بعدما شغل فيروس كورونا العالم، يبدو أنّ الكوكب على موعد مع جائحة جديدة، أطلّت من أفريقيا، وتنتشر في أوروبا، وليس بعيداً أن تصل إلى بلادنا خلال الأسابيع المقبلة.
فما هو “جدري القرود” الذي يواصل انتشاره في أنحاء مختلفة من العالم؟ وما هي أعراضه؟ وما علاقته بالقرود؟! وكيف سيتصرّف لبنان لمنع وصوله؟
“لبنان حتى اللحظة بمنأى عن الإصابة بفيروس جدري القرود، ولا وجود لحالات، إلا أنّ الاحتياط واجب، خصوصاً في الفترة التي يزداد فيها السفر بين البلدان”. هكذا طمأن وزير الصحة فراس الأبيض اللبنانيين، كاشفاً أنّه أعطى التوجيهات لمديرية الوقاية في وزارة الصحّة العامّة لأخذ الإجراءات، سواء في المنافذ، ولا سيّما مطار رفيق الحريري الدولي، أو من خلال المعاينة في عيادات أطباء الأمراض المعدية.
“جدري القرود” يندرج ضمن عائلة مرض الجدري، وتمّ القضاء عليه عام 1980، وإن كان مازال موجوداً بقابليّة انتقالٍ أقلّ، وأعراضٍ أكثر اعتدالاً وأقلّ فتكاً من ذي قبل
وقال الأبيض إنّه “في ما يخصّ الأمراض الوبائية الجرثومية نلتزم الإجراءات المطلوبة من منظمة الصحة العالمية لناحية تجهيز أماكن عزل وغيره من الإجراءات الخاصّة عند ورود شكوى عن أيّة إصابة”.
ما هو هذا المرض وأعراضه؟
بحسب مصادر البحث المفتوحة وتصريحات أطباء موثوقين من حول العالم، فإنّ “جدري القرود” يندرج ضمن عائلة مرض الجدري، وتمّ القضاء عليه عام 1980، وإن كان مازال موجوداً بقابليّة انتقالٍ أقلّ، وأعراضٍ أكثر اعتدالاً وأقلّ فتكاً من ذي قبل. وسبب إلصاق التسمية بالقرود هو أنّ أولى الحالات الموثّقة للمرض ظهرت عام 1958 بين القرود في معمل أبحاث كان يضمّ قروداً تُجرى عليها تجارب علمية.
يظهر جدري القرود عادةً بأعراض تشمل حمّى وصداعاً وآلاماً في العضلات والظهر وتضخّماً في الغدد الليمفاوية وقشعريرة وإرهاقاً، وهو ما يفضي في النهاية إلى طفح جلدي وبثور مؤلمة ممتلئة بالسوائل على الوجه واليدين والقدمين. ويظهر الطفح عادة على الوجه أوّلاً، ثمّ يصيب اليدين والقدمين، ويميل إلى التطوّر خلال يوم إلى ثلاثة.
وتتراوح فترة الحضانة قبل أن تظهر أعراضه بين 5 أيام إلى 3 أسابيع، ولا يصير معدياً إلا بعد ظهور الأعراض. كما أنّ احتمالات الموت بسببه تتراوح بين 1 و10%، وترتفع بين الأطفال والكبار في السنّ والذين يعانون من ضعف المناعة.
كما أنّ انتشاره يرتبط بالعلاقات الجنسية. وكشفت “وكالة الأمن الصحي” البريطانية أن انتشار المرض تمّ رصده بشكل ملحوظ بين “المثليين ومزدوجي الميول الجنسية”، في المملكة المتحدة وأوروبا.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ لقاحات الجدري فعّالة بنسبة تصل إلى 85% ضدّ جدري القرود. وكشف مسؤولو الصحّة البريطانيون أنّهم اشتروا آلاف جرعات لقاح الجدري، ويقومون بنشرها لدى الأشخاص الذين كانوا على اتصال وثيق مع البريطانيين المصابين.
وقد رصدت بريطانيا 20 حالة، وأعلنت 11 دولة في أوروبا وأميركا الشمالية عن رصدها إصابات، بينها إيطاليا، والبرتغال، والسويد، وفرنسا، وأيضاً ألمانيا، وبلجيكا، وكندا، والولايات المتحدة، وأكّدت أستراليا ظهور أول حالة في ولاية فيكتوريا، وحالة أخرى قيد التحقّق في سيدني.
تتراوح فترة الحضانة قبل أن تظهر أعراضه بين 5 أيام إلى 3 أسابيع، ولا يصير معدياً إلا بعد ظهور الأعراض. كما أنّ احتمالات الموت بسببه تتراوح بين 1 و10%، وترتفع بين الأطفال والكبار في السنّ والذين يعانون من ضعف المناعة
هل من وجود خطر على لبنان؟
كلام وزير الصحة فراس الأبيض أكّده طبيب الأمراض الجرثومية البروفيسور جاك مخباط لجهة عدم وجود خطر من الفيروس على لبنان في الوقت الحالي، إلّا أنّه توقّع “وصول بعض هذه الحالات إلى لبنان، خصوصاً بعدما ظهرت أخيراً حالات معدودة منه في بريطانيا وإسبانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، وفي الولايات المتحدة الأميركية وكندا”.
أمّا عن إمكانية انتقال الفيروس إلى لبنان، فقد شدّد مخباط على “ضرورة المراقبة والتوعية ومراقبة الآتين من البلدان التي صرّحت عن وجود حالات عندها، وفي حال ظهرت على شخص ما عوارض طفح جلدي يجب عزله”.
وأوضح أسباب انتقال العدوى، قائلاً: “تنتقل عبر رذاذ الجهاز التنفّسي عن مسافة قريبة، أي أقلّ من متر واحد، ومن خلال الملامسة الجلديّة المباشرة لحبيبات الجدري التي تظهر”.
وأشار إلى أنّ الأسباب التي أدّت إلى ظهور العدوى لدى المصابين كانت إقامة علاقة جنسية مع أشخاص مصابين بالفيروس، مؤكّداً أنّ “العلاقات الجنسية ليست سبب الإصابة بالفيروس، إنّما هي سبب انتقاله من شخص مصاب إلى آخر غير مصاب. وقد ينتقل هذا الفيروس أيضاَ عبر الأنسجة الملوّثة كالثياب وأغطية السرير والمناشف”.
وعن فترة الحضانة لهذا الفيروس عند الشخص المصاب، قال: “تبلغ فترة الحضانة لهذا الفيروس عند الشخص المصاب بين 5 أيام و3 أسابيع من دون أيّة عوارض، وخلال هذه المرحلة لا ينتقل الفيروس ولا تتمّ العدوى إلا عند ظهور العوارض التي تتمثّل بارتفاع درجة حرارة الجسم وآلام في العضلات والرأس، وطفرة جلدية مكوّنة من حويصلات تحتوي على كمية ضئيلة من السائل الممتلئ بالفيروسات”.
تبلغ فترة الحضانة لهذا الفيروس عند الشخص المصاب بين 5 أيام و3 أسابيع من دون أيّة عوارض، وخلال هذه المرحلة لا ينتقل الفيروس ولا تتمّ العدوى إلا عند ظهور العوارض
هل هناك علاج؟
“لا يوجد علاج في الوقت الحالي”، بحسب البروفيسور مخباط: قد يوفّر اللقاح ضدّ الجدري حماية كافية، إنّما توقّف هذا التلقيح عند الأطفال في عام 1972، وقد تمّ الإعلان عن آخر إصابة طبيعية به عام 1977 في الصومال، عندما أُعلن انتصار العالم على الوباء. ولا يوجد أشخاص تلقّوا اللقاح الخاصّ به بعد هذا التاريخ، ومن المعروف أنّ الحماية المتوافرة من لقاح الجدري قد تمتدّ لجدري القرود، إذ إنّ هذين الفيروسين من نفس الفصيلة”.
وتابع قائلاً: “يختلف فيروس جدري القرود عن فيروس جدري الماء العادي الذي ينتشر في بلادنا، وهذا لا يزال موجوداً، واللقاحات ضدّه فعّالة، إنّما هو مرض بسيط ولا علاقة له بفيروس جدري القرود الذي ظهر أخيراً”.
استنفار منظّمة الصحّة العالميّة
حتى الآن، ليس لدى مسؤولي “منظمة الصحة العالمية” معلومات كافية عن الطريقة التي أُصيب بها هؤلاء الأشخاص حول العالم. كما أنّ هناك قلقاً من أنّ هذا المرض قد ينتشر عبر المجتمع من دون أن يتمّ اكتشافه.
ووصفت عالمة الأوبئة سوزان هوبكنز، كبيرة المستشارين الطبيّين لوكالة الأمن الصحي في بريطانيا، الحالات الحالية المكتشَفة بأنّها تفشٍّ “نادر وغير معتاد”. وتساءلت: “أين وكيف أصيب هؤلاء الأشخاص بالعدوى؟.. ما زال الأمر قيد البحث”.
إقرأ يضاً:“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية
الدول التي سجّلت إصابات:
– أعلنت إسرائيل، تسجيل إصابة بجدري القردة، هي الأولى في الشرق الأوسط.
– أكّدت وزارة الصحة البريطانية رصد 20 حالة إصابة بجدري القرود.
– أعلنت 11 دولة في أوروبا وأميركا الشمالية عن رصدها إصابات بجدري القرود، بينها إيطاليا، والبرتغال، والسويد، وفرنسا، وأيضاً ألمانيا، وبلجيكا، وكندا، والولايات المتحدة.
– أكّدت أستراليا ظهور أول حالة إصابة بمرض جدري القرود في ولاية فيكتوريا، بينما لا تزال حالة أخرى قيد التحقّق منها في مدينة سيدني.