62 مستوطنة جديدة في الضفّة… منذ بداية حرب غزّة

مدة القراءة 7 د


على الرغم من ارتفاع تكاليف العدوان على غزة، إلا أنّ الحكومة الإسرائيلية اليمينيّة لم تغفل تخصيص موارد ماليّة بملايين الدولارات لدعم الاستيطان في الضفة الغربية أخيراً، وهو ما دفع حركة “السلام الآن” الإسرائيلية لتوجيه انتقادات حادّة إلى الحكومة واصفة إيّاها بأنّها “مثل لصوص الليل”.

قالت المنظمة: “مثل لصوص الليل في خضمّ الحرب، قام وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بدعم من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بتحويل ميزانية بمئات الملايين للمشروع الاستيطاني على حساب مواطني إسرائيل وإعادة إعمار المنطقة المحيطة بقطاع غزة”.

تكاليف الحرب وتداعياتها الماليّة سيطرت على مناقشات الموازنة العامة للحكومة الإسرائيلية، التي شهدت زيادة إضافية بمقدار 30.3 مليار شيكل إسرائيلي، أي أكثر من 8.2 مليارات دولار أميركي، 17 مليار شيكل منها  (4.6 مليارات دولار) ستُخصّص لنفقات الحرب العسكرية، و13.3 مليار شيكل (3.6 مليارات دولار) لنفقات الحرب المدنية.

على الرغم من ارتفاع تكاليف العدوان على غزة، إلا أنّ الحكومة الإسرائيلية اليمينيّة لم تغفل تخصيص موارد ماليّة بملايين الدولارات لدعم الاستيطان في الضفة الغربية أخيراً

هذه الزيادة في الموازنة وتخصيص مبالغ للاستيطان أثارا خلافات داخل حكومة الاحتلال، وقد عارضها زعيم المعارضة بيني غانتس الذي انتقدها، لكنّ وزير المالية سموتريتش أصرّ عليها وعلى مخصّصات الاستيطان من الميزانية.

62 مستوطنة منذ بداية حرب غزّة

هكذا استغلّ المستوطنون وقادتهم العدوان على غزة لتعزيز وتوسيع المشروع الاستيطاني في الضفة. فقد أقاموا ما يقارب 62 بؤرة استيطانية منذ بداية الحرب، وشنّوا هجمات دموية على الفلسطينيين، في ظل حالة التحريض على القتل التي تسري في المجتمع الإسرائيلي، وانشغال العالم بما يجري في غزة.

الحكومة اليمينية المتطرّفة التي يعدّ قادة المستوطنين أحد أركانها على غرار إيتمار بن غفير وسموتريتش، لم تغفل تمرير مخطّطاتها الاستيطانية في الضفة الغربية خلال العدوان، وأهمّها التوسّع الاستيطاني في مختلف المحافظات الفلسطينية وتعميق سياسة عزل المناطق المصنّفة “ج”، من خلال تضييق الخناق على المواطنين الفلسطينيين لتهجيرهم من أماكن تجمّعهم، لا سيما في التجمّعات البدوية، وجلب المزيد من المستوطنين لاحتلال أراضيهم وإقامة بؤر استيطانية تمهيداً لإنشاء مستوطنات إسرائيلية جديدة.

قالت “السلام الآن” إنّ ملاحق الموازنة التي أقرّتها الحكومة تشير إلى أنّ 40 مليون شيكل (10.6 ملايين دولار) ستخصّص لوزارة الاستيطان لـ”الحفاظ على مناطق “ج” التي تشكّل 60% من مساحة الضفة الغربية وتقع تحت المسؤولية الإسرائيلية الكاملة، وإلى تخصيص 100 مليون شيكل (26.7 مليون دولار) لقسم الاستيطان، و33 مليون شيكل (8.8 ملايين دولار) لـ”مديرية التربية الاستيطانية”، وتخصيص 9 ملايين شيكل (2.4 مليون دولار) لـ”مديرية الهويّة اليهودية”، و40 مليون شيكل (10.6 ملايين دولار) لـ”تعزيز” “الهوية اليهودية”، كما تشمل الموازنة أيضاً ما يقرب من مليون ونصف مليون شيكل (401 ألف دولار) لـ”المجلس المحلّي في الخليل”.

أثار هذا التوجّه انتقادات وخلافات حتى داخل الحكومة الإسرائيلية، من خلال معارضة بيني غانتس للمخصّصات الماليّة للمستوطنين لأنّه يريد أن تُلغى كلّ المخصّصات المالية في زمن الحرب لأنّ ذلك يضرّ بالمجهود الحربي، وهو ما عارضه سموتريتش.

تكاليف الحرب وتداعياتها الماليّة سيطرت على مناقشات الموازنة العامة للحكومة الإسرائيلية، التي شهدت زيادة إضافية بمقدار 30.3 مليار شيكل إسرائيلي، أي أكثر من 8.2 مليارات دولار أميركي

100 ألف رخصة سلاح للمستوطنين

تشكّل المستوطنات الإسرائيلية حوالي 42% من مساحة الضفة الغربية، بينما تسيطر إسرائيل منذ إبرام اتفاقية أوسلو على ما يقارب 68% من مساحة المناطق المصنّفة “ج” لمصلحة المستوطنات، حيث تعمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تكثيف التوسّع الاستيطاني، من خلال منح المستوطنين محفّزات مادّية واقتصادية لتشجيع هجرتهم إلى فلسطين وبناء المستوطنات، وبالتالي الاستقرار الدائم فيها، وهو ما يعني الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية وإجلاء العديد من الفلسطينيين عن وطنهم.

ما يدلّل على ذلك هو سياسة هدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية التي تمثّل إجراءً عقابياً ممنهجاً تستخدمه الحكومة الإسرائيلية لتوسيع مخطّطاتها الاستيطانية، من خلال إجبار الفلسطينيين على هدم منازلهم بأيديهم، خصوصاً في المناطق المسمّاة “ج” بحجّة البناء دون ترخيص، وفي المقابل توفّر إسرائيل آلاف التراخيص للمستوطنين للبناء في هذه المناطق، في معادلة ترجّح كفّة المستوطنين على حساب المواطن الفلسطيني صاحب الأرض.

في السياق ذاته، تشكّل تطلّعات وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير لتسليح المستوطنين كافّة، لا سيما بعد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل)، وتوفير أكثر من 100 ألف رخصة سلاح بين أيدي المستوطنين، دليلاً واضحاً على إطلاق العنان للمستوطنين لاستخدام السلاح ضدّ الفلسطينيين دون رادع لهم، فضلاً عن توزيع المستوطنين على مختلف المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية العديد من المنشورات التي تتضمّن تهديدات للفلسطينيين والاستعداد لنكبة جديدة.

آلاف الوحدات السكنية الجديدة

شهد عام 2023 أكبر زيادة استيطانية، وفق “حركة السلام الآن” الإسرائيلية، منذ أن بدأت تتبع نموّ المستوطنات في عام 2012، وبحسب معطيات الحركة فإنّ أكبر هذه المخطّطات كانت في مستوطنة “معاليه أدوميم” شرق مدينة القدس، حيث تمّ إقرار ألف و475 وحدة استيطانية، ومستوطنة “عيلي” شمال شرق رام الله، حيث تمّ إقرار ألف و81 وحدة استيطانية.

منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، شنّ المستوطنون حوالي 343 اعتداء ضدّ الفلسطينيين، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، كما تمّ تهجير ما لا يقلّ عن 143 أسرة فلسطينية تضمّ 1,026 فرداً من بينهم 396 طفلاً، بسبب أعمال العنف، كما قتل المستوطنون 8 فلسطينيين وأصابوا 85 آخرين، بحسب “أوتشا”. وتشكّل هذه المعطيات إشارة واضحة إلى النهج الاستيطاني للحكومات الإسرائيلية في فرض المزيد من السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين والسيطرة على الموارد الطبيعية واستغلالها لمصلحة الاستيطان.

دعمٌ ماليّ للاستيطان

صادقت الحكومة الإسرائيلية في 28 تشرين الثاني الماضي على موازنة ملحقة “غير مسبوقة”، بقيمة 8 مليارات دولار، لتلبية احتياجات الحرب المدمّرة التي تشنّها تل أبيب على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، بينما أصرّ وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش على إبقاء مئات ملايين الشواكل ضمن الميزانية على الرغم من ارتفاع تكلفة الحرب على غزة، حيث عارض سحب مخصّصات الاستيطان من الميزانية التي أقرّتها إسرائيل مطلع العام الجاري، في دلالة على أهمية البعد الاستيطاني لدى الحكومة الإسرائيلية على الرغم من الخسائر الماليّة التي تكبّدتها إسرائيل نتيجة حرب غزة، وتداعياتها الاقتصادية على المجتمع الإسرائيلي.

إقرأ أيضاً: إيران تُدخل لبنان حرباً معروفةً نتائجها!

في ظلّ الدعم الإسرائيلي للعملية الاستيطانية، أمر سموتريتش بتحويل ما يقارب 180 مليون دولار إلى مكتب وزيرة المهمّات القومية والاستيطان أوريت ستورك، لدعم المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، بالإضافة إلى تحويل حوالي 13 مليون دولار من موازنة الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال لتوسيع شبكة الاتصالات الخلوية ودعم التغطية الخلوية الواسعة للمستوطنات في الضفة، بذريعة حماية حياة المستوطنين من الأخطار الناجمة عن عدم توافر التغطية الخلوية في مناطق وجودهم بالمستوطنات.

في ظلّ هذه المعطيات السياسية والمالية لتعزيز الوجود الاستيطاني، تبرز توجّهات الحكومة الإسرائيلية في الإبقاء على الوجود الاستيطاني للمستوطنين في الضفة الغربية على الرغم من تداعيات الحرب على قطاع غزة، وارتفاع حجم الخسائر المالية التي عصفت بموازنة الحكومة الإسرائيلية وتنامي حاجتها إلى كلّ الأموال من موازنتها لدعم التوسّع العسكري الحربي في غزة للحيلولة دون فقدان السيطرة العسكرية على مجريات الحرب الإسرائيلية في القطاع، لكنّ كلّ ذلك لن يكون على حساب تجميد دعم المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، الذي يعدّ بالنسبة للكثيرين أولوية أكثر من غيره، ومستقبل المشروع الصهيوني في فلسطين.

*كاتب فلسطينيّ

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…