مشكلتنا الخطيرة مع ذاكرة بايدن

مدة القراءة 5 د

 

يتّسع الحيّز الذي تحتلّه الحالة الذهنيّة للرئيس الأميركي جو بايدن، في حسابات الناخبين الأميركيين، كما في حسابات حلفاء الرئيس وخصومه. صحيح أنّ بايدن (81 سنة) ومنافسه دونالد ترامب (77 سنة) هما الأكبر سنّاً في تاريخ الرئاسات الأميركية، كمتنافسين وكرئيسين، وبفارق أربع سنوات فقط بينهما، إلا أنّ هواجس العمر وسوء الذاكرة ورجاحة الذهن تكاد تهيمن على ترشيح بايدن وحده دون منافسه.
كثرة الهفوات التي تصدر عن الرئيس الأميركي، على غرار الخطأ في تعريف الرئيس المصري على أنّه رئيس المكسيك، أو خلطه بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الراحل فرانسوا ميتران، وغيرهما، اكتسبت أهميّة مضاعفة في ضوء تقرير قضائي أميركي وصف بايدن بأنّه “رجل مسنّ ضعيف الذاكرة”. زد على ذلك، أنّه في مقابل “اختباء” الرئيس بايدن خلف مناسبات علنية معدّة سلفاً وبعناية شديدة، يُكثر ترامب من إطلالاته ومشاركاته العفوية في الحملات الشعبية ويبتعد عن الإدلاء بتصاريح معلّبة ومكتوبة.

الاغتيال المعنويّ لبايدن
لئن كان كلّ شيء مباحاً في حملات التنافس في الانتخابات الأميركية، بات واضحاً أنّ الاغتيال المعنوي لبايدن سيتركّز على سلامته الذهنية، وهو العنوان الذي ينبغي أن يعنينا أيضاً في الشرق الأوسط.
لا تشكّل الحالة الذهنية لرئيس الولايات المتحدة بنداً حاسماً في تقرير مدى ملاءمته لحكم بلاده وحسب، بل تعتبر شرطاً مهمّاً من شروط الاستقرار والأمن العالميَّين. وعليه، فإنّ التدهور الذهني الملحوظ “لقائد العالم”، وخاصة في أزمنة الصراع التي نعيشها، ينطوي على حزمة مخاطر وتحدّيات يمكن أن تكون لها آثار بعيدة المدى.

أبسط ما ينبغي أن يقلقنا، هي الأخطاء الدبلوماسية الفادحة التي يؤدّي إليها ضعف الذاكرة، كاسترجاع معلومات مغلوطة أو الخلط بين الشخصيات الدولية الرئيسية

أبسط ما ينبغي أن يقلقنا، هي الأخطاء الدبلوماسية الفادحة التي يؤدّي إليها ضعف الذاكرة، كاسترجاع معلومات مغلوطة أو الخلط بين الشخصيات الدولية الرئيسية، مع ما قد ينتجه ذلك من انفعالات لدى الرئيس أو يملي عليه مواقف نابعة من مواقف مسبقة تجاه شخصيات وأحداث لم تعد موجودة، أو ليست ذات صلة بالملفّات والقضايا المطروحة.
ثمّ إنّ الحميميّة بين الدول تدار تقريباً بالقواعد نفسها للحميميّة بين الأفراد، ويمكن لمثل هذه الأخطاء أن تؤدّي بسرعة إلى تآكل الثقة بين الحلفاء، الذين يعتمدون على شراكات استراتيجية وضمانات أمنيّة تجمعهم بالولايات المتحدة. لا يوجد مكان لرصد النتائج الخطيرة لتآكل الثقة أفضل من الشرق الأوسط، حيث تتجاوز العلاقة مع أميركا مسألة التحالفات والعلاقات الدبلوماسية، إلى كونها تلعب دوراً مهمّاً في صياغة وصيانة هياكل الأمن الإقليمي.

تنمّر أعداء أميركا
يمكن للانطباعات عن الضعف الذهني للرئيس الاميركي أن تشجّع أعداء أميركا على تصعيد أعمالهم العدوانية والمجازفة باختبار الحدود التي يمكن تجاوزها بافتراض أنّ ردّ فعل أميركا سيأتي متأخّراً أو مشوّشاً. ويتفاقم هذا المنحى الخطير بسبب عدم اتّساق السياسات، حيث يمكن للمواقف الأميركية المتقلّبة بشأن قضايا تراوح بين الاتفاق النووي الإيراني والصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو التوتّرات الأمنيّة في الخليج، وردّها إلى “انفعالات رجل مسنّ”، أن تؤدّي إلى تقويض الجهود الدبلوماسية وإرسال إشارات متضاربة إلى الأصدقاء والأعداء على حدّ سواء. لا يؤدّي هذا التناقض إلى تعقيد جهود حلّ النزاعات فحسب، بل يخدم تصعيدها وتردّيها ولو عن غير قصد.
في ظلّ الوضع المضطرب في الشرق الأوسط، حيث يشكّل الانتشار النووي تهديداً مستمرّاً، يرتدي وضوح القيادة الأميركية أهميّة قصوى، ويؤدّي غياب الوضوح إلى تشجيع إيران على مغامرات نووية تلعب في مساحة الوقت الضائع، على ما تشير إليه تقارير الخبراء من أنّه حاصل بالفعل.
تعدّ الحالة الذهنية المهتزّة للرئيس بايدن رافداً من روافد العلاقة المضطربة بين واشنطن وحلفائها، وهو ما ينعكس سلباً على فاعلية التنسيق في إدارة الأزمات، ويؤدّي، في حالة غزّة مثلاً، إلى تضخيم الأثر الإنساني للحروب، نتيجة فقدان المستويات المطلوبة من الثقة والتركيز، وإلى مقدار مختلف من الهيبة تجاه إسرائيل.

لا يقتصر التأثير السلبي للحالة الذهنية للرئيس بايدن على القرارات السياسية وحسب، بل يطال أيضاً القرار العمليّاتي لأميركا في مواجهة التطوّرات الأمنيّة الخطيرة في الشرق الأوسط. فتباطؤ صنع القرار، كما حصل بعد الهجوم على قاعدة أميركية في الأردن أو أعمال الحوثي في البحر الأحمر، يؤثّر بشكل حاسم على فاعلية العمليات العسكرية والأنشطة الاستخبارية الأميركية في المنطقة، في ظلّ تنامي الانطباعات بأنّ الإدارة الأميركية عاجزة، نتيجة الواقع الذهني للرئيس، عن فهم السياق الاستراتيجي الأوسع للصراعات القائمة ولمناورات وحسابات الخصوم.
ضعف ثقة حلفاء واشنطن بها، وتجرّؤ خصومها عليها، يفاقمان تردّي الصراعات في الشرق الأوسط ويهدّدان بتوسعة رقعتها على النحو الذي يسمح بتمدّد تداعيات هذه التحدّيات لتؤثّر على الأمن العالمي، وأسواق الطاقة، وخطوط التجارة وعموم مرتكزات النظام الدولي.
في ما يعني صراعات الشرق الأوسط، فإنّ وضوح القيادة الأميركية واستقرارها وحسمها أموراً غير قابلة للتفاوض، وقد اختبرنا ذلك من اتفاقيات كامب ديفيد حتى الاتفاق الإبراهيمي وبينهما تحرير الكويت. نهضت هذه النجاحات على قيادة سياسية أميركية واضحة ومتماسكة، لا تشبه في شيء صورة واشنطن الراهنة.

إقرأ أيضاً: غزّة وبايدن: 4 مستحيلات متناقضة!

إن كان التدهور الذهني للرئيس الأميركي بنداً انتخابياً في بلاده، فهو في أزمنة الصراع في الشرق الأوسط، يمثّل تحدّياً وجوديّاً للمنطقة بأسرها، مع استمرار الولايات المتحدة، حتى إشعار آخر، في لعب دور محوريّ فيها.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: NadimKoteich@

 

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…