ما هو دور الحرس الثوري في مقتل زعيم “داعش”؟

مدة القراءة 7 د

ماذا يحصل داخل أجهزة النظام الإيراني؟ ما حجم الخروقات الاستخباريّة الغربية لهيكل الحرس الثوري؟ هل بدأت عملية اغتيال قاسم سليماني في طهران؟ هل هُزِمت إيران في الحرب الاستخباريّة؟

أسئلة تزاحمت طارحةً نفسها مع حملة التوقيفات الواسعة التي حصلت داخل الحرس الثوري الإيراني في إيران.

فقد كشفت مصادر شرق أوسطية لـ”أساس” إلى تنظيم “عملية بحث وتدقيق لدراسة مدى إمكانية الربط بين عملية تصفية زعيم داعش الجديد أبو إبراهيم الهاشمي القرشي وبين رصد أجهزة الاستخبارات الأميركية للتواصل بين الاستخبارات الإيرانية ومجموعات داعش، وهو ما يعني أنّ الذي سهّل الوصول إلى تحديد موقع القرشي هو التواصل الذي تمّ بين أجهزة الاستخبارات الإيرانية وعناصر داعش عبر الخطّ العراقي السوري، وبذلك تمكّنت أجهزة الاستخبارات الأميركية من تحديد موقع ومكان القرشي”.

لذلك شكر الرئيس الأميركي الأجهزة الأمنية العراقية على دورها في تنظيم قتل الهاشمي.

وأضافت المصادر أنّ “النجاح في استهداف القرشي مرتبط بعمليات التنسيق الأخيرة بين طهران وقياديين من داعش ضمن سعي طهران إلى استخدام هذا الملفّ”.

وهذا يعني أنّ “داتا الإتصالات” هي التي سهّلت تحديد مكان القرشي. الاتصالات بين الاستخبارات الإيرانية وبين قياديي داعش.

مصادر شرق أوسطية لـ”أساس”: النجاح في استهداف القرشي مرتبط بعمليات التنسيق الأخيرة بين طهران وقياديين من داعش ضمن سعي طهران إلى استخدام هذا الملفّ

توقيفات في الحرس الثوري

المصادر كشفت أنّ “التحقيقات التي أجرتها طهران على المستويين القضائي والأمني أدّت إلى ارتباك كبير لديها لأنّها واجهت مفاجآت كثيرة لجهة حجم الاختراق ونجاح الأجهزة الأمنيّة الاستخبارية الغربية باختراق المجموعات الإيرانية. وقد منع حجم هذه المفاجأة من إنجاز عملية التحقيق بشكل نهائي والكشف عن المعلومات والتفاصيل لأنّ طهران تعيش حالة ارتباك بسبب الحجم والأسماء والعدد وكيفيّة حصول عمليات الاختراق لجهة التخطيط والتنفيذ”.

الجدير بالذكر أنّه فيما كان النظام الإيراني يقوم بأنشطته النووية بعيداً عن أعين وأنظار المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية المعنيّة بمثل هذه الأنشطة، خاصة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، استطاعت أجهزة الاستخبارات الخارجية اختراق التحصينات الأمنيّة التي أقامها النظام حول هذه الأنشطة. ومن حيث لا يحتسب خرجت جماعة مجاهدي خلق (الشعب) في مؤتمر صحافي عام 2004 لتكشف عن أسرار الأنشطة النووية التي يقوم بها النظام، وتنفجر بوجه حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي أزمة دولية لم تكن في حساباته.

مجادهو خلق يتقدّمون

خلال تلك الحقبة، تردّدت معلومات وتسريبات في إيران عن أنّ الأجهزة الاستخبارية الدولية، وتحديداً الاستخبارات الأميركية المركزية “CIA” وجهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد اللذين فضّلا عدم الظهور في واجهة الأحداث، قدّمت المعلومات التي حصلت عليها من عملائها داخل إيران إلى جماعة المجاهدين، في إطار تعزيز التعاون معهم.

لم يطُل الأمر كثيراً حتى خرج وزير الأمن الإيراني حينها علي يونسي في 22 كانون الأول 2004، وكشف عن وجود شبكة تجسّس أميركية يتجاوز عدد أعضائها عشرة عملاء وتعمل على مستويين، مخبرين عاديّين وعملاء أساسيّين، وأنّها استطاعت الوصول إلى الوثائق السرّية للبرنامج والأنشطة النووية.

بعد اغتيال العالم النووي “أبي البرنامج النووي الإيراني” محسن فخري زاده في كانون الأول 2020، عاد يونسي إلى واجهة الحدث من جديد ليقول إنّ “نفوذ جهاز الموساد في السنوات العشر الأخيرة في قطاعات إيرانية مختلفة وصل إلى حدّ أو مستوى بات يتطلّب من المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الخوف على أنفسهم”، رابطاً هذه الخروقات بوجود تنافس بين الأجهزة الأمنيّة المتصارعة التي بات يتركّز عملها على تجسّس بعضها على البعض الآخر، في إشارة إلى الصراع الاستخباري بين وزارة الأمن وجهاز أمن الحرس الذي تمّ تفعيله وتوسيع مهمّاته منذ عام 1998 بعد فضيحة تورّط عناصر من وزارة الأمن في الاغتيالات التي طالت عدداً من المثقّفين والناشطين السياسيين.

 

اغتيالات ناشطين

لم يقتصر الكلام عن نفوذ واختراق الموساد للمنظومة الأمنيّة الإيرانية على وزير الأمن الأسبق يونسي، بل إنّ حجم الكارثة التي أصابت النظام باغتيال فخري زاده، دفع القائد الأسبق لحرس الثورة الجنرال محسن رضائي للحديث عن اختراقات الموساد في مختلف المستويات الأمنيّة والاستخبارية للأجهزة الإيرانية، واعتبارها “ضربة للحيثيّة الإيرانية الأمنيّة”، مؤكّداً أنّ إيران ترزح تحت موجة من “التلوّث الأمنيّ، أبرز نتائجه حصول ثلاثة أحداث أمنيّة، انفجارين وعملية اغتيال”، في إشارة إلى تعرّض منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم لعمل تخريبي كبير، وتعرّض منشأة تسا في كرج غرب طهران لاعتداء بطائرة مسيّرة، واغتيال فخري زاده.

على الرغم من نفي الفريق النووي الإيراني المفاوض بقيادة وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف ومساعده عباس عراقتشي لِما جاء في المؤتمر الصحافي لرئيس الوزراء الإسرائيلي حينها بنيامين نتانياهو حول تهريب الأرشيف السرّي للبرنامج النووي الإيراني، في عملية تُعتبر الخرق الأكبر والأبرز للمنظومة الأمنية الإيرانية، إلا أنّ هذه العملية التي استطاع خلالها أكثر من 20 عميلاً إيرانيّاً للموساد إخراج أطنان من الوثائق والمستندات والأقراص المدمجة (55 ألف صفحة و55 ألف ملف رقمي محفوظة على 183 قرصاً موضوعة في 32 خزنة حديدية ضخمة)، لم يكن النظام قادراً على إخفائها، وأصبحت مادّة في الصراع السياسي بين أجهزة النظام ورئيس الجمهورية الأسبق محمود أحمدي نجاد الذي أكّد هذا الخرق الإسرائيلي، مضيفاً إليه اغتيال العلماء النوويين وصولاً إلى فخري زاده، وكاشفاً أنّ المسؤول عن وحدة مكافحة التجسّس الإسرائيلي في وزارة الأمن في عهده كان جاسوساً إسرائيلياً.

تم على إثر هذه العملية اغتيال محسن فخري زاده بعد أن أظهرت الوثائق دوره الاستراتيجي في تقدم الملف النووي الإيراني.

اغتيال سليماني أيضاً؟

برز حجم الاختراق الأمني والإرباك الذي يواجهه النظام من خلال التعامل مع اغتيال فخري زاده. فالتخبّط في التفسيرات التي أُعطيت لهذه العملية، والمواقف التي صدرت عن أعلى مسؤولين أمنيين في النظام، وتحديداً أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني. إذ أعلن أنّ العملية جرت من دون تدخّل بشريّ وبسلاح موجّه عبر الأقمار الصناعية، أغفل شرح كيفية إدخال هذا السلاح وكيف جرت الاستعدادات اللوجستية للعملية التي تمّت داخل الأراضي الإيرانية. كما أغفل تعليل الخرق الذي حصل في الدائرة الأمنيّة المكلّفة حماية فخري زاده والتي سرّبت خريطة تحرّكاته وتنقّلاته وسمحت بتحديد مكان تنفيذ العملية، ثمّ فشل هذه الأجهزة في الوصول إلى أيّ خيط يمكّنها من اعتقال أيّ من المشاركين في الاغتيال.

إقرأ أيضاً: مقتل القرشي: انشقاقات في داعش… حول خلافته؟

قد يعيد الكشف عن هذا العدد الكبير من العملاء في صفوف قوات حرس الثورة فتح الباب أمام التحقيق في اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في العاصمة العراقية بغداد فجر 3 كانون الثاني 2020. إذ يحتمل أن يكون جهازه الأمني داخل إيران والمعنيّ بتخطيط وتنسيق تحرّكاته قد تعرّض لاختراق استخباري أميركي إسرائيلي سمح بالوصول إليه وإخراجه من المعادلة الإقليمية في لحظة تُشكِّل تلاقي مصالح بين جهات داخلية مستفيدة من استبعاده وجهات دولية، أميركية وإسرائيلية، تريد ضرب المعادلات ونقل المشهد الشرق الأوسطي إلى مرحلة جديدة.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…