“القاهرة وعمّان أفضل وضعاً من بيروت للصمود في وجه العاصفة التي تضرب المنطقة واقتصاداتها نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول). فالاشتباكات الحدودية بين إسرائيل والحزب واحتمال حرب جديدة لإنشاء منطقة عازلة، وعدم الاستقرار السياسي، وعدم تنفيذ الحكومة للإصلاحات اللازمة لجذب ثقة المستثمرين واستكمال قرض صندوق النقد الدولي، ستدفع البلاد إلى المزيد من الركود وستكون التكاليف أعلى، خاصة في حالة الحرب الطويلة”.
كيف تؤثّر حرب غزة على اقتصادات مصر والأردن ولبنان؟ ولماذا يكون لبنان هو الأكثر تأثّراً؟
تساؤلات أجاب عنها مركز “ستراتفور” للدراسات الاستراتيجية والأمنيّة، المعروف بـ”CIA الظلّ” (وكالة المخابرات المركزية الأميركية)، في تقرير مطوّل رصد الأضرار التي تلحقها الحرب بين حماس وإسرائيل باقتصادات مصر والأردن ولبنان.
10 مليارات كلفة ثلاثة أشهر
وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، بحسب التقرير، كلّفت الأشهر الثلاثة الأولى من هذه الحرب مصر والأردن ولبنان بشكل تراكمي 10.3 مليارات دولار، مع توقّع استمرار ارتفاع الكلفة، حيث أعرب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عن قلقهما بشأن التأثير الاقتصادي الذي قد يخلفه استمرار الصراع على اقتصادات هذه الدول. ففي حين انتعشت بعض القطاعات، مثل قطاع الطاقة، أثّر استمرار الحرب في غزة واحتمال توسّعها والتبادلات عبر الحدود بين الحزب وإسرائيل سلباً على قطاعَي السياحة والنقل في الدول الثلاث. وتفاقم الوضع مع هجمات الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن للسفن العابرة للبحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما أدّى إلى تحويل حركة الشحن من المنطقة، وبالتالي زيادة تكاليف الشحن وانخفاض الإيرادات من هذا الممرّ المائي الحيوي.
يستبعد التقرير أن يتلقّى لبنان تمويلاً من صندوق النقد الدولي أو استثمارات أجنبية كبيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي الحالي في البلاد، وهو ما سيؤدّي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية المختلفة للبنان
يضاف إلى ذلك، بحسب التقرير، أنّ المشاعر المؤيّدة للفلسطينيين بين مواطني هذه الدول فاقمت التداعيات الاقتصادية من خلال تحفيز حركات المقاطعة للعلامات التجارية الغربية، وهو ما أدّى إلى فقدان الوظائف وتقليص ساعات العمل للعمّال المحلّيين، سيما أنّ الاقتصادات الثلاثة كانت أصلاً تكافح قبل الحرب بين حماس وإسرائيل بسبب ارتفاع معدّلات البطالة، وانخفاض عائدات السياحة من جائحة كوفيد-19، وارتفاع تكاليف استيراد الحبوب بسبب حرب أوكرانيا. وفي هذا السياق، توصّل صندوق النقد الدولي إلى اتفاقيات قرض مع مصر والأردن في كانون الأول 2022 وكانون الثاني 2024، على التوالي. كما توصّل لبنان أيضاً إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في نيسان 2022، لكن لم يُستكمل بسبب عدم قدرة بيروت على إجراء الإصلاحات المطلوبة.
الأضرار بالأرقام
وفقاً للتقرير كان قطاع السياحة 12% من الناتج المحلّي الإجمالي لمصر في عام 2023، و14.6% و24.7% من الناتج المحلّي الإجمالي للأردن ولبنان، على التوالي، في عام 2022. في الشهر الأوّل من الحرب، انخفضت الرحلات الدولية إلى مصر بنسبة 26%، وإلى الأردن بنسبة 49%، وإلى لبنان بنسبة 74% مقارنة بالعام الماضي. وأُفيد في الأردن ولبنان عن انخفاض كبير في إشغال الفنادق، في حين كان التأثير على الفنادق المصرية أقلّ أهميّة.
في أوائل كانون الأول توقّع مرصد العمل الأردني فقدان 15 ألف وظيفة في البلاد نتيجة المقاطعة المناهضة لإسرائيل والغرب للشركات الدولية مثل ماكدونالدز وستارباكس، وحذّر من أنّ فقدان الوظائف قد يرتفع إذا استمرّت المقاطعة. كما أبلغ الموظّفون المصريون العاملون في العلامات التجارية الدولية عن تخفيضات في ساعات العمل وإجازات غير مدفوعة الأجر وتسريح عمّال بسبب مقاطعات مماثلة. في الفترة من 1 إلى 11 كانون الثاني، انخفضت إيرادات قناة السويس المصرية بنسبة 40% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في حين انخفضت حركة الملاحة البحريّة بنسبة 30% بسبب خطر الهجمات البحرية الحوثية. إذ توفّر التجارة عبر الممرّ المائي مصدراً مهمّاً للإيرادات لمصر، حيث حقّقت قناة السويس رقماً قياسياً قدره 9.4 مليارات دولار في السنة المالية المنتهية في 30 حزيران 2023.
بحسب المركز، سيؤدّي استمرار هجمات الحوثيين وحرب غزة إلى تآكل احتياطيّات الحكومة المصرية من النقد الأجنبي المنخفضة أصلاً قبل اندلاع الصراع
قروض بشروط لمصر والأردن
في كانون الأول 2022، توصّل صندوق النقد الدولي إلى اتفاقية قرض بقيمة 3 مليارات دولار مع مصر، مقابل انتقالها إلى سعر صرف مرن، واتّخاذ إجراءات لخفض التضخّم وتوحيد الديون. وفي كانون الثاني، توصّل الصندوق أيضاً إلى اتفاقية قرض بقيمة 1.2 مليار دولار مع الأردن مقابل مواصلة عمّان ضبط أوضاعها الماليّة وزيادة الاستثمار الخاصّ لتوسيع قطاع الأعمال.
بحسب المركز، سيؤدّي استمرار هجمات الحوثيين وحرب غزة إلى تآكل احتياطيّات الحكومة المصرية من النقد الأجنبي المنخفضة أصلاً قبل اندلاع الصراع. وستواصل القاهرة البحث عن مصادر تمويل إضافية لدعم اقتصادها. شجّع صندوق النقد الدولي القاهرة على زيادة خفض قيمة الجنيه المصري، لكن يرجّح أن تعمل الحكومة على خفض معدّلات التضخّم وزيادة احتياطيات العملات الأجنبية، مع محاولة منع تدهور الظروف الاقتصادية لمواطنيها، قبل اللجوء إلى مزيد من خفض قيمة العملة. وفي 17 تشرين الثاني، أعلنت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا أنّ الصندوق “يدرس بجدّية” زيادة قرض مصر بسبب التداعيات غير المباشرة للحرب بين حماس وإسرائيل، لكن لم يتمّ الكشف عن مبلغ الزيادة المحتملة والإصلاحات المحدّدة لها. وفي 11 كانون الثاني 2024 أشار صندوق النقد الدولي إلى أنّ التمويل الإضافي سيكون “حاسماً” لنجاح برنامج الإنقاذ بسبب تأثير الحرب على الاقتصاد المصري.
بالنسبة للأردن، يرجّح تقرير المركز أن تدعم خطوط الائتمان من صندوق النقد الدولي والاستثمارات من دول الخليج العربي اقتصاد المملكة على المدى القصير وتضمن استقرار النظام. لكنّه لا يستبعد أن يكون تأثير المقاطعة الإقليمية على العلامات التجارية الغربية ملموساً بقوّة أكبر في الأردن وأن يستمرّ ذلك مع استمرار المقاطعة. لذلك يتوقّع أن يحدّ النموّ الأبطأ من حجم الاستثمار في الشركات المحلّية.
… لا للبنان
يستبعد التقرير أن يتلقّى لبنان تمويلاً من صندوق النقد الدولي أو استثمارات أجنبية كبيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي الحالي في البلاد، وهو ما سيؤدّي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية المختلفة للبنان، خاصة إذا أدّت الاشتباكات الحدودية بين إسرائيل والحزب إلى حرب. وكان يمكن للاستثمار الأجنبي أن يعوّض بعض الاضطرابات الاقتصادية في لبنان، إلّا أنّ بيروت لم تنفّذ الإصلاحات المطلوبة التي تجذب ثقة المستثمرين وتعزّز فرص استكمال قرض صندوق النقد الدولي الذي تمّت صياغته في نيسان 2022. ولن تؤدّي التوتّرات المتزايدة على طول الحدود الجنوبية للبنان إلا إلى زيادة ردع المستثمرين، حيث يواصل الحزب تبادل الهجمات عبر الحدود مع إسرائيل، وهو ما يزيد من خطر نشوب صراع إقليمي أوسع.
إقرأ أيضاً: مركز استخباريّ أميركيّ عن الأهداف الأميركية: العراق أولاً واليمن ثانياً
يعدّ قطاعا السياحة والتحويلات المالية مصدرين رئيسيَّين للعملة الأجنبية في لبنان. وأفادت الأمم المتحدة أنّ التحويلات المالية شكّلت 37.8% من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد في عام 2022. وفي تقرير في 21 كانون الأول، أشار البنك الدولي إلى أنّ الحرب بين حماس وإسرائيل يمكن أن تدفع لبنان إلى الركود، حيث من المتوقّع أن ينكمش الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد من 0.6% إلى 0.9% في عام 2023. كلّفت حرب إسرائيل والحزب عام 2006 لبنان حوالي 1.75 مليار دولار، بما في ذلك الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، وقلّصت بشكل كبير قطاع السياحة في البلاد. وإذا دخلت إسرائيل ولبنان في حرب أخرى لإنشاء منطقة عازلة، فإنّ التكاليف قد تكون أعلى، وخاصة في حالة حرب طويلة الأمد، كما يحذّر المركز.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا