“استهدفوا طهران” قال السيناتور جون كورنين، الجمهوري من تكساس، بعد هجوم بطائرة مسيّرة على قاعدة أميركية في شمال شرق الأردن نهاية الأسبوع الماضي. بينما سخر السيناتور توم كوتون، الجمهوري الآخر، من أنّ الرئيس جو بايدن سيكون “جباناً لا يستحقّ أن يكون القائد الأعلى للقوات المسلّحة”، إذا لم يهاجم القوات الإيرانية ووكلاءها داخل البلاد وخارجها.
لكن بالنسبة للمحلّل السياسي ديفيد إغناتيوس، فإنّ مثل هذه الدعوات “إلى اتّخاذ إجراءات غير مسؤولة دون تحمّل المسؤولية عن النتيجة هي غطرسة معروفة عن أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي”، وإنّ من حسن الحظّ أنّ “بايدن يفكّر بعناية في كيفية الردّ على هذا الهجوم دون جرّ الولايات المتحدة إلى حرب أخرى مفتوحة في الشرق الأوسط”.
يرجّح إغناتيوس أن يتّخذ بايدن إجراءً حاسماً، لكن مع التفكير مليّاً في عواقب خياره في الردّ على هذه الأزمة التي كانت تقترب منه، لكن بحركة بطيئة، حيث بعد بدء الحرب بين إسرائيل وغزة، أعلنت الجماعات المرتبطة بإيران “والتي لا ترتدع” البحث المفتوح عن القوات الأميركية في العراق وسوريا (والآن الأردن)، فقامت بأكثر من هجوم واحد في اليوم، وكانت محظوظة لعدم قتل أيّ أميركي حتى نهاية الأسبوع الماضي، فلم يكن ردّ البنتاغون بالقوّة الكافية، مشيراً إلى أنّ هناك بحسب التقديرات الأميركية ما بين 50 ألفاً إلى 80 ألفاً من مقاتلي الميليشيات المدعومة من إيران يعملون في العراق وحده. ويبدو أنّ هذه الميليشيات تعتقد أنّ الولايات المتحدة هي هدف قليل المخاطر، وكذلك الأمر بالنسبة للمتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
يرجّح إغناتيوس أن يتّخذ بايدن إجراءً حاسماً، لكن مع التفكير مليّاً في عواقب خياره في الردّ على هذه الأزمة التي كانت تقترب منه، لكن بحركة بطيئة، حيث بعد بدء الحرب بين إسرائيل وغزة
الانسحاب تحت النار..
غير أنّ هذه الحسابات يجب أن تتغيّر، بحسب إغناتيوس الذي قدّم استناداً إلى محادثات مع مسؤولين حاليين وسابقين بعض التخمينات حول الردّ الأميركي:
– المهمّة الأولى لفريق بايدن هي “نسب الفعل”، أي أن تحدّد الوكيل الإيراني الذي أطلق الطائرة القاتلة المسيّرة وما إذا كان ذلك بناءً على أوامر من طهران، بحيث يمكن للقيادة المركزية الأميركية إعداد خطّة لتدمير قدرة الجماعة على قتل الأميركيين. وفكرة مسؤولية “المقاومة الإسلامية في العراق” عن الهجوم ليست كافية لقصفها. والسؤال هو: كيف ستردّ؟ ذلك أنّ لمعظم الجماعات الشيعية قدرات عسكرية لم تستخدمها مثل الصواريخ الباليستية البعيدة المدى والأسلحة الضخمة والمسيّرات. فالهدف من العمليات الانتقامية هو تخفيض التهديدات لا زيادتها، وأميركا لديها سفارة ضخمة في بغداد، و2,500 جندي في العراق، و900 جندي في سوريا، وهي أهداف متعدّدة. وقبل الردّ، على القيادات العسكرية الأميركية التأكّد من أنّ هذه الأهداف محميّة. والمفارقة في هذه الحملة هي أنّ إدارة بايدن كانت قد خطّطت لبدء محادثات مع العراق حول احتمال سحب بعض أو كلّ هذه القوات بما أنّ تنظيم الدولة الإسلامية لم يعد يشكّل تهديداً كبيراً، وأنّ الجنود الأميركيين أصبحوا أهدافاً متحرّكة. لكن الآن وبعد للهجوم، لن يرغب بايدن في أن يبدو ضعيفاً من خلال سحبها تحت النار.
– استهداف رأس الأخطبوط: المشكلة أنّ ضرب إيران بشكل مباشر يخاطر باندلاع حرب أوسع نطاقاً. والذهاب إلى الحرب يتطلّب أيضاً أدلّة دامغة، خاصة بعد الفشل في العراق. وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إنّ الاتّهامات بوقوفها وراء الهجوم هي “اتّهامات بلا أساس”، ولا يبدو أنّ الأميركيين لديهم دليل على وجود رابط مباشر بين الجماعة وطهران. مع أنّ الأخيرة توفّر الأسلحة والتدريب والدعم السياسي لهذه الجماعات، وتخوض حرباً بالوكالة، وتدعم الجماعات المسلّحة في سوريا والعراق واليمن بهدف طرد القوات الأميركية، دون تحمّل المسؤولية المباشرة. فقد ظلّ هوس إيران مرتفعاً تحت شعار “الموت لأميركا”، ويتصاعد منذ ثورة 1979. لذا لن ينتهي بين عشيّة وضحاها.
– أعمال سريّة مميتة: يمكن لبايدن أن يتّخذ خطوات لردع الحرب غير المباشرة الحالية من خلال إرسال الإشارات. وفي بعض الأحيان، يعني ذلك استخدام القوة العسكرية، لكنّه في أغلب الأحيان ينطوي على تحذير ذي مصداقية. وكبير مسؤولي التحذير في هذه الإدارة هو مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام ج. بيرنز، المعروف بأنّه “القناة الخلفيّة”، على حدّ تعبير عنوان مذكّراته. لكنّ إرسال تحذير إلى طهران أمر أكثر تعقيداً لأنّ الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدّة لدعم أيّ تهديد تصدره. يبدو لي أنّ شنّ هجوم أميركي علنيّ على الأراضي الإيرانية فكرة سيّئة، خاصة أنّ الشرق الأوسط مشتعل بالفعل، لذا الاستعانة بقناة بيرنز الخلفية غير مطروحة حالياً. لكنّ القوى العظمى يمكنها اتخاذ تدابير أخرى لحماية مصالحها. إيران ليست الوحيدة القادرة على تنفيذ أعمال سرّية مميتة.
إقرأ أيضاً: بلومبرغ: أميركا ستردّ على إيران بقوّة
– استخدام النفوذ الصيني: عاد مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، منذ أيام من اجتماع في تايلند مع وانغ يي، كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الصين. وطلب سوليفان من الصين استخدام نفوذها لدى إيران لتهدئة التوتّرات. وشدّد على أنّ هجمات الحوثيين ستؤدّي إلى إغراق سفينة في البحر الأحمر، وهو ما قد يكون له تأثير متتالٍ على الأسواق العالمية. ويبدو أنّ وانغ يدرك أنّ الصين، باعتمادها على التجارة البحرية العالمية، ستخسر أكثر من الولايات المتحدة بسبب تهوّر الحوثيين. فدعونا نرَ ما إذا كانت بكين ستستخدم قوّتها لتشكيل الأحداث العالمية في أزمة تتطابق فيها مصالحها مع مصالح واشنطن.
– إنهاء حرب غزّة: أمّا المسار الأكثر موثوقيّة للحدّ من العنف الذي أثارته إيران في أعقاب حرب غزة، فهو الإسراع في وضع حدّ للحرب في غزة. وكان بيرنز في باريس الأسبوع الماضي للتوسّط في اتفاق بين إسرائيل وحماس قد يؤدّي إلى تهدئة طويلة الأمد للقتال. ويحتاج بايدن إلى استخدام كلّ أداة في مجموعته لتحقيق هذا الاختراق. وبمجرّد انتهاء الحرب في غزة، فإنّ التهدئة سوف تنتشر إلى ساحات أخرى في العراق وسوريا واليمن ولبنان. وعلى العكس من ذلك، إذا لم تتوقّف في غزة، فستشتدّ الحرائق في المناطقة والساحات الأخرى.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا