استذكر رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك) رونين بار الردّ الإسرائيلي على “عملية ميونيخ” عام 1972، وذلك في معرض كلامه عن خطة إسرائيل لـ”ملاحقة كلّ من هو متورّط بعملية 7 أكتوبر (تشرين الأوّل)”.
يومها وضعت إسرائيل عمليّتها تحت مسمّى “يوم غضب الربّ”، فلاحقت كلّ من اعتقدت أنّهم متورّطون في عملية استهداف الإسرائيليين في ميونيخ. وطالت عمليات الاغتيال بلاداً عديدة، منها إيطاليا وفرنسا واليونان ولبنان. فنجحت إسرائيل في اغتيال عدد كبير من القياديين الذين خطّطوا للعملية. لكنّها فشلت في استهداف أبرزهم: أبي داوود.
آخر الرسائل إلى إيران عبرت سوريا ووصلت إلى عمق الجمهورية الإسلامية، لتقول إنّ التسوية لم تكتمل بعد بانتظار مزيد من التنازلات لضمان أمن إسرائيل
نيلي: خلود إسرائيل لن يكذب
يبدو اليوم المشهد نفسه بعد عملية 7 أكتوبر التي افتتحت مرحلة جديدة في القضية الفلسطينية وفي المنطقة على حدّ سواء. فما هو السقف الذي تريده حماس من هذه العملية وهي أصبحت تعلم، وحلفاؤها يعلمون جيّداً، أنّ جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، “الشين بيت” (الشاباك)، أنشأ وحدة جديدة دعيت “نيلي”، وهو اختصار باللغة العبرية يُترجم إلى “خلود إسرائيل لن يكذب”. وهو اسم تبنّته شبكة جواسيس يهود، عملت لمصلحة المخابرات البريطانية في حربها ضدّ الإمبراطورية العثمانية في فلسطين، أثناء الحرب العالمية الأولى. وهدف هذه الوحدة هو التعرّف عبر التقنيات الذكية على كلّ الأشخاص الذين شاركوا في عملية “طوفان الاقصى” لاغتيالهم، بمن فيهم المدنيون الذين دخلوا المستوطنات.
إلاّ أنّ هذه المرّة، لا تقتصر عملية انتقام إسرائيل على إجراء عمليات الإغتيال بل تتعداها إلى محاولة نتانياهو تصفية القضية الفلسطينية بفرض سلطته على إسرائيل “من البحر إلى النهر” عبر إحتلال قطاع غزة وفرض عملية الترانسفير.
عليه، لم يكن مفاجئاً اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، لكنّه في مكانه وزمانه بالغ الدلالات.
رسائل تل أبيب من اغتيال العاروري
وجّهت تل أبيب رسائلها إلى الداخل والخارج بعد إعلانها أنّها لم تبلّغ واشنطن بالعملية إلا أثناء القيام بها:
– إلى الداخل الإسرائيلي: لكي يحاول نتانياهو أن يستعيد ما فقده في 7 أكتوبر، متوجّهاً للرأي العام الإسرائيلي بأنّه قادر على الانتقام في عقر دار الحزب.
– وإلى الحزب: ليقول إنّه يستطيع أن يصل إلى عمق الضاحية الجنوبية لبيروت وأن يخترق استخباراتها، وأن يستهدف شقّة محدّدة في مبنى سكنيّ مموّه على أنّه مدني، وأن يستهدف بمجموعة خاصة الشخصية المطلوبة، من دون أيّ ضرر آخر.
– وإلى الولايات المتحدة الأميركية: ليقول لها إنّه غير ملتزم بأيّ خطوط حمر معها. فعلى الرغم من الضوء الأخضر الأميركي الذي أُعطي لنتانياهو في حربه على غزة، إلا أنّ مسار الحلّ الذي تعمل عليه واشنطن في الوصول إلى عدم توسّع الحرب مع لبنان وتطبيق حلّ أمني على الحدود والوصول إلى حلّ سياسي مع الفلسطينيين، لا يتقاطع مع بدء عمليات اغتيال قد تطيح بما يُعمل عليه في الأروقة للوصول إلى حلّ “في اليوم التالي” بعد الحرب. وبالتالي فإنّ العمل المقبل على الساحة اللبنانية سيكون في محاولة فصل الاشتباك الفلسطيني – الإسرائيلي عن الحرب مع لبنان، في محاولة لتطويق تداعيات عملية الاغتيال.
يعني كلّ ذلك أنّ نتانياهو لن يتوقّف عن محاولة استهداف الشخصيات المشاركة في عملية “طوفان الاقصى” إلى حين اغتيالها، أينما كانت وفي أيّ عاصمة باستثناء بعض العواصم الحسّاسة كالدوحة وأنقرة.
لكنّ رغبة نتانياهو هذه تسابق الوقت لأنّ قطار المفاوضات في الأروقة انطلق لمحاولة إنضاج حلول أمنيّة ستضع نتانياهو أمام معادلات ردع جديدة حتماً.
نتانياهو لن يتوقّف عن محاولة استهداف الشخصيات المشاركة في عملية “طوفان الاقصى” إلى حين اغتيالها، أينما كانت وفي أيّ عاصمة باستثناء بعض العواصم الحسّاسة كالدوحة وأنقرة
هذه المعادلات بدأت تعلن عنها صراحة العواصم الغربية والعربية معاً، عبر استنكار عملية اغتيال العاروري من جهة وعبر رفض عملية الترانسفير من جهة ثانية والقضاء بالتالي على القضية الفلسطينية. لا بل بدأت تتشكل علناً مجموعة ضغط دولية لحل النزاع في المنطقة لمرّة أخيرة وإعطاء الفلسطينيين حقهم في قيام دولة فلسطينية رغم السياسة الإسرائيلية الحالية.
حماس والحزب والردّ المحتمل
حماس ليست محرجة، بل هي تدرك تماماً أنّ ما قامت به ستكون له تداعيات. وهي وضعت عنواناً لهذه العملية “طوفان الأقصى” لأنّها تريد أن ترمز إلى بعض الثوابت التي تشكّل أساساً لأيّ مفاوضات حول وقف الحرب:
– أوّلها وقف الاستيطان.
– ثانيها حماية الأقصى.
– ثالثها إطلاق سراح الأسرى و”تبييض السجون”.
– رابعها فكّ الحصار عن قطاع غزة.
– وخامسها إعادة الإعمار.
في المقابل، بدأت فصائل فلسطينية أخرى العمل على تشكيل سلطة فلسطينية موحّدة للوصول إلى حلّ سياسي لأنّ أيّ إعادة إعمار لغزّة لن تحصل من دون الوصول إلى حلّ سياسي.
حماس لم تقل بعد كلمتها الأخيرة في إمكانية المشاركة في حلّ سياسي أو لا، لكنّ الخيارات لديها ليست كثيرة، فإمّا المشاركة بما سيبقى منها بعد الحرب وإمّا إقصاؤها عن أيّ حلّ آتٍ إلا إذا فرضت نفسها شريكاً اساسياً في أي سلطة فلسطينية مقبلة في انتخابات برلمانية وهنا لا بد من الاشارة إلى الكلام الجدي عن حسابات بدأت تتناقض بين حماس ومحور الممانعة في الساحة الفلسطينية وعليه يبدو أن حركة حماس تذهب الى أن تكون نداً في أي مفاوضات مقبلة لا أن يفاوض عنها أي دولة أو طرف إقليمي.
واحدة من إشارات المرحلة المقبلة بداية الكلام عن مساهمة المملكة العربية السعودية في توحيد الصفّ الفلسطيني والدخول في حلّ سياسي دائم، وإن كان الكلام عن ذلك ما زال مبكّراً جداً، في ظلّ موقف إسرائيل الرافض والعامل على أن يصبح “الترانسفير” والتهجير من القطاع أمراً واقعاً بعد تدمير غزة واحتلال الضفّة الغربية كاملة.
أمّا الحزب فهو محرج في ردّه. وضعه لا يُحسد عليه وإن كان حتماً لديه بنك أهداف واضح في إسرائيل، إلا أنّ حساباته تختلف في وضع لبناني دقيق كما قال الأمين العام للحزب وفي حسابات إيرانية أكثر من دقيقة.
إقرأ أيضاً: 2024: مسار لبنان منفصل عن المنطقة؟
آخر الرسائل إلى إيران عبرت سوريا ووصلت إلى عمق الجمهورية الإسلامية، لتقول إنّ التسوية لم تكتمل بعد بانتظار مزيد من التنازلات لضمان أمن إسرائيل.
الخلاصة أنّ المنطقة على فوهة بركان، والجنون الإسرائيلي لن تكون له حدود في أيّ مواجهة.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@