قدّمت القوى المسيحية عروضاً متنوّعة في “فنّ” التعاطي النيابي مع التشريع في ظلّ الشغور الرئاسي: شارك “التيار الوطني الحر” في جلسة التمديد للمجالس البلدية وقاطعتها “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وقوى المعارضة، ثمّ أمّنت “القوات” والكتائب والمعارضة المسيحية الميثاقية المسيحية لجلسة التمديد لقائد الجيش وقاطعها “التيار”، وغالب الظنّ أنّ كلّ القوى المسيحية ستجتمع يوم غد والخميس، بينها التيار والقوات، تحت قبّة البرلمان للنقاش وإقرار موازنة 2024 تحت عنوان تشريع الضرورة.
لكنّ إعلان محطة “أو تي في” مساء الأحد عن تقدّم تكتّل لبنان القويّ لمجلس النواب باقتراح قانون مُعجّل مُكرّر بالموازنة العامّة بالصيغة التي أقرّتها لجنة المال والموازنة، “على أن تُناقش على أساس ذلك مسألة مشاركته من عدمها في جلسة الهيئة العامّة”، أعاد خلط الأوراق واستدعى موقفاً اعتراضياً من جانب رئاسة المجلس بالحديث عن “سابقة” لم يشهدها مجلس النواب قَطّ.
تقدّم نواب “التيار الوطني الحر” أمس بالاقتراح المعجّل المكرّر استباقاً لجلستَي يومَي الأربعاء والخميس، ومن ضمن الموقّعين النائب جبران باسيل.
لكنّ الاقتراح العوني، بتأكيد مصادر نيابية، مخالف للدستور الذي ينصّ على آليّة واضحة لإعداد الحكومة مشروع قانون الموازنة وإرساله إلى مجلس النواب، بعد تشريحه على طاولة لجنة المال والموازنة، ولمجلس النواب أن يقرّه أو يسقطه، واللافت أنّ من ضمن تكتّل لبنان القوي من يجزم أنّ “الموازنة العامّة لا يمكن أن ترسل إلى مجلس النواب باقتراح قانون موقّع من نواب. وهذه سابقة غير مألوفة في تاريخ البرلمانات المتعاقبة”.
ثمّة من يؤكّد أنّ باسيل مُحرَج بمشاركته في جلسة إقرار موازنة وصلت إلى البرلمان من حكومة نجيب ميقاتي الفاقدة، برأيه، للشرعية الدستورية والمستولية على صلاحيات رئيس الجمهورية
في المقابل، ثمّة من يؤكّد أنّ باسيل مُحرَج بمشاركته في جلسة إقرار موازنة وصلت إلى البرلمان من حكومة نجيب ميقاتي الفاقدة، برأيه، للشرعية الدستورية والمستولية على صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي موازنة غير موقّعة من 24 وزيراً، ولذلك أتى الاقتراح الباسيليّ المرفوض بالكامل من الرئيس نبيه بري ليؤمّن غطاءً للمشاركة في الجلسة. مع ذلك، ثمّة من يُلمّح إلى احتمال حصول تنسيق من تحت الطاولة بين باسيل وبرّي يفضي بالنهاية إلى تأمين المظلّة لمشاركة تكتّل لبنان القوي في الجلسة، وهو أمرٌ محسوم، بتأكيد مطّلعين.
على الضفة العونية، وضع النائب سليم عون في تصريح إعلامي أمس ثلاثة احتمالات: “إمّا المشاركة والمناقشة، وإمّا المشاركة واتّخاذ موقف وتسجيله، وإمّا عدم المشاركة في الجلسة”، مشيراً إلى أنّ تقديم اقتراح القانون المعجّل المكرّر هو “تغيير في الشكل وليس في المضمون، لكنّه من موقع الحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية”.
كنعان لن يشارك؟!
في السياق نفسه، يتوقّف مواكبون لجلسة الموازنة أمام ربط باسيل بين تقديم اقتراح القانون المُعجّل المُكرّر بالموازنة بالصيغة التي أقرّتها لجنة المال والموازنة وبين مشاركة التكتّل أو عدمها في جلسة الهيئة العامّة، وهو ربط غير منطقي أيضاً يفتح الباب أمام مشهد سوريالي بسبب عدم مشاركة رئيس لجنة المال والموازنة نفسه النائب إبراهيم كنعان المنتمي، في الشكل، إلى الفريق السياسي لجبران في جلسة كبّدت رئيسها والأعضاء ورشة كبيرة لإدخال التعديلات على الموازنة “المسخ”، ومع ذلك بقيت من دون رؤية اقتصادية واجتماعية وإصلاحات ضريبية مع افتقارها إلى الشمولية وتشبّعها بالعشوائية، وستكبّد اللبنانيين ما لا طاقة لهم على تحمّله من ضرائب ورسوم استحدثت خلافاً للقانون. وعلى الرغم من الكوارث التي لحقت بالمواطنين من جرّاء “الشتوة” الأخيرة، وما سبقها من نكبات، تبيّن أنّ الموازنة لم تخصّص النفقات اللازمة لصيانة الطرقات، وهذا ما عَكَسه النداء الطارئ لوزير الأشغال علي حمية.
كما تبيّن من تقرير لجنة المال والموازنة أنّها ألغت 47 مادّة من أصل 133 تتضمّنها الموازنة ، وعدّلت 73 منها، وأقرّت 14 مادة كما وردت من الحكومة وأضافت 8 موادّ. وسيُتّخذ القرار الرسمي للتكتّل في شأن المشاركة في جلسته اليوم.
تقدّم نواب “التيار الوطني الحر” أمس بالاقتراح المعجّل المكرّر استباقاً لجلستَي يومَي الأربعاء والخميس المقبلين، ومن ضمن الموقّعين النائب جبران باسيل
فيما كان النائب سليم عون، بإيعاز من القيادة الحزبية، يضع احتمال عدم المشاركة في جلسة مناقشة وإقرار الموازنة في الواجهة، كان زميله في “التيار الوطني الحر” النائب سيمون أبي رميا يتمنّى “حضور جميع النواب الجلسة العامّة لمناقشة وإقرار الموازنة بعيداً عن المزايدات الشعبوية والمماحكات الحزبية لما في ذلك من مصلحة للشعب اللبناني وكي لا نضطرّ إلى العودة إلى الموازنة التي رفعتها الحكومة بمرسوم والتي يمكن وصفها بالجريمة في حقّ المواطن”. بالتأكيد لم يكن أبي رميا يقصد “القوات” التي سلّمت منذ البداية بضرورة المشاركة في جلسة إقرار الموازنة بوصفها مسألة دستورية ومرتبطة بشكل وثيق بمسألة الانتظام المالي ولتجنّب إقرارها “بصيغتها الكارثية التي وردت من الحكومة”.
أمّا النائب آلان عون فقد أكّد في تصريحات سابقة له أنّ “الموازنة ترتدي طابع أكثر من تشريع الضرورة، ولجنة المال، الذي هو أحد أعضائها، قامت بواجباتها لتصحيحها، والترجمة تأتي في الجلسة التشريعية لقطع الطريق أمام إصدارها بمرسوم من قبل الحكومة”.
إقرأ أيضاً: هل انتهى عصر “المكاسب” لباسيل؟
الموازنة بمرسوم؟
يُذكر أنّ المادّة 120 من النظام الداخلي لمجلس النواب تفيد بالآتي: “إذا لم ينتهِ المجلس من درس وإقرار الموازنة بنهاية دورة تشرين الأول يدعو رئيس الجمهورية المجلس فوراً لدورة استثنائية لمتابعة درس الموازنة تستمرّ حتى آخر كانون الثاني. فإذا انتهت الدورة الاستثنائية هذه ولم يفرغ المجلس من إقرار الموازنة بصورة نهائية، جاز لرئيس الجمهورية أن يضع مرسوماً بموافقة مجلس الوزراء من شأنه جعل مشروع الحكومة كما قدّمته مَرعياً ومعمولاً به شرط أن تكون الحكومة أودعت قلم المجلس مشروعها كاملاً قبل بداية العقد بخمسة عشر يوماً على الأقلّ”. وهو ما يقتضي في هذه الحال صدور المرسوم عن حكومة تصريف الأعمال التي تمارس راهناً صلاحيات رئيس الجمهورية.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@