على الرغم من تراجع وتيرة سقوط عناصر الحزب الذين تعلن المقاومة عن استشهادهم في الجبهة الجنوبية إلا أنّ نوعية الاستهدافات للعدوّ الإسرائيلي لعناصر الحزب من خلال اغتيالات قائمة بمعظمها على خروقات أمنيّة واستخبارية متمادية تسبّب قلقاً متزايداً لدى قيادة المقاومة واستنفاراً أكبر يدخل في حسابات الضاحية العسكرية والأمنيّة والسياسية.
دفع الأمر بنائب الحزب حسن فضل الله من بنت جبيل إلى الإقرار بـ “تمادي العدوّ في اعتماد سياسة الاغتيالات ضدّ المقاومين”، مؤكّداً عدم تأثيرها على مسار المواجهة على الحدود. وأمام تهديد العدوّ بحربٍ واسعة، أكّد فضل الله “الاستعدادات الكاملة لدينا لأيّ احتمال أيّاً يكن، وإيقاف العدوان الصهيوني على غزة هو الذي يمكن أن يفتح فقط الباب أمام أمور أخرى”.
بدا موقف فضل الله بمنزلة تكريس لموقف القيادة الحزبية بعدم الدخول بأيّ نقاشات تشمل الوضع الميداني جنوباً أو الاستحقاقات الداخلية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية قبل وقف إطلاق النار النهائي في غزة.
هنا تؤكّد أوساط قريبة من الحزب أنّ “احتمال التوصّل إلى هدنة مؤقّتة أو حتى وقف إطلاق للنار لن يردع الإسرائيلي، على ما يبدو، عن تكريس “مرحلة الاصطياد” التي بدأها في عزّ الحرب باغتيال مقاومي الحزب وصولاً إلى القائد العسكري في حماس صالح العاروري. هو أمر بالميزان العسكري واللوجستي، يوازي الحرب. وهذا الأمر كفيل وحده بمنع الحزب من الدخول ببازار مفاوضات حول أيّ ملفّ قبل ردع الإسرائيلي عن الاستمرار بالحرب على طريقته التي قد يعتمدها كنهج أمنيّ استنزافي طويل الأمد بالتوازي مع الاستمرار باغتيال قيادات من حماس في غزة وخارجها”.
تكرّر مصادر قريبة من أروقة الحزب السياسية قولها: “كلّمونا بالرئاسة بعد غزة”
الردّ على الاغتيالات
أمس جاء إعلان الحزب عن استهداف قاعدة ميرون الجويّة للمرّة الثانية بالصواريخ ردّاً على الاغتيالات في لبنان وسوريا والاعتداءات على المدنيين بالتزامن مع الضربة القاسية التي تلقّاها العدوّ الإسرائيلي بمقتل أكثر من 21 ضابطاً وعسكرياً من قوات الاحتلال ليكرّس خطّ الحزب الفاصل عن الحراك السياسي المتجدّد على خطّين:
– الأوّل: إعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن “عدم فشل مهمّة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، وقد نقل طرحاً مقبولاً (أمنيّاً) لسنا بعيدين عنه يُترجم بعد عودة الاستقرار النسبي إلى الجنوب تمهيداً للاستقرار الدائم، والأمور ستظهر في الأسابيع المقبلة”.
– الثاني: اللقاء المُرتَقب لأعضاء اللجنة الخماسية في الرياض أو نيويورك. هنا تفيد معطيات “أساس” أنّ “من ضمن أسباب تأجيل المواعيد التي حدّدها السفير السعودي وليد البخاري للسفراء الممثّلين لأعضاء اللجنة مع المرجعيات والقوى السياسية اللبنانية اعتراض السفيرة الأميركية ليزا جونسون على مروحة اللقاءات الموسّعة التي تشمل النائب جبران باسيل المُدرَج على لائحة العقوبات الأميركية، وهو ما يمنعها من أن تشارك في اللقاء معه”، ومن دون أن يتبيّن حتى اللحظة إذا أثّر لقاء البخاري مع السفير الإيراني مجتبى أماني في اليرزة سلباً على مواعيد سفراء الخماسية المقرّرة.
في هذا السياق، ثمّة من يجزم أنّ تقدّم مشهد التقارب السعودي-الإيراني داخلياً، ومن ضمنه لقاء النائب السابق وليد جنبلاط مع السفير الإيراني أخيراً، يعكس مستوى التنسيق والتفاوض المفتوح بين طهران والرياض على مستويات أعلى. وقد يأخذ مداه داخلياً أكثر مع توافر معطيات لـ “أساس” عن قيام السفير السعودي بردّ الزيارة للسفير الإيراني قريباً في مقرّ السفارة في بئر حسن مع تشديده على عدم إعطاء “جلسة اليرزة” أكثر من حجمها، وتعميم البخاري مناخات عن تقدّم ملحوظ في التفاهمات الإقليمية الكبرى لا بدّ أن تنعكس إيجاباً على الداخل اللبناني، وحديثه عن قرار سعودي بـ “تصفير المشاكل” في ما يخصّ المملكة.
في السياق نفسه تندرج زيارة البخاري للرئيس برّي التي تناولت الملفّ الرئاسي وستشمل قيادات أخرى، فيما تضمّن البيان المشترك الصادر عقب اللقاء إعادة التذكير بـ “ضرورة الشروع في تنفيذ الإصلاحات اللازمة لمواجهة التحدّيات السياسية والاقتصادية في ظلّ تسارع الأحداث”.
بدا موقف فضل الله بمنزلة تكريس لموقف القيادة الحزبية بعدم الدخول بأيّ نقاشات تشمل الوضع الميداني جنوباً أو الاستحقاقات الداخلية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية قبل وقف إطلاق النار النهائي في غزة
كما تصبّ في الإطار نفسه زيارة السفير المصري علاء موسى للرئيس بري، حيث كشف عن “البحث في آلية عمل للّجنة الخماسية في المستقبل”، وأنّ تأجيل لقاءاتها حصل من أجل “ترتيب مواعيد السفراء فقط”.
فصل المسارات
لكن فيما تتقدّم إعلامياً معادلة فصل المسارات بين خطّ غزة -الجنوب اللبناني وخطّ ملفّ رئاسة الجمهورية، أو التسوية السياسية عموماً، تفرض وقائع مغايرة نفسها ليس أقلّها تحذير الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أنّ الوضع في الشرق الأوسط أشبه بـ “برميل بارود”، ومن تعثّر الحلّ الانتقالي والمتدرّج الذي تسعى واشنطن والدوحة والقاهرة إلى تكريسه، ومدّته ثلاثة أشهر، وتواكبه هدنة تسمح بإطلاق سراح الأسرى لدى حماس والمعتقلين في السجون الإسرائيلية وصولاً إلى انكفاء حماس وانسحاب الجيش الإسرائيلي من شمال القطاع وجنوبه. وأمس أكّدت الخارجية القطرية أنّ “جهود الوساطة مستمرّة في غزة، لكنّ التصعيد في القطاع يؤثّر سلباً على هذه الجهود”.
سيناريو الحلّ الشامل لما بعد حرب غزة لا يزال بعيداً عن التنفيذ على الرغم من الضغط الأميركي لترجمته على أرض الواقع، وممّا يزيد تنفيذَه صعوبةً غليانُ المحاور الخارجية والاغتيالات التي تطال قيادات “الحرس الثوري الإيراني” في سوريا وصولاً إلى هجمات الحوثيين في البحر الأحمر والضربات الأميركية المضادّة.
من جهة الحزب لا تزال سياسة إدارة الظهر للداخل ولحراك السفراء و”الجَلَبة” الكبيرة حول استئناف التفاوض في الملفّ الرئاسي هي سِمة المرحلة.
إقرأ أيضاً: مناورة “باسيليّة” تسبق جلسة الموازنة!
هنا تكرّر مصادر قريبة من أروقة الحزب السياسية قولها: “كلّمونا بالرئاسة بعد غزة”، في مقابل وجهة نظر مضادّة تجزم أنّ “الإيراني طالما حوّل جميع سائليه عن أيّ ملفّ سياسي يرتبط بلبنان إلى الحزب “لأنّه صاحب القرار وليس طهران”، لكن بعد حرب غزة والتوتّرات الهائلة في المنطقة فإنّ بوصلة الحزب ستكون طهران وسيلتزم بما ستقرّره إيران في تفاهمها المرتقب مع واشنطن والسعوديين”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@