مدينة ديربورن بولاية ميشيغان الأميركية التي توصف بـ”عاصمة العرب الأميركيين”، قد تغيِّر نتيجة أهمّ انتخابات في تاريخ أميركا. فبعدما صوّت العرب والمسلمون في الولايات المتحدة على نطاق واسع لجو بايدن في انتخابات عام 2020، قد يمتنع الكثير منهم عن التصويت، أو قد يصوّتون لطرف ثالث في انتخابات عام 2024، والسبب غضبهم من سياسة بايدن حيال إسرائيل.
هل يدفع الرئيس الديمقراطي ثمناً باهظاً في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل، مع انقلاب شريحة تتمتّع بنفوذ انتخابي في الولايات المتأرجحة الرئيسية ضدّه والتي لها سيكون لها دور كبير في حسم الانتخابات؟
مديرة الحملة الانتخابية لبايدن جولي تشافيز رودريغيز عندما زارت الأسبوع الماضي مدينة ديربورن تجاهل أكثر من عشرة مسؤولين زيارتها، بمن فيهم رئيس بلدية ديربورن. وفي الأسابيع الأخيرة، لم تكفّ وسائل إعلام أميركية عن نشر أخبار وتقارير عن المدينة تتحدّث عن وقوف سكّانها العرب والمسلمين إلى جانب حركة حماس وإيران ضدّ الولايات المتحدة الأميركية، وآخرها مقالة نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” عن المدينة هنا نصّها:
“عاصمة حماس” الأميركية
“أهلاً بكم في ديربورن عاصمة الجهاد في أميركا” كان عنوان المقالة التي كتبها ستيفن ستالينسكي المدير التنفيذي لـ”معهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط”، عن مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان في ديترويت حيث “الآلاف يتظاهرون دعماً لحماس والحزب وإيران. ويهتف المتظاهرون، الذين يغطّي العديد منهم وجوههم بالكوفيّات، “انتفاضة.. انتفاضة”، “من النهر إلى البحر.. فلسطين ستتحرّر”، و”أميركا دولة إرهابية”. ويلقي الأئمّة المحليون خُطباً ناريّة معادية للساميّة في المساجد.
بعدما صوّت العرب والمسلمون في الولايات المتحدة على نطاق واسع لجو بايدن في انتخابات عام 2020، قد يمتنع الكثير منهم عن التصويت، أو قد يصوّتون لطرف ثالث في انتخابات عام 2024، والسبب غضبهم من سياسة بايدن حيال إسرائيل
هذا ليس الشرق الأوسط. إنّها ضاحية ديربورن بولاية ميشيغان في ديترويت، أضاف ستالينسكي في مقالته، “حيث مباشرة تقريباً بعد 7 أكتوبر، وقبل فترة طويلة من بدء إسرائيل هجومها البرّي على غزة، احتفل الناس بالأحداث المروّعة التي وقعت في ذلك اليوم في مسيرات مؤيّدة لحماس في جميع أنحاء ديربورن. وكُتب عنوان محلّي يصف حدثاً أقيم في 10 تشرين الأول في “مركز فورد للفنون المسرحية” هو: “تجمّع ميشيغان يشيد بهجوم حماس”. وقال الإمام عمران صالحة، من “المركز الإسلامي” في ديترويت، للحشد إنّ تصرّفات إسرائيل الماضية أشعلت”النار في قلوبنا التي ستحرق هذه الدولة (إسرائيل) حتى زوالها”. في أيار 2023، حثّ صالحة أتباعه على قول “آمين” مع صلاته بأن “يمحو الله من الوجود النظام الصهيوني المريض والمثير للاشمئزاز”. في تشرين الأول 2022، وفقاً لـ Washington Free Beacon، تلقّت منظّمته تمويلاً بقيمة 150 ألف دولار من “برنامج المنح الأمنيّة غير الربحي” التابع لوزارة الأمن الداخلي. وفي تجمّع آخر، عُقد في 14 تشرين الأول أمام “مكتبة هنري فورد المئوية”، لم يخفِ الإمام أسامة عبد الغني أيضاً دعمه لأعمال حماس الإرهابية. ووصف العالِم الإسلامي الشيعي المولود في الولايات المتحدة والذي تلقّى تعليمه في إيران يوم 7 أكتوبر بأنّه “أحد أيّام الله” و”معجزة تحقّقت”. ووصف المهاجمين بـ”الشرفاء”. وقال إنّهم “أسود” يدافعون عن “أمّة محمّد الرسول بأكملها”.
الولاء لخامنئي في ديربورن
بالنسبة لستالينسكي، لا تقتصر الحماسة في مدينة ديربورن للجهاد ضدّ إسرائيل والغرب على الاحتفال بحركة حماس. فقد أقام المركز الإسلامي الأميركي، أحد المساجد الرئيسية في ديربورن، حفل تأبين في 30 كانون الأول لعنصر من الحزب قُتل في غارة جوّية إسرائيلية. وأقام “معهد هادي”، الذي يدير “مدرسة مونتيسوري الإسلامية” ويصف نفسه كـ”مركز مجتمعي للشباب”، “إحياء ذكرى الشهداء” في 5 كانون الثاني تكريماً لقائد فيلق القدس قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، قائد قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران في العراق، المدرجَين على القائمة الأميركية للإرهابيين، اللذين قُتلا في غارة جوّية أميركية في 3 كانون الثاني 2020. وشمل الاحتفال إلقاء الشعر وخطب الثناء، إلى جانب ادّعاءات بتشغيل داعش من قبل كلّ من وكالة المخابرات المركزية والموساد. وعبّر الإمام عبد الغني عن “أحرّ التهاني” لـ”قائدنا المميّز جداً، الإمام خامنئي”، معلناً الولاء لآية الله الإيراني الذي يدعو بانتظام إلى تدمير الولايات المتحدة.
بالنسبة لستالينسكي، لا تقتصر الحماسة في مدينة ديربورن للجهاد ضدّ إسرائيل والغرب على الاحتفال بحركة حماس. فقد أقام المركز الإسلامي الأميركي، أحد المساجد الرئيسية في ديربورن، حفل تأبين في 30 كانون الأول لعنصر من الحزب قُتل في غارة جوّية إسرائيلية
“كان دعم الإرهاب في جنوب ميشيغان منذ فترة طويلة مصدر قلق لمسؤولي مكافحة الإرهاب الأميركيين”، بحسب ستالينسكي الذي أشار الى”تقويم أجرته شرطة ولاية ميشيغان عام 2001، تمّ تقديمه إلى وزارة العدل بعد أحداث 11 أيلول يصف ديربورن بأنّها “مركز دعم ماليّ رئيسي” و”منطقة تجنيد وقاعدة دعم محتملة” للجماعات الإرهابية الدولية، بما في ذلك الخلايا النائمة المحتملة. وإنّ معظم الجماعات الإرهابية الـ28 التي حدّدتها وزارة الخارجية كانت ممثّلة في ميشيغان، وإنّ العديد من سكان ديربورن الحاليين أو السابقين أُدينوا بارتكاب جرائم تتعلّق بالإرهاب في السنوات الأخيرة”.
رأى ستالينسكي أنّ “أحمد موسى جبريل قد يكون الشيخ الجهادي الناطق باللغة الإنكليزية الأكثر تأثيراً. فهو من منزله في ديربورن، يروّج للحرب المقدّسة بين عشرات الآلاف من متابعيه على تويتر وتلغرام. وفي 7 أكتوبر، نشر تغريدة جاء فيها: “لم تبتهج القلوب بهذه الطريقة منذ فترة طويلة”، وتغريدة أخرى يدعو فيها الله أن “يطهّر الأرض من عدوان القردة والخنازير والمنافقين”. ونشر لاحقاً مقطع فيديو يدعو المسلمين في الغرب إلى البدء بتطبيع مصطلح “الجهاد” باستخدامه بشكل متكرّر “على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المساجد”. ووصف الرئيس بايدن بأنّه “فرعون خرِف”.
لا شكّ، بالنسبة لستالينسكي، في أنّ “سياسات ديربورن المتطرّفة ستعقّد طريق بايدن لإعادة انتخابه. فميشيغان ولاية لا بدّ أن يفوز بها الديمقراطيون، ومن الواضح أنّ الاستراتيجيين في حملة الرئيس يشعرون بالقلق من أنّ المشاعر المعادية لإسرائيل والولايات المتحدة يمكن أن تلحق الضرر به في تشرين الثاني”، وأشار إلى “تقرير وكالة أسوشيتد برس في 26 كانون الثاني حول تعامل القادة المحليّين في المدينة مع مديرة حملة بايدن جولي تشافيز رودريغيز ببرودة خلال زيارتها لمنطقة ديترويت”.
إقرأ أيضاً: إغناتيوس: على بايدن أن يوقف حرب غزّة.. ليحمي جنوده
كما لفت الكاتب إلى تغريدة عمدة ديربورن الديمقراطي عبد الله حمود، التي يتوجّه فيها إلى بايدن بـ”نصيحة صغيرة: إذا كنت تخطّط لإرسال مسؤولي الحملة لإقناع المجتمع العربي الأميركي بأن يصوّت لمرشّحك، فلا تفعل ذلك في اليوم نفسه الذي تعلن فيه عن بيع طائرات مقاتلة للطغاة الذين يقتلون شعبنا وأفراد عائلتنا”.
ما يحدث في ديربورن، يخلص ستالينسكي إلى القول: “ليس مجرّد مشكلة سياسية بالنسبة للديمقراطيين. بل قد تكون هذه قضية تتعلّق بالأمن القومي وتؤثّر على جميع الأميركيين. وينبغي لوكالات مكافحة الإرهاب على جميع المستويات أن تولي اهتماماً خاصّاً وجدّياً لذلك”.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا