لفوز الياس جرادي (المقعد الأرثوذكسي) وفراس حمدان (المقعد الدرزي) في دائرة الجنوب الثالثة، طعمٌ مختلف. تلك الدائرة التي تختصر مكوّنات لبنان تقريباً، والجنوب تحديداً، وفيها الناخب السنّي المؤثّر، والناخب المسيحي الجديّ، والناخب الدرزي الحاضر، والناخب الشيعي الطاغي. والتي تضمّ اليساريين، والمعقل التاريخي للحزب الشيوعي، وفيها نائب قومي سوري منذ 30 عاماً، وهي مهد القاعدة الأسعدية التاريخية. المنطقة التي كانت محتلّة حتّى العام 2000 ترك الاحتلال فيها طعم “العناد” و”الاعتراض” الشيعي، لأنّ أهلها هم من قاوم إسرائيل منذ الأربعينات إلى يومنا هذا.
في الدائرة اعتاد الثنائي الشيعي أن يحسم نتائج الانتخابات لمصلحته في المقاعد الشيعية وغير الشيعية مهما اختلف القانون الانتخابي، أكثريّاً كان أم نسبيّاً. كانت تسمّى “المحدلة” نسبةً إلى القدرة على “حدل” أيّ قوة سياسية في تلك المنطقة.
لكنّ الثنائي الشيعي اكتشف أنّه بات يواجه اليوم خرقاً بمقعدين غير شيعيّين، بعد معركة وُصفت بـ”الطاحنة”. ولم يقتصر الخرق على التشكيك في مدى تمثيل الحزب والحركة، بل في مدى الرمزيّة التي حملها الخرق ولو كان بنسب ضئيلة نسبيّاً مقارنة بالحجم الشعبي الكبير للثنائي في المنطقة.
ستقود المجموعة المعارضة معركة الطعن على أنّها معركة سياسية بامتياز، وستخوضها على أنّها معركة وجودها في المنطقة التي طالما غاب عنها التنوّع السياسي بحجّة “الإخلاص للمقاومة”
كيف قرّر الثنائي مواجهة الخرق؟
يقول الناشطون في الفريق المقابل لقوى الأمر الواقع في المنطقة إنّ الثنائي لم يتقبّل الخسارة. وخير دليل على ذلك قيام تسعة نواب، إلى جانب المرشّح الخاسر مروان خير الدين، بتقديم طعن إلى المجلس الدستوري، بنيابة فراس حمدان. علماً بأنّ القانون يجيز للمرشّح فقط أن يقدّم الطعن.
يقول الدكتور في القانون علي مراد، الذي كان مرشّحاً عن المقعد الشيعي في قضاء بنت جبيل، في اللائحة المنافسة للثنائي، إنّ هذا الطعن يحمل رسالة سياسية واضحة، وهي أنّ الثنائي لم يتقبّل بعد فكرة وجود معارضة سياسية له قادرة أن تحصد مؤيّدين لها في الجنوب، وأن تنتزع مقاعد، وربما تصل يدها إلى مقعد شيعي في دورة 2026 الانتخابية.
يُلفت مراد إلى أنّ فريقاً قانونياً يتمّ تأليفه لمواكبة الطعن، لكنّ المجلس الدستوري سيكون ملزماً بإسقاط الطعن المقدّم من النواب الفائزين، والاحتفاظ بالطعن المقدّم من المرشّح الخاسر.
هكذا ستكون العين على المجلس الدستوري الذي سيكون أمام امتحان، ولا سيّما أنّه سبق أن تعرّض لشتّى أنواع الضغوط السياسية في أكثر من امتحان.
ستقود المجموعة المعارضة معركة الطعن على أنّها معركة سياسية بامتياز، وستخوضها على أنّها معركة وجودها في المنطقة التي طالما غاب عنها التنوّع السياسي بحجّة “الإخلاص للمقاومة”.
موقف الحزب والحركة هذا له أكثر من دلالة. ففي الجنوب الثالثة، حُسمت معركة المقعد السنّيّ المتمثّل بقاسم هاشم، المرشح البعثي في كتلة الرئيس نبيه برّي، بفارق عشرات الأصوات.
وفي الجنوب الثانية، صور – الزهراني، لو أنّ الأصوات المعارضة، التي تشتت على أكثر من لائحة، اجتمعت في لائحة واحدة كما في الجنوب الثالثة، لأطاحت بالمرشّح الكاثوليكي النائب ميشال موسى.
إقرأ أيضاً: الحزب يخسر الجنوب: 92% من غير الشيعة.. ضدّه
وفي الجنوب الأولى، صيدا – جزين، خسر الثنائي كلّ مقاعده ومعركته، من صيدا إلى جزّين، هو والتيار الوطني الحرّ، خصوصا مقعد النائب ابراهيم عازار، الذي كان في كتلة الرئيس برّي.
إذاً لا تقتصر خسارة الحزب على المقعدين الأرثوذكسي والدرزي في الجنوب الثالثة، بل تتعدّاهما إلى خسارة معظم المقاعد غير الشيعية التي كانت تدور في فلكه من بوّابة الجنوب إلى عمقه، ما عدا هاشم وموسى… وهذا ليس تفصيلاً.