الإثنين الفائت، استهدفت جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) سفينة حاويات تديرها شركة أميركية بصاروخ باليستي مضادّ للسفن أطلقته الجماعة، وذلك في أوّل ردّ حوثيّ على استهداف قواعد عسكرية لها على يد الأميركيين والبريطانيين… ويبدو أنّ الردود ستتوالى، لكن من ستستهدف الجماعة إضافة إلى الأميركيين والبريطانيين؟ هل ستعرّض الجماعة تفاهماتها مع دول المنطقة، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، للخطر؟ إلى أيّ حدّ هم جدّيون في التهديدات؟ وما مدى تأثير الإيرانيين على قراراتهم؟
يعتبر عامر أنّ “الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب كانت آمنة قبل نشر الولايات المتحدة وبريطانيا قصة كاذبة لتتمكّن من ضربنا وحماية السفن الإسرائيلية”
“حارس الازدهار”… أم حارس إسرائيل؟
يؤكّد نائب رئيس الهيئة الإعلامية لجماعة الحوثي نصرالدين عامر قائلاً في حديث خاص لـ”أساس” إنّ لجماعة الحوثي، اليوم، هدفين:
1- دعم الشعب الفلسطيني من خلال الاستمرار بعدم السماح بمرور أيّ سفن متوجّهة إلى إسرائيل من خلال استهدافها.
2- مستجدّ وهو البدء بعملية موازية من أجل “الانتقام من الأميركيين والبريطانيين ردّاً على مهاجمتهم لنا”.
يكشف عامر أنّ الردّ على الأميركيين والبريطانيين آتٍ في المستقبل (حصل بالفعل بعد ساعات). أمّا عن بقيّة الدول المشاركة في “حارس الازدهار” الذي شكّلته واشنطن من أجل حماية الملاحة في البحر الأحمر (البحرين تحديداً) فيقول إنّ معلومات جماعة الحوثي الدقيقة تشير إلى أن “لا أحد سوى واشنطن ولندن شارك في تلك الضربات… وحتى مشاركة البريطانيين كانت متواضعة”.
يضيف عامر أنّ “بعض هذه الدول تواصلت معنا وأخبرتنا بأنّها لا تريد التورّط، لكنّها خائفة على سفنها التجارية أو ذُكرت أسماؤها ضمن التحالف من دون علمها”.
مستعدون لتوقيع السلام..
لدى سؤاله عن مصير اتفاقية الهدنة التي وُقّعت في نيسان عام 2022 مع الحكومة اليمنية والسعوديين من أجل وقف الأعمال الحربية، وبالتالي سمحت بدخول المساعدات ودفع رواتب الموظفين العموميين حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي، يقول: “هذا أمر بيننا وبين المملكة العربية السعودية. لا نريد أن تؤثّر هذه الحرب على العلاقة مع الرياض، ونتمنّى ألّا تربط المملكة الملفّين ببعضهما. نودّ مواصلة الحوار مع المملكة، ونحن مستعدّون لتوقيع السلام”.
تقول واشنطن إنّ تدخّلها في باب المندب ضدّ الحوثيين هو لحماية سلاسل التوريد وسلامة الملاحة في البحر الأحمر، بينما تردّ جماعة الحوثي المدعومة من إيران بأنّ الملاحة بخير، وأنّها لا تستهدف إلّا السفن الإسرائيلية أو تلك المتوجّهة إلى إسرائيل
أمّا إن كانت ثمّة إشارات تصدر من الرياض تشير إلى رغبتها في إعادة النظر بالاتفاق أو إلى تأثير الحرب عليه، فيعترف عامر بأنّ “ثمّة تأخيراً في دفع الأموال”، لكنّه يؤكّد في المقابل أنّ “الرياض لم تربط بين الأمرين بشكل رسمي، وتقول إنّها مستعدّة للمضيّ قدماً في اتفاق السلام”، لكنّه في المقابل يقول: “إذا انتهى الأمر بالرياض إلى إلغاء الهدنة… عندها سنراجع مواقفنا”.
تفوّق جغرافيّ حوثيّ
عن حجم الضرر الذي تسبّبت به الضربات الأميركية – البريطانية لمواقع جماعة الحوثي، يؤكّد عامر أنّ الضربات استهدفت قواعد قديمة استخدمها الحوثيون خلال الحرب مع الجيش السعودي والتحالف الدولي، ولم يتمّ استهداف أيّ موقع جديد. كما أنّ هذه الضربات لم تؤثّر على قدرات الجماعة على الإطلاق. ويضيف: “لدينا ميزة الجغرافيا تجعلنا نتفوّق على العدوّ. نحن في أرضنا، وعلى سواحلنا وجبالنا التي نعرفها ونستطيع أن نختبئ فيها، بينما العدو في البحر وليس لديه ما يحجبه أو يخفيه. لا نخشى نفاد الأسلحة لأنّنا نعرف كيف نصنعها”.
ثمّ يتابع: “نصنّع أسلحتنا بالكامل في اليمن، حيث لدينا مجموعة كبيرة من المسيّرات بعديد من التخصّصات. كما لدينا صواريخ أرض جو أو أرض سطح أو بحريّة. لكنّ ميزتنا الأخرى التي تتفوّق على الجغرافيا والتسلّح هي البعد الأخلاقي للقضية الفلسطينية. نحن نحاول وقف الإبادة الجماعية التي ترفض الولايات المتحدة وبريطانيا وقفها ويريدان استمرار تجويع الفلسطينيين”.
لدى سؤاله إن كانت الجماعة تخشى حصارها مجدّداً، يقول: “لقد كنّا تحت الحصار لمدّة تسع سنوات، وإذا عادوا إلى الحصار، فهم بذلك يقودوننا إلى المزيد من التصعيد. من يحاصرنا فسنضربه. سنعتبر ذلك إعلان حرب، فلا يظنّنّ أحد أنّنا سنواجه الحصار بالحوار أو اللقاءات الدبلوماسية: الحصار يعني الحرب”.
عن الالتفاف الشعبي حول ما تقوم به الجماعة، يقول عامر إنّ اليمنيين لم يكونوا مجمعين على أيّ قضية منذ عام 2011. “نحن منقسمون في كلّ شيء، لكنّنا الآن متّحدون ضدّ إسرائيل للدفاع عن غزة. حتى أولئك الذين قتلونا في الحرب الأهلية يدعموننا الآن. وحتى المعارضون لنا في الداخل والخارج اليمني أصدروا بيانات مباركة. بل حتى الآن لم نحقّق كلّ ما يطمح إليه اليمنيون في الدفاع عن غزة”.
إقرأ أيضاً: كنعان لـ”أساس”: الحكومة لا تريد موازنة..
نحن أقرب إلى الفلسطينيّين من طهران
أمّا عن التنسيق بين الجماعة وبين إيران واتّهامهم بتلقّي التعليمات من طهران، فقال عامر إنّ “فلسطين محتلّة من إسرائيل قبل أن تبدأ علاقتنا مع إيران، وكذلك قبل أن تولد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. الفلسطينيون يعانون منذ 75 عاماً، ونحن دولة عربية وإسلامية، بينما إيران دولة إسلامية وغير عربية. لذلك نحن أقرب إلى الفلسطينيين من الإيرانيين. نحن معنيون بمساعدة الفلسطينيين أكثر من انتظار الأوامر من إيران، خصوصاً أنّ الإبادة التي ترتكبها إسرائيل تثير غضب العالم… فهل تريدوننا أن ننتظر الموافقة الإيرانية حتى نغضب كبقيّة شعوب العالم من إسرائيل؟ أمّا التقاطع بيننا وبين طهران فهو بسيط للغاية: ننطلق من المبادىء الأخلاقية نفسها، ونحن أمّة واحدة. حتى لو طلبت منّا طهران اليوم وقف هذه العمليات فلن نفعل. علينا أن نساعد الأشقّاء الفلسطينيين”.
في الختام، يعتبر عامر أنّ “الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب كانت آمنة قبل نشر الولايات المتحدة وبريطانيا قصة كاذبة لتتمكّن من ضربنا وحماية السفن الإسرائيلية”. ويضيف “هناك عشرات الآلاف من السفن تمرّ عبر المضيق دون أيّ هجوم من جانبنا. أمّا اليوم، بعد عسكرة البحر الأحمر على يد الأميركيين وحلفائهم، فسيزداد التضخّم حول العالم، وسيكون ذلك بسبب الولايات المتحدة لا بسبب الحصار الذي نفرضه على السفن الإسرائيلية… وهنا أخطأت واشنطن، فبدلاً من وقف الحرب الإسرائيلية ضدّ غزة، أرادت فتح جبهة جديدة أخرى”.
يُذكر أن وزارة الخارجية الاميركية أعادت اليوم تصنيف الحوثيين “جماعة إرهابية عالمية”، وذلك في قرار يسري بعد 30 يوماً من الآن. وقالت الوزارة في بيان أنّه خلال مدة الثلاثين يوماً قبل نفاذ القرار “ستجري الإدارة الأميركية تواصلاً واسع النطاق مع الأطراف المعنية، ومقدمي المساعدات، والشركاء المهمين لتسهيل المساعدة الإنسانية والاستيراد التجاري للسلع الضرورية في اليمن”.
وبذلك تكون إدارة الرئيس جو بايدن قد تراجعت عن قرار اتخذته في بداية فترة رئاسته بحذف الحوثيين من القائمة. كما أنّ تصنيف الحوثيين كـ”منظمة إرهابية عالمية”، أقل حدّة من تصنيفهم منظمة إرهابية أجنبية، إذ يمكن إلغاؤه “في حال أوقف الحوثيون هجماتهم” بحسب ما أكد مسؤول أميركي كبير للصحافيين. وتحت التصنيف الجديد ستُجمّد جميع أصول الأفراد والكيانات المدرج ضمن الولاية القضائية للولايات المتحدة، وسيُمنع الأميركيون من المشاركة في أيّ معاملات مالية أو تجارية معهم.
لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@