلى بعبدا قليلة. ولو قُيّض لعون إيصال حاكم من بطانته فسيكون ذلك نصراً على نصر. ولو أنّ هذا لن يحصل قبل الانتخابات النيابية.

وفيما يغازل عون إسرائيل وواشنطن بغية تمهيد الأرض أمام فرص أفضل لصهره، وسمعة أقلّ بهدلة لعهده، يتولّى حليفه، حزب الله، التصويب على ماروني آخر هو قائد الجيش، من بوّابة “خضوعه للأميركيين”. لا يسوء نصرالله إسداء حليفه ميشال عون خدمات لإسرائيل، بقدر ما تسوؤه خدمات واشنطن للجيش والجنرال جوزيف عون.

ففي مقابلة تلفزيونية لمناسبة الذكرى الـ43 للثورة الخمينيّة، قال حسن نصر الله إنّه “لا قواعد عسكرية أميركية في لبنان، لكنّ هناك حضوراً في المؤسسة العسكرية، وهناك ضبّاطاً أميركيين في اليرزة، والسفيرة الأميركية “لا تتعزّل” من هناك ولازقة بالجيش”، مضيفاً: “نحن أمام نفوذ أميركي سياسي وأمنيّ ومالي واقتصادي في لبنان، وكلّ مَن يتحدّث عن السيادة والاستقلال عليه أن يواجه هذا النفوذ المخرّب”.

لا أعرف ماذا حلّ على وجه التحديد بثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، لكن ما أعرفه أنّ نصرالله افتتح مساراً جديداً عنوانه تخوين الجيش اللبناني وقائده تحديداً، الذي يكاد يكون العنوان الوحيد السليم من عناوين ومرتكزات النظام السياسي اللبناني، بعد انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. فالطبقة السياسية مدانة بكاملها، والقضاء فشلت انتفاضته التي كان عنوانها القاضي طارق البيطار، وكلّ الأجسام القضائية التي ساندت حركته، والحكومة عاجزة والبرلمان في غيبوبة عارمة..

إقرأ أيضاً: لماذا أعلن “السيّد” الحرب على الجيش؟

لا أعرف أيّهما أسوأ.. أنّ الرئيس الذي أوصلته بندقية حزب الله يغازل إسرائيل، أم أنّ بندقية حزب الله “مطنشة” على غزل حليفها بإسرائيل..؟

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…