الرسالة وصلت.. الأسد يستبعد مملوك

مدة القراءة 6 د


تعتقد مصادر دبلوماسية غربية أنّ سوريا ربّما تكون على رادار التحوّلات الجاري ترتيبها لما بعد الحرب ضدّ قطاع غزّة. وتضيف أنّ السكون الدبلوماسي بشأن أيّ تسويات سياسية محتملة، تقابله حيوية عسكرية وأمنيّة ناشطة وكامنة تشمل كلّ الدول المنخرطة أو المهتمّة بالشأن السوري. وتدعو هذه المصادر إلى قراءة التغييرات التي طرأت على قيادة الأجهزة الأمنيّة السورية تحت مجهر تلك الترتيبات ووظيفة نظام دمشق داخلها.
لا تجازف المصادر في إعطاء رواية نهائية عن صيغة هذه الترتيبات وخرائطها. لكنّها تدعو إلى تأمّل قرار جماعي دولي، أميركي إسرائيلي خصوصاً، وربّما بتواطؤ روسيا وحتى نظام دمشق، في التعامل جدّياً مع حضور إيران وهياكل نفوذها داخل سوريا.
تتقاطع أجواء هذه المصادر مع معلومات نُقلت عن دوائر قريبة من وزارة الخارجية البريطانية بشأن مراقبة الضربات العسكرية النوعية التي وجّهتها إسرائيل إلى أهداف إيرانية طالت “رؤوساً كبرى” في الحرس الثوري الإيراني، فيما اعتادت إسرائيل قبل ذلك أن تصيب أهدافاً تابعة للميليشيات الموالية لطهران أو بنى تحتية عسكرية ثابتة أو متحرّكة، بما في ذلك مطار دمشق وأيّ مطارات يشتبه في استقبالها شحنات أسلحة واردة من إيران.
على الرغم من ارتفاع حالة التبرّم داخل الاتحاد الأوروبي بشأن الحرب التي تشنّها إسرائيل في غزّة، وعلى الرغم من تنامي الحديث عن خلاف وتوتّر في علاقة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بشأن مستقبل هذه الحرب وضرورة خفض مستوياتها، غير أن لا شيء صدر عن واشنطن وبقيّة العواصم الغربية الحليفة يعبّر عن قلق ممّا قد تتسبّب به الضربات الإسرائيلية التقليدية منها أو الجراحية النوعية المستجدّة في سوريا من زعزعة لأمن المنطقة واستقرارها.

تعتقد مصادر دبلوماسية غربية أنّ سوريا ربّما تكون على رادار التحوّلات الجاري ترتيبها لما بعد الحرب ضدّ قطاع غزّة

شراكة دوليّة إسرائيليّة بالاغتيالات
في هذا الصدد تجزم المصادر أنّ أجهزة استخبارات متعدّدة تشارك الأجهزة الإسرائيلية في توفير المعلومات التي قادت إلى قيام إسرائيل باغتيال رضى موسوي، أحد كبار مستشاري الحرس الثوري الإيراني في 25 كانون الأول الماضي في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، كما اغتيال 5 ضبّاط في الحرس الثوري، بينهم مسؤول الاستخبارات في فيلق القدس بسوريا صادق أوميد زادة الملقّب بـ”حاج صادق” ونائبه في منطقة المزّة بدمشق في 20 من الشهر الجاري. ويصف خبراء “حاج صادق” بأنّه صيد ثمين بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة لأنّه كان يعتبر “خليفة” قاسم سليماني والمشرف على عمل الميليشيات في العراق وسوريا ومناطق نفوذ إيرانية أخرى.
لا تستبعد هذه المصادر استفادة الأجهزة الإسرائيلية من خدمات استخبارية تُقدّم من داخل النظام في دمشق، وقد تحدّثت مصادر في طهران علناً عن الأمر. كما تذكّر هذه المصادر أنّ روسيا قد لا تكون بعيدة عن خطط لضرب النفوذ الإيراني في سوريا، خصوصاً أنّ اتّهامات كانت كيلت لموسكو قبل سنوات من داخل الجمهورية الإسلامية بغضّ طرف موسكو على الأقلّ عن أنشطة إسرائيل العدائية، إن لم يكن ضلوعها فيها.
الجدير هنا ملاحظة أنّ كلّ الجهود الأميركية لعدم توسيع رقعة الحرب في المنطقة، لا سيما على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لم تشمل تعبير وزيرَي الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي ومدير وكالة المخابرات المركزية عن أيّ تحفّظ على أنشطة إسرائيل داخل سوريا، وكأنّ ضوءاً أخضر ما زالت إسرائيل تحظى به في هذا البلد من عواصم الغرب وشرقها.
لاحظ مراقبون للشأن السوري أنّ تسريب معلومات في دمشق في 18 من الشهر الجاري عن تفاهمات جرت مع طهران لوقف شحن الأسلحة الإيرانية عبر المطارات السورية، يمثّل إقراراً من قبل العاصمتين بضراوة الخسائر التي أنزلتها الضربات الإسرائيلية بشحنات الأسلحة والمطارات معاً. لكنّ الأمر يمثّل أيضاً إذعاناً للأمر الواقع الإسرائيلي الذي بدا مدعوماً غربياً ومستفيداً من “عدم ممانعة” من قبل روسيا. كما يضمّ هذا التفاهم، بغضّ النظر عن مصداقية ما أُعلن، تعهّدات تقدّمها دمشق ليست بعيدة عن المطالب العربية التي اشترطت مساهمة دمشق في تخفيف النفوذ الإيراني لتعزيز جهود تطبيع العلاقات معها.

الرسالة وصلت للأسد
كانت منابر من داخل الأردن قد اتّهمت في الأسابيع الأخيرة إيران بالوقوف وراء ميليشيات تهريب المخدّرات التي صعّدت من “حربها” المهدِّدة لأمن المملكة على حدودها مع سوريا. وتتحدّث الاتّهامات الأردنية بلسان جيران الأردن في السعودية والخليج الذين لم يلاحظوا جهداً حقيقياً من دمشق في اتجاه اتّخاذ موقف لتقليص السطوة الإيرانية في سوريا. وعلى الرغم من هممٍ قامت بها دول عربية باتجاه التقارب مع دمشق، غير أنّ تراجع إيقاع هذا التقارب وتأخّر عودة سفراء هذه الدول إلى العاصمة السورية يعودان إلى أزمة ثقة بشأن إرادة أو قدرة الرئيس السوري بشار الأسد على إحداث فارق في هذا الملفّ.
يدعو المراقبون للشؤون السورية إلى عدم استبعاد ما أُعلن في 18 من الشهر الجاري عن تغييرات أحدثها الرئيس السوري على رأس أجهزة المخابرات السورية، بما في ذلك تسمية “الرجل القوي” اللواء علي مملوك نائباً للرئيس بدلاً من رئاسة مكتب الأمن الوطني، من ضمن الترتيبات المرتبطة بما بعد غزّة. وعلى الرغم من أنّ التأويلات بشأن الأمر ما زالت غامضة، غير أنّ ترجيحات رأت في “تغييب” مملوك الذي كان مسؤولاً عن ملفّ العلاقات مع دول عربية، منها السعودية والإمارات ومصر، محاولة لطيّ صفحة مرحلة تقادمت وتحتاج إلى مقاربة جديدة، ناهيك من أنّ الرجل موضوع على لوائح العقوبات الدولية وملاحَق في محاكم فرنسا.

إقرأ أيضاً: تحلُّل سوريا الأسد

إذا ما كانت التغييرات الأمنيّة أعادت توزيع وجوه أمنيّة معروفة من دون أن تأتي بوجوه جديدة تعبّر عن الشروع في إصلاحات جدّية، غير أنّه يجب النظر إلى الأمر أيضاً من زاوية النفوذ المتنافس بين طهران وموسكو لجهة تأثيره على أيّ تبدّل في موازين القوى داخل هيكل النظام. والظاهر أنّ قرارات الأسد الأمنيّة هي مقدّمة لسلسلة تدابير تحضّر سوريا لموجات ما بعد غزّة.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: mohamadkawas@

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…