14 شباط 2022: الحريرية بلا الحريري؟

مدة القراءة 5 د

بعد أيام قليلة تحلّ ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري السابعة عشرة. مناسبة يفترض بها أن تشكّل عنواناً لقراءة التحوّلات التي عصفت بلبنان، فأحالته كياناً هشّاً مشرفاً على الدخول في غياهب الزمن.

تحلّ الذكرى بعد إعلان نجله ووريثه السياسي سعد الحريري تعليق عمله السياسي، والعزوف عن الترشّح إلى الانتخابات النيابية. فيما النجل الأكبر بهاء يطمح إلى إثبات حضوره السياسي وهو الغائب كشبح، الطامح بلا مشروع، فيحيل مشروع والده إلى صراع على إرث يتبدّد.

في الوسط، لبنانيون آمنوا برفيق الحريري ومشروعه، ينتظرون أملاً متخيّلاً، وجشعون ينتظرون الذكرى لينهشوا منها ما قد يتحدّد من مواقف سياسية يشرعون على أساسها في بناء مشاريع ضيّقة أقصى طموحها الدخول إلى الندوة النيابية باسم رفيق الحريري.

تبدو الحريرية السياسية بلا حريريين. سعد “عازف”، وبهاء “غامض” رغم النيّات والتحضيرات، وبهية ملتزمة بقرار سعد

لم يكن أحد على قدر رفيق الحريري، بغضّ النظر عن الاتفاق معه أو الاختلاف.

لكنّ الذكرى تحلّ وسط تساؤلات تافهة عن المصير: هل يعود سعد ليحييها في لبنان؟ هل يكون له موقف؟ ماذا عن بهاء؟ وماذا سيعلن؟ بذلك يتحوّل رفيق الحريري إلى ما يشبه صاحب شركة يتصارع أبناؤه في سبيل تقسيمها مع الأخذ في الاعتبار الحاضر دائماً والغائب منهم. وهذا أكبر الدلائل على أنّ هؤلاء لا يعرفون والدهم ولا مشروعه.

 

بين المشروع والوَرَثَة

كان الحريري صاحب مشروع تكامليّ بين السياسة والاقتصاد. بعيداً عن أيّ فعل أيديولوجي. كلّ فكرته كانت ترتكز على ثلاثة شروط:

الأوّل، انتساب لبنان إلى النظام الاقتصادي العالمي، والقائم على الليبرالية والرأسمالية.

الثاني، انتصار الديمقراطية وتكريسها وحمايتها من خلال الدستور الذي صدر عن اتفاق الطائف، وكرّس اعتناق الديمقراطية ومدنيّة الدستور.  

الثالث، مشروع السلام في الشرق الأوسط للخروج من الانقسامات على مشروع لبنان: هل يكون حياديّاً أم يكون دولة مواجهة؟

 

إعدام شروط الحريرية

باغتيال رفيق الحريري تمّ إعدام هذه الشروط، إذ انتهت الديمقراطية والليبرالية، ولم يعد هناك مشروع اقتصادي، ولم يعد لبنان قادراً على النجاة من الصراعات الإقليمية.

أمّا بعد كلّ هذه السنوات، فقد تحوّل لبنان في حقبته الحالية إلى كيان “زومبي”، حيّ وميّت في آنٍ معاً. فلم يعد يشبه فكرته على الإطلاق.

تاريخيّاً، ساهم رياض الصلح في جعل الحلم الماروني ذا مشروعيّة إسلامية محليّة وعربية، فأعطى البعد الوطني لهذا الكيان الفريد.

أصل فكرة لبنان الكبير هو “التنوّع”. وكانت تقوم هذه الفكرة على توسعة جبل لبنان الماروني، ليصبح كياناً وطنيّاً، ويخرج من منطق الغيتو الطائفي، فيصبح بذلك قابلاً للحياة.

ثم جاء رفيق الحريري الذي أعاد الحياة إلى هذا المشروع بعد الحرب الطاحنة والمدمّرة. واغتيال الحريري انطوى، وبدون مبالغة، على محاولة إعدام الكيان اللبناني، الذي أصبح من المستحيل أن تقوم له قيامة في ظلّ التحوّلات التي عصفت به، والانهيار الذي بلغه.

بهاء يطمح إلى إثبات حضوره السياسي وهو الغائب كشبح، الطامح بلا مشروع، فيحيل مشروع والده إلى صراع على إرث يتبدّد

تجربة سعد المريرة

لم يكن سعد الحريري صلباً بما فيه الكفاية للتمسّك بأساسيّات سياسة رفيق الحريري وثوابتها. أمّا بقيّة الأبناء فلا يفقهون في السياسة شيئاً وليست لديهم أيّ سعة إدراك أو اهتمام بمشروع والدهم. وحده سعد الحريري الذي كان مدركاً، لكنّ الظروف عاكسته، بفعل مكائد ومؤامرات تعرّض لها، وأخطاء وقع فيها. أمّا الشقيقة بهيّة فحدودها صيدا، من حدود الأوّلي إلى مشارف جزّين.

لذلك فالصراعات التي تأخذ طابعاً عائلياً أو ما يسمّى “صراع الأخوة” على الإرث أو العرش أو الطمع والجشع السياسيين، لا تعني إلا فكرة واحدة، وهي المضيّ قدماً في تبديد الماضي الجميل، وتمزيق المشروع انطلاقاً من عدم إدراك جوهره وحقيقته.

لم يكن رفيق الحريري رجل سياسة، بل صاحب مشروع، ارتكز على التوازن بين وقائع الداخل والخارج، ومنها نسج خيوطاً أسّست لقواعد لبنان الازدهار والإعمار.

لبنان حالياً بحاجة إلى مشروع مماثل، لا إلى اقتتال على التركة. وهذا اللبنان لا يمكنه أن يعيش ويستمرّ بدون السُنّة لأنّهم القوة البشرية والديمغرافية، وأصحاب رأس المال والمشروع، وذوو الامتداد العربي.

عايشت الشعوب حقبات انحطاط. وهو واقع مَعيش اليوم في لبنان توهّم خلاله قيادات حزب الله أنّهم قادرون على تغيير المعادلات في العالم العربي ككلّ. وتوهّم معهم بعض المسيحيين، عندما تبنّوا مشاريع الأقلّيات والتحالفات المشرقية.

لكنّها طفرة تنتج عن سكرة لاواعية أسهمت في تدمير هذا الكيان ومكوّناته.

إقرأ أيضاً: في وداع الحريرية؟

لم يدخل السُنّة في تلك المشاريع الانتحارية، لكنّ مهمّتهم التأسيس والإعداد لمشروع أوسع وأكبر، بانتظار الخروج من عصر الانحطاط، واستفاقة السكارى من سكرات موتهم. 

في هذا الوقت، تبدو الحريرية السياسية بلا حريريين. سعد “عازف”، وبهاء “غامض” رغم النيّات والتحضيرات، وبهية ملتزمة بقرار سعد، والقيادات المستقبلية تبحث عن “طريق” الترشّح دون الاصطدام بقرار “الغائب”.

 

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…