مفاوضات إيران: تعثّرت مع أميركا.. تقدّمت مع السعوديّة

مدة القراءة 6 د


لن تكون نتائج الحرب الدائرة في المنطقة، وما تحمله من إعادة رسم للخرائط ولمواقع النفوذ، على حساب المملكة العربية السعودية. انتهى الزمن الذي كان لأيّ اتفاق أو تقاطع للمصالح بين القوى الدولية والإقليمية أن ينعكس سلباً على الوضع السعودي. بهذا الكلام تردّ مصادر دبلوماسية على كلّ التحليلات المرتبطة بالدخول في مسار جديد من التفاوض الإيراني الأميركي بعد كلّ التوتّرات التي شهدتها المنطقة، للوصول إلى اتفاق، وإمكانية أن يكون هذا الاتفاق على حساب العرب. تبدو المصادر مطمئنّة لما تمتلكه السعودية من قدرات وتعدّد للخيوط والخطوط، فلا تجربة اجتياح العراق وتداعياتها ستتكرّر، ولا التجربة التي سبقت الاتفاق النووي في عام 2015.

فوق دويّ المدافع، وضوضاء المواقف المتكاثرة والمتعدّدة، تواصل اللجنة الوزارية المكلّفة من القمّة العربية والإسلامية جولاتها وعملها برئاسة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان. تتواصل اللقاءات بدون ضجيج إعلامي أو إعلاني، في سبيل الوصول إلى وقف لإطلاق النار، وإعادة إحياء حلّ الدولتين وحماية الأمن القومي العربي، وخصوصاً المصري والأردني بشكل مباشر، إثر الكشف عن المشروع الإسرائيلي الحقيقي، وأيضاً لحماية الأمن الخليجي على المستوى الاستراتيجي ما دام كلّ ما يجري يهدف إلى إعادة خلط الأوراق وحجب الاستقرار الذي تطمح إليه الرياض.

لن تكون نتائج الحرب الدائرة في المنطقة، وما تحمله من إعادة رسم للخرائط ولمواقع النفوذ، على حساب المملكة العربية السعودية. انتهى الزمن الذي كان لأيّ اتفاق أو تقاطع للمصالح بين القوى الدولية والإقليمية أن ينعكس سلباً على الوضع السعودي

الحلّ ليس عسكريّاً… فقط

في خضمّ هذه التطوّرات، تبرز قناعة عربية بأنّ التركيز على المسار العسكري وحده بالنسبة إلى الفلسطينيين أو حلفائهم، سيؤدّي إلى نتائج عكسية على المستوى الأبعد، وسيسهم في المزيد من المحاولات لدفن القضية الفلسطينية وإبعادها عن الطاولة. لذا لا بدّ من تكثيف الجهود في سبيل إبقاء القضية الفلسطينية عنواناً أوّل في أيّ محفل دولي للوصول إلى حلّ عادل يعطي الفلسطينيين حقوقهم. وهنا لا بدّ من التكامل بين المسار الميداني والمسارات السياسية والدبلوماسية. ولا يمكن ترك إسرائيل تواصل عمليّاتها العسكرية التي ستؤدّي في النهاية إلى تهجير أهل غزة، وتدمير القطاع بالكامل بدون إبقاء أيّ مقوّم من مقوّمات الحياة فيه، وهو ما سيدفع سكّانه إلى الهجرة والانتقال فيما بعد إلى الضفة الغربية.

أصبحت معروفةً “المشاريع” المضادّة التي يراد لها أن تُعلّق على حبال عملية طوفان الأقصى، وربطها بمسارات استراتيجية كقطع مسار التطبيع، أو قطع طريق الهند إلى الخليج فإسرائيل ومنها إلى أوروبا، أو إعادة تكرار النموذج الذي اعتُمد في “العراق، سوريا، لبنان” من قبل إيران لتثبيت نفوذها، والعودة إلى الممارسة نفسها مع الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب. يأتي ذلك كلّه في ظلّ تصعيد الحوثيين ضدّ الملاحة بشكل يهدّد الأمن والاستقرار هناك، ويصيب دولاً عربية متعدّدة بأضرار كبيرة. فيما لا تُظهر الولايات المتحدة الأميركية أيّ جدّية في التعامل مع هذه المخاطر على الرغم من الإعلان عن تشكيل تحالف دولي لمواجهة الحوثيين.

تعثّر المفاوضات الأميركيّة الإيرانيّة

في الموازاة كانت المفاوضات الإيرانية الأميركية مستمرّة بقنوات خلفيّة تارة، وبلقاءات مباشرة تارة أخرى. إلا أنّ معطيات دبلوماسية أشارت إلى أنّ تعثّر مسار المفاوضات في الأيام الماضية هو الذي فتح الطريق أمام التصعيد المتعدّد الاتجاهات، وخصوصاً في العراق وسوريا والبحر الأحمر، سعياً وراء إعادة إحياء التفاوض.

بالنسبة إلى السعوديّة، هناك ثقة بأنّ أيّ طرف في المنطقة أو العالم يريد حلّاً لأيّ أزمة من أزمات المنطقة فلا بدّ له أن يعود إليها، سواء في اليمن أو القضية الفلسطينية أو غيرهما

ثمّة من يقول إنّ التفاوض الأميركي الإيراني سيكون مجدّداً على حساب العرب ودول الخليج والسعودية بالتحديد. إلا أنّ المصادر الدبلوماسية تنفي ذلك بشكل كامل وتقول: “انتهى الزمن الذي يمكن لأميركا أن تذهب فيه إلى اتفاق ضدّ المصالح العربية والسعودية خصوصاً”. كما أنّ هناك اتفاقاً سعوديّاً إيرانياً، وطهران لن تكون قادرة على القفز من فوقه نظراً لحاجتها إليه داخلياً وخارجياً. في هذا السياق، تشير المصادر إلى لقاءات حصلت الأسبوع الفائت بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين لمتابعة البحث في اتفاق بكين وعدم تجاوزه.

يبدو المصدر الدبلوماسي واثقاً من أنّ أيّ حلّ في النهاية، سيكون مرجعه إلى المملكة العربية السعودية، سواء ما يتعلّق بفلسطين أو بالبحر الأحمر والوضع في اليمن، من دون إغفال السياسة الأميركية التي تكيل بمكيالين، منذ حرب العراق إلى اليوم، إذ جنّدت أميركا جنودها وحروبها ضدّ العراق، وهو ما منح الاستفادة لإيران، بينما لم تساند واشنطن التحالف العربي في اليمن قبل سنوات، ورفعت الحوثيين عن لائحة الإرهاب، ولم تُظهر جدّية في التعاطي مع تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وعندما قرّرت التحرّك أرادت إشراك السعودية ودولة خليجية أخرى بشكل سيؤدّي إلى إسقاط كلّ اتّفاقات التهدئة التي حصلت.

بالنسبة إلى السعوديّة، هناك ثقة بأنّ أيّ طرف في المنطقة أو العالم يريد حلّاً لأيّ أزمة من أزمات المنطقة فلا بدّ له أن يعود إليها، سواء في اليمن أو القضية الفلسطينية أو غيرهما. فسوريا مثلاً التي كانت تُعتبر الحصن الإيراني الأبرز، كان واضحاً حجم حاجتها الماسّة إلى الرياض، وذلك ينسحب على لبنان واليمن. ويقول المصدر: “انتهى العصر الذي يمكن للأميركيين فيه أن يبرموا اتفاقات على حساب الرياض”. أخذ الأميركيون دروساً كثيرة حول شخصية الأمير محمد بن سلمان، حول إقدامه، وجرأته، وكسره لكلّ التابوهات في العلاقة مع واشنطن، وهذا يثبت أنّ السعودية تغيّرت ولم تعد تقارب الملفّات وفق الآليّة القديمة.

إقرأ أيضاً: فلسطين 2024: المتاهة الجديدة للفلسطينيين..

من أبرز الأمثلة على ذلك:

أوّلاً، العلاقة مع جو بايدن الذي اضطرّ في النهاية إلى زيارة الرياض.

ثانياً، رفض الرياض استقبال وزير الدفاع الأميركي في عام 2021.

ثالثاً، الموقف في “أوبك بلاس” الذي لم يتطابق مع الأميركيين وأزعجهم.

رابعاً، انضمام السعودية إلى تحالف “بريكس”، مع ما يعنيه ذلك من تنويع للخيارات والخطوط.

خامساً، تعزيز العلاقة مع الصين ورعايتها لاتفاق مع إيران.

جعلت كلّ هذه الإشارات الولايات المتحدة الأميركية تعلم أنّ هناك تغيّراً كبيراً حصل في السعودية. وهذا كلّه هو الذي دفع بمستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان لزيارة السعودية ثلاث مرّات منذ عملية “طوفان الأقصى” في إطار البحث عن حلول.

مواضيع ذات صلة

سوريا: حصان الاقتصاد الجديد في الشّرق؟

“إنّه ذكيّ جدّاً (إردوغان). لقد أرادوها (أراد الأتراك سوريا) لآلاف السنين، وقد حازها، وهؤلاء الناس الذين دخلوا (دمشق) تتحكّم بهم تركيا، ولا بأس في ذلك”….

أسئلة في العقبة حول تفرّد الشّرع بالمرحلة الانتقاليّة

من بين الأسئلة الكثيرة التي تناولتها اجتماعات العقبة العربية الدولية السبت الماضي مدى استعداد أحمد الشرع (الجولاني سابقاً) لإشراك قادة المعارضة الآخرين في إدارة المرحلة…

سوريا: تركيا تتقدّم.. إيران تتراجع.. والعرب يتمهّلون

شكَّل سقوط النظام السوري تتويجاً للمتغيّرات بالمنطقة، وعنى تراجعاً للمحور الإيراني، وتعاظماً للنفوذ الإسرائيلي والتركي. والفرق أنّ تركيا تملك قوّة عسكرية وقوّة ناعمة، بينما لا…

“أساس” يُحاور بشّار الأسد: يحيى خرّب كلّ شيء

في غرفة أقرب ما تكون إلى الظلمة منها إلى الضوء، جلست ومعي قلم ودفتر بعدما سحبوا منّي آلة التّسجيل. كانت الساعة فوق الموقدة المشتعلة تُشير…