في إحدى قواعد سلاح الجوّ الملكي البريطاني في الريف الإنكليزي، يعمل أكثر من 4,500 موظّف من العسكريين والمدنيين من مختلف المستويات الوظيفية في جمع المعلومات وتحليلها لمشاركتها في جميع أنحاء العالم في “الأوقات الخطيرة”.
إنّه مقرّ “أكبر قاعدة استخبارية في العالم”. إنّه مبنى “باثفايندر” التابع لسلاح الجوّ الملكي البريطاني في قاعدة سلاح الجوّ الملكي البريطاني في وايتون، في كامبريدجشير، الذي مُنحت صحيفة “التايمز” ووسائل إعلام أخرى دخولاً نادراً إليه.
في هذه “المنظمة الأوسع للاستخبارات الدفاعية” المفترض أن تكون “منشأة استخبارية سرّية جدّاً”، والتي يديرها رئيس الاستخبارات الدفاعية البريطانية أدريان بيرد، يشير جاسوس عسكري إلى خريطة توضح مسار صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت. يقول المسؤول إنّ هناك “فرصة أفضل بكثير للبقاء على قيد الحياة إذا تمّ تدمير هذه الأسلحة قبل إطلاقها”.
في إحدى قواعد سلاح الجوّ الملكي البريطاني في الريف الإنكليزي، يعمل أكثر من 4,500 موظّف من العسكريين والمدنيين من مختلف المستويات الوظيفية في جمع المعلومات وتحليلها لمشاركتها في جميع أنحاء العالم في “الأوقات الخطيرة”
الصاروخ الصيني المخيف
أحد هذه الأسلحة الأكثر إثارة للخوف هو الصاروخ الصيني DF-27، هو صاروخ باليستي متوسط المدى يمكنه الوصول لمسافة تزيد على 3,000 ميل. تبلغ سرعته القصوى خمسة أضعاف سرعة الصوت، ويمكن لرؤوسه الحربية الانزلاقية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت أن تنحرف لتجنّب اكتشافها. “هذه أسلحة خطيرة”، يحذّر المسؤول مضيفاً أنّه “على الرغم من أنّ الصين هي “الدولة الحقيقية” الوحيدة القادرة على نشر سلاح تفوق سرعته سرعة الصوت، إلا أنّ روسيا تحاول تحقيق الهدف نفسه”.
في هذا المركز تعمل عدة دول معاً ضمن شبكة تبادل المعلومات الاستخبارية “العيون الخمس” (Five Eyes) لجمع ومعالجة وتقويم المعلومات الاستخبارية لـ “وايت هول”. العاملون في هذه الشبكة خبراء لغويّين وعلماء مدنيين وعلماء نفس وجغرافيين وخبراء بيانات. ويعمل آخرون في مهمّات سرّية في الخارج، وبعضهم عملاء يعملون مع المجنّدين لجمع المعلومات من المعارضين.
المسؤول الذي تحدّثت معه مراسلة الصحيفة أوضح أنّه يقضي أيامه في تحليل الأسلحة التي يصنعها الخصوم، والتي تكون في بعض الأحيان أسلحة حسّاسة جدّاً تمّ شحنها إلى المملكة المتحدة من ساحات القتال في جميع أنحاء العالم. ومن أحدث الأسلحة التي بحوزته الطائرة الإيرانية بدون طيار شاهد 131 التي لا تزال مغلفة بقطعة من البلاستيك.
بريطانيا تخشى الانهيار
بحسب الصحيفة، يعتقد القادة العسكريون، بعد قراءة تحليل الخبراء بشأن الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، فبريطانيا يجب أن تكون مستعدّة لاستخدام قواعد عسكرية في الخارج للدفاع عن البلاد في حالة الهجوم، بدلاً من الاعتماد على الموارد البريطانية في الداخل.
أوضح أحد المسؤولين البريطانيين للصحيفة كيف أنّ دفاع المملكة المتحدة سينهار إذا سقطت أعداد كبيرة من الصواريخ على بريطانيا، لذا استهداف الأسلحة من المصدر سيكون أمراً بالغ الأهمية لحماية البلاد. وعلى الرغم من أنّ المملكة المتحدة لديها طائرات يمكن إطلاقها في ثوانٍ لحماية السماء، وسفن حربية من طراز 45 يمكنها إسقاط الصواريخ، إلا أنّها لا تمتلك نظاماً متكاملاً للدفاع الصاروخي. وقد اعترف القادة العسكريون في الماضي بأنّ المملكة المتحدة ستواجه صعوبة في الردّ على هجوم بصواريخ متعدّدة أو طائرات مسيّرة.
أوضح أحد المسؤولين البريطانيين للصحيفة كيف أنّ دفاع المملكة المتحدة سينهار إذا سقطت أعداد كبيرة من الصواريخ على بريطانيا، لذا استهداف الأسلحة من المصدر سيكون أمراً بالغ الأهمية لحماية البلاد
في إحاطة للصحافيين حول التهديد الذي تواجهه المملكة المتحدة، قال مسؤولو الدفاع إنّ “العالم يواجه أوقاتاً خطيرة حقّاً”. وحذّروا من أنّ “الصراع الواسع النطاق أصبح أكثر احتمالاً ممّا كان عليه في التاريخ الحديث لأنّ كلّ ما يحتاج إليه هو “شرارة” يمكن أن تأتي من أيّ اتجاه”.
في رأي الخبراء، لن يكون هناك وقت بعد التحذير لإجراء تغييرات كبيرة للاستعداد لصراع واسع النطاق. وقال مسؤول دفاعي بريطاني للصحيفة: “علينا أن نبدأ الاستعداد الآن”، محذّراً من أنّهم لا يريدون إرسال رسالة ذعر. ومع ذلك، أوضحوا كيف يمكن للمملكة المتحدة أن تجد نفسها فجأة في أزمة إذا لم يحصل المكلّفون بالدفاع عنها على المعلومات الاستخبارية الصحيحة.
ليس تحليل التهديدات المباشرة التي تواجه المملكة المتحدة المهمّة الوحيدة لجهاز الاستخبارات الدفاعية، بل يراقب المسؤولون باستمرار حرب الرئيس بوتين في أوكرانيا، وتصرّفات الصين بشأن تايوان، وهجمات الحوثيين المدعومين من إيران على السفن في البحر الأحمر.
“هناك عاصفة في الشرق الأوسط وإعصار في أوكرانيا.. والصين هي التي تغيّر المناخ”، قال أحد المسؤولين، وهو يشير إلى المكاتب المختلفة داخل مبنى باثفايندر، الذي سمّي على اسم أسراب تحديد الأهداف في قيادة قاذفات سلاح الجوّ الملكي البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية.
الشرق الأوسط.. أوكرانيا.. الصين
في الداخل تعمل عشرات الفرق في مهامّ مختلفة محدّدة وفق إمّا الجغرافيا أو الموضوع، مثل مكافحة الإرهاب. على مكتب إفريقيا يوجد علم تنظيم الدولة الإسلامية. في مكان قريب تجمّع فريق من الجواسيس حول مكتب وشاشة كبيرة تعرض بثّاً من طائرة بدون طيار تتعقّب سفينة في بورتسودان. ويضيء ضوء أحمر لتحذير الموجودين على الأرض من وجود زوّار بدون تصريح أمنيّ. تُظهر الساعة الرقمية الوقت في موسكو، بالإضافة إلى الوقت في الدول الأخرى في مجموعة Five Eyes، التي تشمل الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، بالإضافة إلى المملكة المتحدة.
إقرأ أيضاً: قطع الاتصالات الدوليّة هدف الحوثيّين التالي؟
فريق آخر يقدّم معلومات جمعها من الطائرات بدون طيار التي أطلقها الحوثيون للمساعدة في إبلاغ البحّارة على متن سفينة HMS Diamond، الذين يقومون بدورية في البحر الأحمر. وهناك وحدة مكلّفة بمساعدة الشرطة البريطانية في العثور على المفقودين أو تعقّب القتلة أو شنّ مداهمات ضدّ الجماعات الإجرامية المنظّمة حيث يستخدم الأفراد العسكريون كاميرات متخصّصة وماسحات ليزر تقدّم صورة عن داخل المبنى والتهديدات التي قد تواجهها الشرطة.
يقول جيمس هيبي، وزير القوات المسلّحة، قوله إنّه “في عالم لم يعد بإمكاننا اعتبار الحقيقة أمراً مفروغاً منه، أصبح العمل الذي تقوم به استخبارات الدفاع ضرورياً بشكل متزايد للحفاظ على أمّتنا آمنة. إنّه يوفر معلومات وتوقّعات تعطّل وتواجه التهديدات المستقبلية التي نواجهها، من الخارج وفي الداخل”.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا