حكومة الكويت الجديدة.. مقدّمة لحلّ البرلمان

مدة القراءة 6 د


لم يفتح النواب الكويتيون أذرعهم لاستقبال الحكومة الجديدة التي شكّلها الشيخ محمد صباح السالم الصباح، الأربعاء الماضي، كما فعلوا مع الحكومات السابقة التي شكّلها رئيس الوزراء السابق الشيخ أحمد النواف، في السنوات الثلاث الماضية.

كلّ شيء اختلف في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ اعتاد عدد كبير من النواب أن يكون لهم رأي مسموع في أسماء الوزراء، قبل التشكيل، وخطة العمل وخريطة الطريق، بعده.

لكنّ ذلك بات من الماضي، فالحكومة التي شكّلها محمد الصباح، وهي الأولى برئاسته، وُلدت بمعزل عن التشاور مع المجاميع النيابية “ذات الصوت المرتفع”، وإن كانت راعَت بعض التوازنات في الأحجام السياسية، مثل توزير شخصيات محسوبة على تيارات إسلامية.

كلّ شيء اختلف في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ اعتاد عدد كبير من النواب أن يكون لهم رأي مسموع في أسماء الوزراء، قبل التشكيل، وخطة العمل وخريطة الطريق، بعده

مفارقات وسوابق 

ثلّة من النواب وجّهت سهام النقد لرئيس الحكومة قبل ولادة حكومته، آخذة عليه طرحه بعض الأسماء “المُزعجة” من وجهة نظرهم، أو التي “لا تروق لهم” وليست “مطواعة” مع طلباتهم.

لم يلتفت رئيس الوزراء كثيراً للهجمات، ومضى بتشكيل حكومة حملت مُفارقات وسوابق عدّة، أبرزها:

– للمرّة الأولى في تاريخ الكويت السياسي، تمّ إسناد حقيبة الخارجية إلى وزير من خارج الأسرة الحاكمة، هو السفير عبدالله اليحيا، خلفاً للشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح، في مؤشّر إلى أنّ رئيس الوزراء (الذي شغل منصب وزير الخارجية لحوالي 10 سنوات بين 2001 و2011) يريد قيادة الدبلوماسية بطريقة غير مباشرة، في خضمّ الغليان الذي تعيشه المنطقة ويستوجب ضرب سور حول الكويت لحمايتها من الارتدادات والتداعيات الخطيرة.

– انخفاض أعداد الشيوخ من الأسرة الحاكمة، حيث ضمّت الحكومة الجديدة اثنين فقط إلى جانب رئيسها، بعدما كان العدد يصل إلى 4 أو 5 في العادة، وهو ما يشي بالرغبة في فتح الباب أمام الخبراء والمتخصّصين من خارج بيت الحكم، وتعزيز المشاركة الشعبية.

– شهدت الحكومة تغييرات شاملة، إذ غادرها 10 وزراء، ولم يعد من سابقتها سوى 3 وزراء، وهو أمر نادر في حكومات الكويت التي تميل عادة إلى التغيير التدريجي.

المشهد الجديد

سريعاً، بدأت ملامح المشهد السياسي بالظهور، من خلال خطاب أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الذي حدّد عنوان المرحلة بـ”الإصلاح والتطوير”، وأساسيّاتها بـ”إعادة دوران حركة التنمية” (في مؤشّر إلى القناعة بأنّها كانت متوقّفة فعليّاً) و”تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع الحيوية”، مطالباً بالعمل وفق “خطة محدّدة الأهداف ذات برنامج زمني”.

جاء كلام رئيس الوزراء بعد أداء اليمين الدستورية، وحمل عناوين “برنامج العمل”، متوائماً ومتناغماً مع توجيهات الأمير، إذ تحدّث عن “نهج جديد” في “مرحلة بالغة الدقّة”، يقوم على “ترسيخ الهويّة الاقتصادية الجديدة” و”إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية” و”معالجة منظومة التعليم والخدمات الصحية، وفق منهج عصري”.

في إشارة إلى ما يحمله القادم من الأيام، برز الحديث عن التعاون مع السلطة التشريعية لكن ضمن “ضوابط” يبدو أنّها ستُنهي الحقبة السابقة التي “سيطر” فيها مجلس الأمّة على الحكومة، وراح يُملي عليها التوجّهات والخطط والقوانين والتشريعات.

في هذا السياق، دعا الأمير الحكومة إلى ترسيخ التعاون مع السلطة التشريعية لإقرار القوانين، بيد أنّه قَرَنه بـ”مراعاة الثوابت والعدالة الاجتماعية”، و”الالتزام بأحكام الدستور” التي تحكم العلاقة بين السلطتين.

حذا حذوه رئيس الوزراء الذي وصف النواب بـ”الشركاء في تحمّل المسؤولية الوطنية”، مؤكّداً “التعاون البنّاء” معهم، لكن “وفق الأطر الدستورية والثوابت البرلمانية الراسخة”.

تؤكد مصادر مطّلعة أنّه بعد كلام الأمير عن “تورّط” الحكومة ومجلس الأمّة في صفقة تبادل منافع ومصالح، رحلت الأولى سريعاً وبقي الثاني حتى الآن، لكنّ استمراريّته غير مضمونة، وهو مُرشّح لـ”الحلّ” في الأشهر القليلة المقبلة، تمهيداً لانتخابات مبكرة

خيارات البرلمان

صحيح أنّ الحكومة الجديدة لم تجد، كسابقتها، عشرات عبارات التأييد من النواب بُعيد تشكيلها، لكنّها أيضاً لم تتعرّض للنقد الحادّ، إذ بدا أنّ المجاميع النيابية المؤثّرة تريد إعطاء فرصة لـ”استكشاف” الوضع السياسي، ومعرفة توجّهات الحكومة ومدى إمكانية “تعايشها” مع برلمان يضمّ غالبية نيابية كانت معارضة قبل حكومات أحمد النواف الثلاث الأخيرة، وأصبحت معه موالية، لسببين رئيسيَّين:

– الأوّل وجود الشيخ أحمد الفهد في صفوفها، وهو الذي يتمتّع بنفوذ على عدد كبير من النواب، قد يصل إلى نحو نصف أعضاء مجلس الأمّة.

– الثاني أنّ تلك الحكومات كانت “سهلة الانقياد” معها، وهو ما عبّر عنه الأمير صراحة في خطاب تنصيبه، الشهر الماضي، باتّهامه السلطتين بأنّهما “تعاونتا واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد”، وأبرمتا “صفقة تبادل مصالح ومنافع على حساب مصالح الوطن والمواطنين”.

تشير المعطيات الأوّلية إلى أنّ رائحة النَفَس المُعارض بدأت تفوح مجدّداً من الغالبية، حيث شرع عدد من النواب في الآونة الأخيرة في فتح ملفّات وتوجيه أسئلة برلمانية عن قضايا كانت “نائمة” في الآونة الأخيرة، وكأنّها “تحمية” للمرحلة المقبلة التي تحمل كلّ أمارات الصدام والمواجهة، وصولاً إلى “تجهيز الخيام”، أي المقارّ الانتخابية.

حلّ البرلمان في الربيع؟

تؤكد مصادر مطّلعة أنّه بعد كلام الأمير عن “تورّط” الحكومة ومجلس الأمّة في صفقة تبادل منافع ومصالح، رحلت الأولى سريعاً وبقي الثاني حتى الآن، لكنّ استمراريّته غير مضمونة، وهو مُرشّح لـ”الحلّ” في الأشهر القليلة المقبلة، تمهيداً لانتخابات مبكرة.

إقرأ أيضاً: الكويت: رئيس حكومة “هارفرد”… خوفاً من مصير “ناورو”

يعزّز هذا الاعتقاد، من وجهة نظر مراقبين، تشكيلة الحكومة الجديدة التي يغلب عليها طابع “المؤقّت”، على اعتبار أنّها غير مكتملة (فيها حقيبتان بالوكالة بينهما وزارة الداخلية) وأنّه لا يوجد فيها نائب أوّل لرئيسها، وكأنّها مُصمّمة لـ”تقطيع مرحلة” قبل الذهاب إلى انتخابات جديدة، يضرب البعض موعداً لها بين الربيع والصيف المقبلين (بعد رمضان أو في حزيران).

برأي المراقبين، فإنّ قسماً كبيراً من النواب لن يستطيع “هَضم” ضوابط المشهد السياسي الجديد، وسيذهبون عاجلاً إلى التصعيد للعودة إلى صفوف المعارضة، وبناء شعبية مجدّداً، بالنظر إلى أنّ تجربتهم مع الحكومة السابقة أفقدتهم الكثير من الزخم والأصوات في قواعدهم. وجاء كلام الأمير عن الصفقات والتنفيعات في غير مصلحتهم تماماً، وبالتالي لا مصلحة لهم بخوض الانتخابات قبل إيجاد “مادّة” شعبوية ينطلقون منها، يُرجّح أن يكون عنوانها “معارضة الحكومة الجديدة”.

مواضيع ذات صلة

2024: زلزال دمشق وصحوة الإسلام السّنّيّ

شهد عام 2024، في قلب وعقل الإسلام العربي السنّي، صحوة على القضيّة الفلسطينية قادتها حماس و”الحزب”، وأفادت منها إيران، لكنّها خلّفت إحباطاً كبيراً بعد شهورها…

فلسطين: نكسة 2024.. 2025 القضية مستمرّة..

ساد قولٌ لا أساس له من الصحّة، مفاده أنّ عملية طوفان الأقصى أحيت القضية الفلسطينية، بعدما لفظت أنفاسها وأصبحت نسياً منسيّاً. ازدهر هذا القول حين…

“الزّلزال الشّيعيّ”: الفالق في طهران والدمار في لبنان

“طوفان الأقصى”، في غزة، يحرّر سوريا من إيران، في 11 يوماً فقط، وبطريقة صادمة ومؤلمة لمحور المقاومة، وللهلال الشيعي خاصة. فكانت ضربتان قاصمتان: الأولى، سقوط…

واشنطن براغماتيّة وليس الجولاني

حين يتسلّم الرئيس ترامب سدّة الرئاسة في 20 كانون الثاني لن يكون أمام إدارته اتّخاذ قرار بالتواصل مع هيئة تحرير الشام لأنّ الإدارة الحالية سارعت…